آخر تحديث :الثلاثاء-16 أبريل 2024-01:52م

وعي الظلام .. والظلامية

الخميس - 14 مارس 2019 - الساعة 05:13 م

د . محمد حميد غلاب الحسامي
بقلم: د . محمد حميد غلاب الحسامي
- ارشيف الكاتب


 

القراء الكرام.....

 

الظلام عكس النور, والظلامية عكس التنوير .

فالظلام والظلامية ليستا خاصتان فقط بإنعدام النور والتنوير الشمسي أو الكهربائي ,إنما يطلقان كذلك على الأفكار والرؤى والمعتقدات والعقول..إلخ ,فتوصف بأنها ظلامية, أي أنها ليست تنويرية,.

وكما هو معروفا بأن وعي الإنسان الفرد ووعي الإنسان المجتمع يشكل من تلك الأفكار والرؤى والمعتقدات للبيئة..التي يولد ويعيش فيها ويتشكل وفقا لها وعلى أساسها وفي إطارها وكنفها...

فإذا كانت ظلامية كان وعيه ظلاميا,وإذا كانت تنويرية كان وعيه تنويريا, بمعنى أن الإنسان إبن بيئته كما يقال.بما ينتج عن ذلك الوعي من أقوال وأفعال وسلوكيات وتصرفات على أرض الواقع المعاش, ظلامية كانت أم تنويرية,....

لكن متى يمكننا بأن نحكم أو نصف بأن تلك الأفكار والرؤى والمعتقدات بأنها ظلامية أو تنويرية؟

من وجهة نظري الشخصية المتواضعة فإنني أرى بأن تلك الأفكار والرؤى والمعتقدات تكون ظلامية عندما تتصف بعدة صفات ,لعل أبرزها وأهمها, على سبيل المثال لا الحصر, هي :

إحتكار الحقيقة واعتبارها حقيقة مطلقة يحرم النقاش حولها وعنها, عدم الاعتراف بالآخر المغاير وتكوين صورة نمطية سلبية عنه, الإقصائية والاختزالية والاستئثارية, استبعاد الآخر ونبذه ونفيه وتخوينه وتكفيره وعدم الاعتراف بشرعية وجوده، بل بعدم أحقيته بالوجود, الانعزالية والتقوقع على الذات ورفض التعامل مع الآخر إلا في إطار تلك الظلامية ووفقا لها, مجابهة ومحاربة أي فكر تنويري والتمسك الشديد والقوي بتلك الأفكار والرؤى والمعتقدات...، وغيرها وغيرها الكثير الكثير والكثير من الصفات والسمات....

وتكون تلك الأفكار والرؤى والمعتقدات تنويرية عندما يكون العكس مما تم ذكره سابقا.

أقول مجددا :

بأن تلك الأفكار والرؤى والمعتقدات الظلامية شكلت وعيا..ونتج عنه قولا وفعلا وسلوكا وتصرفا في الواقع المعاش, وهذا ما أسميه أنا شخصيا

ب,, وعي الظلام والظلامية,, والذي وللأسف الشديد مازلنا في هذا الوقت كأفراد ومجتمعات وكأمة نعيشه, وعيا وسلوكا, قولا وعملا, بما لذلك من آثار سلبية ليس على حاضرنا..فقط بل على مستقبلنا ووجودنا......إلخ.

.........

القراء الكرام.......

إن من يعيش في ظلامية تامة, وعيا وسلوكا, قولا وعملا, في تعامله مع الآخر المغاير في إطار تلك الظلامية ووفقا لصفاتها وسماتها, متماهيا معها وبها ورافضا لأية محاولة لإخراجه منها, طبعا هو مقتنعا ومؤمننا بما هو فيه...وعليه...., لا يمكن له بأن يكون مثالا وقدوة ونبراسا لأي تغيير تنويري مهما أدعى ذلك وتغنى به, فما أفعالهم إلا خير دليل وانصع برهان على ,,وعي ظلاميتهم,, بل إنه حجرة عثرة أمام ذلك التغيير...,محاربا لها ومجابها لها ورافضا,.وإن من يتوقع منهم غير ذلك إنما يعيش في,,وهم الأمل أو الأمل الموهوووووم,.

وكما يقول أفلاطون :

لو أن السماء امطرت حرية لرأيت بعض العبيد يرفعون المظلات.

............

 

القراء الكرام......

بناء على ماسبق الإشارة إليه آنفا من أن الأفكار والرؤى والمعتقدات التي تتصف بتلك الصفات التي تجعل منها أفكارا ورؤا ومعتقدات ظلامية والتي تشكل ,,وعيا ظلاميا,, بما ينتج عن ذلك الوعي الظلامي من سلوكيات ظلامية تؤثر تأثيرا سلبيا على المجتمع والأمة التي يسيطر عليها ذلك الوعي الظلامي ويتحكم بها في تعاملها مع الآخر المغاير ,داخليا كان أم خارجيا أم كليهما معا,.

