آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-12:59ص

في عمق "ظاهرة إهدار المال العام" الحلقة الثالثة

الإثنين - 24 ديسمبر 2018 - الساعة 09:12 م

د . محمد حميد غلاب الحسامي
بقلم: د . محمد حميد غلاب الحسامي
- ارشيف الكاتب


إنه وبدون الدخول في جدلية التعاريف القانونية والأخلاقية والدينية للمال العام وكيفية الحصول عليه والحفاظ عليه وأوجه صرفه والضوابط القانونية المحددة لذلك ومن هو المسؤول الأول عنه, وهل الحفاظ عليه مسؤولية فردية أم سلطوية أم مجتمعية أم كل ذلك, فإن التعريف الموجز للمال العام هو : كل تلك الثروات الطبيعية الباطنة في جوف الأرض والظاهرة على سطحها في أي بلد من البلدان برية كانت أم بحرية , ويعتبر ملكا لكل ساكني ذلك البلد جميعا وبدون استثناء أو تمييز وهو بمثابة الأشياء المقدسة التي لا يجوز لأي فرد أو جماعة أو سلطة أو طائفة أو فئة أو حزب...الخ المساس به والاعتداء عليه والسيطرة عليه وتسخيره لحساب مصالحها الضيقة وذلك على حساب الغالبية العظمى من أبناء البلد مهما كانت سلطته أو موقعه في البلد,وكل من يقوم بذلك يتعرض للعقوبة المنصوص عليها وفقا للقوانين السارية في البلد.

وعليه :
فإن أول ماتقوم به الأنظمة الاستبدادية الاستعبادية التسلطية الطغيانية والقمعية ممثلة برموزها في بداية تسلطها هو الاستحواذ على المال العام للبلد والقيام بإهداره وذلك عبر مظاهر عديدة ومتنوعة وذلك بغرض شراء الولاءات ,فردية كانت أم جماعية أم كليهما معا, والاغداق عليهم من المال العام للبلد بغرض كسب ودهم والحفاظ على بقائها واستمراريتها لأطول فترة طويلة ممكنة, مستغلة في سبيل ذلك الثقافة الاجتماعية المتجذرة في الوعي الجمعي الاجتماعي وحتى بعضا من النخبوي فيه حول النظرة السلبية إلى المال العام, باعتباره ملكا لتلك الأنظمة...ممثلة برموزها تفعل فيه ماتشاء وكيفما تشاء وبأنه لا يحق محاسبتها على ذلك من قبل أي فرد كان.
ولعل من أخطر مظاهر إهدار المال العام من قبل تلك الأنظمة.., إن لم يكن أخطرها, هو الإنفاق من قبل تلك الأنظمة...بعشرات المليارات أو بمئات المليارات من العملة الصعبة في سبيل إنشاء جهاز عسكري أمني يكون مهمته الأساسية هي قمع الأفراد أو الجماعات أو ...الخ في البلد التي تقف أمام تلك الأنظمة.., وليس الدفاع عن البلد وحمايته من أي تهديد خارجي أو داخلي يهدد تربته وإنسانه, وذلك عبر شراء الأسلحة والعتاد العسكري والأمني بما يرافق ذلك من فساد بين تجار السلاح ومشتريه وبما ينتج عنه من إهدار للمال العام للبلد في الوقت الذي يعيش فيه ذلك البلد أزمة اقتصادية خانقة, وتكون الكارثة الحقيقية هي أنه عندما تنهار تلك الأنظمة..., بفعل عوامل خارجية أو داخلية أو كليهما معا, ينهار معها ذلك الجهاز العسكري والأمني بموارده البشرية والمادية, كل طرف يأخذ حصته منه, وفجأة تتبخر كل تلك القوة العسكرية والأمنية بمكوناتها البشرية والمادية وتتبخر معها كل تلك المليارات التي صرفت عليها من عرق أفراد البلد على حساب عيشهم ومعيشتهم, وعندئذ تصبح البلد مكشوفة ولقمة صائغة لأي أطماع خارجية ويكون من السهولة وقتئذ بمكان على تلك القوى النيل من تراب البلد ومن إنسانه, حيث أنه لا يوجد مؤسسة عسكرية وأمنية ساعتئذ حمايته, بأرضه وإنسانه, وهذا هو أخطر الأشياء على البلد الذي تخلفه تلك الأنظمة...وما مصير تلك الأنظمة...ببعيد وخير شاهد على ذلك.


#الخلاصة:
إن الأنظمة الاستبدادية الاستعبادية التسلطية الطغيانية والقمعية, ممثلة برموزها, وبما تمثلة من خطر جسيم وحقيقي على حاضر البلد ومستقبلها بأرضها وبإنسانها وذلك عبر الإهدار المنظم للمال العام للبلد ومسخ هويته وطمسها وإهدار لإنسانه وقمعه واذلاله واحتقاره وسلبه إنسانيته وآدميته وكينونيته وذاتيته وانتزاع هويته الوطنية, التي بواسطتها يستطيع بأن يدافع عن بلده..,.
أقول ,
إن تلك الأنظمة..ما كان لها بأن توجد وتستمر لأطول فترة زمنية ممكنة وتفعل فعلتها وافاعيلها تلك لولا غياب الوعي الجمعي الاجتماعي القابل بها والغير مدرك لحقيقتها وخطرها عليه, ولولا غياب الوعي النخبوي خصوصا بمدى خطورتها وآثارها المدمرة على حاضر ومستقبل البلد بأرضها وبإنسانها, بل الأخطر من ذلك كله هو وجود فقهائها ومثقفيها الذين يشرعنون لها عملها, دينيا وغير دينيا, ويزنون لها أعمالها وتصرفاتها, حتى إذا ما بدأت بالانهيار تخلوا عنها وتبرأوا منها وكأن لسان حالهم يقول كما قال إبليس لتابعيه ولأنصاره وبحثوا لهم حينئذ عن...جديد. تابع