آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-10:44م

في عمق الدولة المدنية الحديثة (4)

السبت - 29 ديسمبر 2018 - الساعة 06:24 م

د . محمد حميد غلاب الحسامي
بقلم: د . محمد حميد غلاب الحسامي
- ارشيف الكاتب


 

رابعا : الركائز الأساسية التي تقوم عليها الدولة المدنية الحديثة :

إن أية دولة مدنية حديثة لا يمكن لها بأن تكون كذلك إلا إذا قامت على ركائز أساسية عدة وعديدة, أذكر منها, على سبيل المثال لا الحصر وبإختصار شديد وموجز, ما يلي :

# الركيزة الأولى : المواطنة الحقة المتساوية

تعتبر المواطنة الحقة المتساوية لجميع أفراد المجتمع, حقوقا كاملة متساوية وواجبات كاملة متساوية, دون تمييز بينهم..والعيش المشترك والمصير المشترك لكل أفراد المجتمع من أهم الركائز الأساسية التي تبنى عليها الدولة المدنية الحديثة، فالمواطنة الحقة المتساوية تعتبر بمثابة قد الصهر الذي تصهر فيه كل أنواع وأشكال وصور وأنماط التمييز العنصري بين أفراد ومكونات المجتمع الواحد المختلفة..

# الركيزة الثانية : سيادة القانون وعدالته

وهذا يعني بأن تكون تلك الدولة هي صاحبة الحق الأول والأخير في تطبيق القانون في الوطن على جميع أفراد المجتمع دون تمييز بينهم...وهي المالك الحقيقي والوحيد للأدوات اللازمة لتطبيق ذلك القانون، وذلك وفقا للعقد الاجتماعي بينها وبين جميع أفراد المجتمع في البلد ووفقا للدستور الساري فيه والمعمول به والذي جاء نتيجة إختيار حقيقي من قبل كافة أفراد المجتمع في البلد أو غالبيتهم فيما يتوافق مع المبادئ والشرائع الأخلاقية سماوية كانت أم أرضية..

# الركيزة الثالثة : الديمقراطية الحقيقية

إن الديمقراطية الحقيقية بشقيها : السياسي, المتمثل في مبدأ التداول السلمي للسلطة واحترام حقوق الفرد وحريته في إختيار حاكمية, والإجتماعي, المتمثل بالعدالة الإجتماعية لكافة أفراد المجتمع وما تقتضيه تلك العدالة من تنمية بشرية وعمرانية على قاعدة العدالة....بين أفراد المجتمع ولكافتهم, تعتبر من أهم الركائز الأساسية التي تبنى عليها الدولة المدنية الحديثة، إذ أن هناك فرق كبييير وكبييير بين الديمقراطية كوسيلة للوصول إلى سدة الحكم، وبين الديمقراطية كوسيلة للوصول إلى العدالة الاجتماعية والتنمية البشرية والعمرانية في كافة المجالات الحياتية المختلفة للمجتمع والتي يكون فيها الإنسان الفرد وسيلتها والهدف منها والغاية المرجوة منها..

# الركيزة الرابعة : حيادية المؤسسة العسكرية والأمنية وعدم المشاركة في الحكم

إن أية دولة لا يمكن لها بأن تكون دولة مدنية حديثة إلا إذا ضمنت عدم تولي المؤسسة العسكرية والأمنية للسلطة في البلد أو المشاركة فيها,فدور تلك المؤسسة...هو حماية الحدود للبلد من أي إنتهاك خارجي لسيادة وقدسية التراب الوطني وتدنيس ترابه, وكذلك الحفاظ على الأمن الداخلي للأفراد, لتكون تلك المؤسسة...تحت سلطة وسيطرة الدولة المدنية الحديثة وإحدى أدواتها لتطبيق القانون وفرض هيبته تجاه من يحاول إقلال السكينة العامة للأفراد والمجتمع بمكوناته المختلفة كافة..

وعليه :
فإن أية دولة لا تقوم على تلك الأسس والركائز تعتبر دولة غير مدنية حديثة وتظل تصنف قولا وعملا وتسمية واصطلاحا ضمن الدولة الغير مدنية والغير حديثة وتدخل في خانة الدول التقليدية العصبية الضيقة والمقيتة ، الدول البوليسية أو كما تسمى أيضا ب" دول المخابرات " أو " الدول المخابراتية "..

# الخلاصة :
إن تلك الأسس والركائز التي تبني عليها الدولة المدنية الحديثة ووفقا لها وعلى أساسها وفي إطارها تعتبر أسسا وركائزا مترابطة مع بعضها البعض ومكملة ومتممة لبعضها البعض، وهي كيان متصل ومتحد لا يمكن فصل إحداها عن الأخرى، ولا يمكن بأن توجد إحداها دون وجود الأخرى، فكلها تنمو وتتطور معا عبر مراحل تاريخية من تاريخ البلد الذي يسعى لتحقيقها ويكون هدفه وغايته الوصول إليها..
"يتبع"