فإننا إذا نظرنا إلى أولئك الذين يعيشون ذلك الوعي الظلامي فإنه يمكن تصنيفهم بحسب درجة وقوة الوعي الظلامي ومدي استجابتهم لأية فكرة تنويرية إلى صنفين:

الصنف الأول :

وهو ذلك الصنف الذي بلغت درجة وقوة وعيه الظلامي أشدها وقمتها وأصبح متماهيا بذلك الوعي..ومعه, متلذذا به ومتناغما معه ومتباهيا به ,بحيث يجد نفسه لا يستطيع العيش خارج إطاره وبدونه ,أو هكذا يتوهم, وهو في هذه الحالة تجده مجابها ومحاربا لأية فكرة تنويرية تحاول إخراجه مما هو فيه...وعليه...,بل مستميتا ومتفانيا في الدفاع عن ذلك..., وهؤلاء الصنف من البشر من الصعوبة بمكان إخراجهم مما هم فيه...وعليه...,لكنه غير مستحيل, ويحتاج من يقوم بذلك إلى قوة ليست عادية للتأثير عليهم وصبر شديد ووقت طويل ومعرفة علمية تامة بنفسياتهم وكيفية التعامل معهم وفي المقدمة كيفية كسب ثقتهم وودهم.....إلخ.

الصنف الثاني :

وهو ذلك الصنف الذي تكون درجة وقوة وعيه الظلامي لم تبلغ المدى والدرجة القصوى, فتجدهم يعيشون في صراع مرير مع ذاتهم ,حائرين, فكريا وعقليا ووعيا, بين ما يعيشونه ,وهم غير مقتنعين به ,وبين ما يتمنوه, لكنهم غير قادرين على المبادرة الفعلية الإيجابية لردة الفعل تلك, منتظرين من يخلصهم من ذلك ,لذلك تجدهم ينسجون القصص والروايات الأسطورية عن المخلصين والمنقذين ويعيشون في عالم الغيبيات والمثاليات والطوباويات.. إلخ, وهؤلاء من السهل إخراجهم مما هم فيه...وعليه...إذا توفرت الشروط الموضوعية فيمن يقومون بذلك الدور ,,دور المخلص والمنقذ,, وينساقون معه بدون تفكير ولا رأي ,مسلمين له ومستسلمين, يفعل بهم ما يشاء,.

تلك السلبية من قبلهم تعتبر سلاحا ذو حدين, فإذا كان ذلك المخلص أو المنقذ تنويريا وحداثيا وأمينا عليهم ومحبا ومخلصا لهم ,كانت سلبيتهم تلك تصب في مصلحة الهدف والغاية التي نذر أولئك المخلصون والمنقذون أنفسهم في سبيلها....

أما إذا كان ذلك المخلص أو المنقذ ممن يدعي ظاهريا التنوير والحداثة لكنه في الأصل غير ذلك, إنما استغل حاجاتهم وتعطشهم للخروج مما هم فيه....وعليه...في سبيل الوصول إلى الهدف والغاية التي تخصه هو وتخدم مصالحه الذاتية الضيقة, مستخدمهم وسيلة للوصول إلى ذلك....,ساعتئذ تكون تلك السلبية من قبلهم وبالا شديدا ووخيما عليهم.....

........

القراء الكرام.......

إن من يعيش الظلامية, وعيا وسلوكا, لفترة زمنية طويلة يكون من الصعب على من يريد إخراجه منها إعطائه الجرعة كاملة ودفعة واحدة ,لأن ذلك قد يفقده ما تبقى من ذاته ,إنما يتم ذلك عبر دفعات بسيطة متدرجة من قبل متخصصين في ذلك..مراعين كل الظروف الاجتماعية والنفسية والدينية لهم, غير متصادمين معهم واحتقارهم ,ولن يتم ذلك إلا بنيل ثقتهم أولا من قبل القائمين بذلك, مستخدمين في سبيل ذلك منهجا علميا يسيرون عليه ,مقيمين تجربتهم بين الفينة والأخرى ,متحررين من العجلة ,واثقين من أنفسهم, متحلين بالصبر والعزيمة وقبل ذلك بالإرادة الذاتية القوية ,مستعدين للتضحية غير آبهين بما ينتظرهم......إلخ.

...........

القراء الكرام.......

إنه ووفقا لذلك فإننا في أمس الحاجة إلى ثورة تنويرية تشكل,, وعيا تنويريا,, يكون بديلا ل,,وعي الظلام والظلامية,, يكون روادها أولئك الذين يحاولون التخلص من تلك الظلامية ويسعون للخلاص منها, يحلمون بغد أفضل وأجمل يلبي شعورهم بالحاجة إليه...إلخ.

بكم..يتجدد الأمل..ويتحقق