آخر تحديث :الجمعة-26 أبريل 2024-05:00ص

صناعة الوعي الإيجابي (1)

الأحد - 31 مارس 2019 - الساعة 04:29 م

د . محمد حميد غلاب الحسامي
بقلم: د . محمد حميد غلاب الحسامي
- ارشيف الكاتب


 

القراء الكرام..

أولا : المقدمة

تحدثنا عبر هذه النافذة كثيرا عن الوعي عموما وعن بعض جوانبه خصوصا، وعن أهميته بالنسبة للإنسان الفرد والإنسان المجتمع، سوكا وفعلا وقولا وتصرفا ونظرة إلى الآخر المغاير وإلى الحياة والكون بصفة عامة.

ونحن هنا لا نود تكرار ذلك، لكني أحب بأن أشير إلى نقطتين مهمتين في ذلك:

الأولى :

هي" وعي التخلف " الذي تعاني منه المجتمعات المتخلفة والجاهلة والغير متجانسة اجتماعيا وثقافيا وعقائديا ودينيا ومذهبيا وعرقيا...الخ في سلوكياتها وأفعالها وتصرفاتها ونظرتها إلى الآخر المغاير بل الحياة برمتها والكون برمته، بما ينتج عن ذلك من كوارث وأزمات ومآسي وحروب وصراعات وووووووووو..الخ عليها، ونحن من ضمن تلك المجتمعات....والبلدان والشعوب والأمم...

الثانية :

هي عملية كيفية الخروج من ذلك كله، وقلنا بأن تفكيك" وعي التخلف " وبناء وتجذير وتجذر "وعي التنوير " هي السبيل الوحيد والأوحد أمامها للخروج من كل ذلك.

تلك العملية"عملية تفكيك وعي التخلف "والتي أشرنا إليها سابقا...والتي تسمى ب" عملية صناعة الوعي "وفقا لأسس تنويرية تحديثية صحيحة وسليمة تستهدف إخراج تلك المجتمعات...والبلدان والشعوب والأمم من " وعي التخلف " إلى " وعي التنوير " عبر سلسلة من الهزات الوعيية لتلك المجتمعات...إلخ، بحيث يكون الإنسان الفرد هو وسيلتها وهدفها والغاية منها مهما كان ذلك الإنسان....ولكي تعيد له إنسانيته وآديميته وذاته وذاتيته بما تقتضيه تلك الإنسانية من حقوق له وواجبات مترتبة على تلك الحقوق عليه...

القراء الكرام....

وبناء على ما سبق ذكره ونتيجة له، فإن المجتمعات المتخلفة والجاهلة والغير متجانسة اجتماعيا وثقافيا وعقائديا ودينيا ومذهبيا وعرقيا...الخ والتي يسود فيها غياب الوعي الإيجابي ويتحكم فيها"وعي التخلف" ويسيطر، لا يمكن لها بأن تخرج مما هي فيها..وعليها..إلا بعملية تغييرية وعيية تنويرية تحديثية تستهدف بالمقام الأول نخبها حتى تكون مؤهلة للقيام بالدور المناط بها في تلك العملية الوعيية التنويرية التحديثية.

تلك العملية تسمى ب"صناعة الوعي".

لكن الأسئلة التي تطرح نفسها هنا هي :

ماذا يقصد ب"صناعة الوعي "؟ وماهي الركائز الأساسية لها؟ ومن هم المؤهلون للقيام بذلك؟ وماهي الشروط والمقومات التي يجب بأن تتوفر حتى يمكن إنجاز وانجاح تلك العملية" صناعة الوعي"؟ وماهي العقبات التي تعترضها والصعوبات التي تقف أمامها كحجرة عثرة؟ وكيف يمكن التغلب عليها ومواجهتها؟

وقبل ذلك كله والأهم من كل ذلك :

هل تلك المجتمعات..فعلا قد وصلت إلى مرحلة متقدمة من الشعور والإحساس الحقيقي بحاجاتها إلى تلك العملية" عملية صناعة الوعي"؟؟!!!

وغيرها وغيرها وغيرها من الأسئلة المتعلقة والمتصلة بذلك....

ثانيا : تعريف صناعة الوعي الإيجابي 

"صناعة الوعي " مصطلح اخترعه المؤلف وواضع النظريات الشاعر والكاتب والمترجم الألماني / هانس ماغنوس انتزنسبيرغر ،وهو يحدد الآليات التي يتم من خلالها استنساخ العقل البشري كمنتج اجتماعي ،ومن أهم هذه الآليات هي مؤسسات وسائل الإعلام والتعليم، وذلك بحسب رأيه.

لكنني شخصيا وبحسب الأرضية المعرفية المتواضعة التي أدعي بأنني أمتلكها أستطيع بأن أقول:

 بأن "صناعة الوعي " هي تلك العملية المعقدة والمركبة والمتسلسلة والتي تأخذ وقتا طويلا وليست نهائية،لكنها غير مستحيلة، والتي تستهدف الوعي الجمعي الإجتماعي عموما والنخبوي منه خصوصا للمجتمعات المتخلفة والجاهلة والغير متجانسة...عبر تحويل ذلك الوعي واللاوعي الجمعي الإجتماعي عموما والنخبوي منه خصوصا متمثلا ب"وعي التخلف " و "وعي الظلامية " إلى " وعي التنوير "وذلك عبر سلسلة من الهزات الوعيية، عقائدية وفكرية وصورة نمطية سلبية ،لتلك المجتمعات...والنخب..

تلك السلسلة..تكون مهمتها تنوير الوعي وصولا إلى "وعي التنوير " مستخدمين في ذلك كل الوسائل والأساليب والإمكانيات المتاحة الإنسانية الأخلاقية ،والتي يقوم بها ويناط بهم ذلك مجموعة من " المثقفين الإنسانيين" وفقا لأسس وركائز إنسانية أخلاقية وتنويرية حداثية...إلخ.

إن أي مجتمع من المجتمعات والشعوب والأمم المتخلفة والجاهلة والغير متجانسة..إذا أرادت الخروج مما هي فيها..وعليها..."وعي التخلف " والتخلص منه ومنع استغلالها من قبل تلك الأنظمة الاستبدادية الاستعبادية التسلطية الطغيانية والشمولية واللحاق بالركب الحضاري لتلك المجتمعات والشعوب والأمم المتحضرة والمتقدمة والمساهمة الفعالة والفعلية في بناء الحضارة الإنسانية وحتى تضمن لنفسها مكانا فيها، فليس أمامها سوى البدء الفوري في " صناعة الوعي "، وإلا تكون قد حكمت على نفسها بالاحتضار ومن ثم الفناء والزوال......

قال تعالى في كتابه الكريم :

( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)

وقال أيضا :

( إن الله لا يصلح عمل المفسدين )

صدق الله العظيم

بكم..يتجدد الأمل..ويتحقق

"يتبع"