آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-12:28م

الثورات الشعبية (2)

الثلاثاء - 19 فبراير 2019 - الساعة 05:24 م

د . محمد حميد غلاب الحسامي
بقلم: د . محمد حميد غلاب الحسامي
- ارشيف الكاتب


 

القراء الكرام.....
وتماشيا مع سبق ذكره في (1) وتناسقا معه واستكمالا له :

فإننا إذا نظرنا وبسطحية شديدة إلى تاريخ المجتمعات البشرية منذ نشوء ونشاة تلك المجتمعات وحتى يومنا هذا، كذلك إلى جدليتها التاريخية وصيرورتها التاريخية، وليس سيرورتها، وذلك عبر تاريخها الطويل والطويل وتطورها وتطوراتها المتراكمة والمتتابعة والمكملة والمتتمة لبعضها البعض، فإننا سوف نجد بأن تلك المجتمعات مرت عبر تاريخها الطويل والطويل بمراحل عدة حتى وصلت إلى ماهي فيه..وعليه..الآن، وبأنها سوف تمر وتعيش بمراحل جديدة في المستقبل مادامت موجودة وقائمة ولم تنتهى الحياة بعد...
إذ لست هنا بصدد الحديث عن تلك المراحل وتلك الجدلية..وتلك الصيرورة..، وذلك لسببين مهمين :
الأول : وهو المهم هنا، إنني لست خبيرا بذلك ولست باحثا متخصصا في ذلك..، وإن قمت بالإشارة إلى ذلك فإنما هو من باب وجهة نظري الشخصية المتواضعة وبحسب الأرضية المعرفية المتواضعة التي أدعي لنفسي امتلاكها...
الثاني : أن المجال هنا لا يتسع لذلك...

القراء الكرام......
أعود وأقول وبإختصار شديد ومبسط وموجز، بأن تلك المجتمعات البشرية وعبر تاريخها الطويل والطويل عانت من كل أشكال وأنواع وصور الظلم والقهر والهدر والاستعباد والاستبداد والتسلط والطغيان والتمييز...إلخ، أمام هذا كله لم يكن أمامها سوى سبيل واحدا للتخلص والتحرر من ذلك كله، خاصة وأن طبيعتها تجعلها تبحث دائما ودوما عن الأفضل والأحسن وتتوق دوما إلى العيشة الكريمة والآمنة والمستقرة....إلخ، إحدى تلك المحاولات تمثلت بتلك الثورات والاحتجاجات التي قامت بها عبر تاريخ الطويل والطويل في سبيل تحقيق مبتغاها..والتي مازالت مستمرة حتى يومنا هذا وسوف تستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وما عليها...

القراء الكرام.....
لقد تميزت تلك الثورات والاحتجاجات عبر التاريخ بسمة العنف والعنف المضاد وبصفته، حيث كان ذلك هو الوسيلة الوحيدة المتاحة أمام تلك المجتمعات البشرية قبل أن تصل وتعرف، وكنتيجة لناضالها الطويل وكفاحها، ما يعرف اليوم بمبدأ التداول السلمي للسلطة بطريقة ديمقراطية سليمة وسلمية كإحدى الركائز الأساسية للدولة المدنية الحديثة القائمة الآن في كثير من المجتمعات والشعوب البشرية، تلك الدولة..التي ضمنت لتلك المجتمعات والشعوب البشرية بأن تعبر عن نفسها بطريقة ديمقراطية سليمة وسلمية عبر الاحتجاجات والإضرابات والاعتصامات وغيرها من تلك الوسائل السلمية البعيدة كل البعد عن ظاهرة العنف، يتم كل ذلك تحت حماية تلك الدولة المدنية الحديثة..وبرعايتها وبضمانتها وفي إطارها..
بعض تلك الثورات والاحتجاجات نجحت بما ترتب عن ذلك النجاح من نتائج...، والبعض الآخر من تلك الثورات والاحتجاجات فشلت بما ترتب عن ذلك الفشل من نتائج......

القراء الكرام......
إننا إذا نظرنا إلى المجتمعات والشعوب البشرية، فإننا سوف نجد بأن هناك مجتمعات وشعوب بشرية تسود في بلدانها الدولة المدنية الحديثة بركائزها الأساسية..، وفي نفس الوقت مازالت هناك مجتمعات وشعوب وأمم أخرى تسود في بلدانها الدولة البوليسية الاستخباراتية...
لكن كل تلك المجتمعات كافة بقسميها المذكوران آنفا، مازالت في تطلع مستمر إلى الأفضل، ومازالت تقوم بتلك الثورات والاحتجاجات في سبيل الوصول إلى الأفضل والأحسن..
وهنا تختلف كيفية ووسيلة القيام بذلك من قبلها، ففي الصنف الأول تتم تلك الثورات والاحتجاجات بطريقة ديمقراطية سليمة وسلمية، وما تلك الدورات الانتخابية المتعاقبة فيها والتي تفضي إلى تغيير الطبقة الحاكمة(الحزب الواحد أو الإئتلاف الحزبي) فيها في كل دورة أو دوريتين انتخابيتين أو أكثر، وذلك طبقا للنظام الانتخاباي في كل بلد منها على حده وطبقا كذلك، وهو الأهم، طبقا لمدى نجاح تلك الطبقة الحاكمة..في أداء البرنامج الانتخابي الذي على أساسه ووفقا له وصلت إلى صدة الحكم..
كل ذلك يعتبر ثورة شعبية اجتماعية، لكن بطريقة ديمقراطية سليمة وسلمية..
أما الصنف الثاني من المجتمعات والشعوب البشرية..وفي ظل غياب الدولة المدنية الحديثة بركائزها الأساسية..فيها وسيطرة الدولة البوليسية الاستخباراتية..وتحكمها فيها، وكنتيجة لعوامل عديدة ومتنوعة وكثيرة والتي لا يتسع المجال هنا لذكرها وتفصيلها، فإنها لا تجد من سبيل ومن وسيلة تقوم بها بثوراتها واحتجاجاتها غير سبيل ووسيلة العنف بما ينتج عن ذلك كله..، سواء في حال نجاحها أو في حال فشلها، وما التاريخ القريب لتلك المجتمعات والشعوب وحاضرها بصنفيها المذكورين آنفا إلا خير دليل وأنصع برهان وأقوى حجة دامغة على ذلك كله...

القراء الكرام......
وبناء على ماسبق ذكره وبإختصار شديد وموجز :
فإن هناك فرق كبييييير وكبييييير بين تلك الثورة التي تقوم ضد نظام استبدادي استعبادي تسلطي طغياني وشمولي ممثلا بالدولة البوليسية الاستخباراتية " دولة العصبيات الضيقة والمقيتة" التي يمارس بواسطتها كل ذلك...، وذلك بغرض اقتلاعه واجتثاثه عبر اقتلاع تلك الدولة البوليسية الاستخباراتية..واجتثاثها..
وبين تلك الثورة ( الاحتجاجات) التي تقوم ضد نظام ديمقراطي إنتخب بواسطة المواطنين بمحض إرادتهم ووفقا لذلك البرنامج الانتخابي الذي على أساسه تم وصوله إلى سدة الحكم، والذي حاول ذلك النظام الخروج عليه, وذلك بغرض تنبيهه إلى ذلك وإعادته إلى جادة الصواب، فإن فعل ذلك إستمر وإن لم يفعل ذلك يكون قد حكم على نفسه بالزوال والفناء، وكل ذلك يتم في ظل دولة مدنية حديثة قائمة بركائزها الأساسية..وتحت مظلتها وفي رعايتها وضمانتها وفي إطارها، وهي في هذه الحالة تعتبر تجديدا لها وضمانة حقيقية حتى لا تفقد إحدى ركائزها الأساسية....أو ينتقص منها..أو يتم إغفالها..وتجاهلها...

القراء الكرام.......
هنالك إرتباط وثيق وعلاقة جدلية بين الثورات والاحتجاجات الشعبية في أي مجتمع من المجتمعات وبين شكل الدولة القائمة فيها..

 

http://m.yemen-window.com/news/81481/