آخر تحديث :الثلاثاء-23 أبريل 2024-12:40م

الصنمية الايدلوجية ( 5 )

الأربعاء - 24 أبريل 2019 - الساعة 08:28 م

د . محمد حميد غلاب الحسامي
بقلم: د . محمد حميد غلاب الحسامي
- ارشيف الكاتب


القراء الكرام..

خامسا : أسباب وعوامل الصنمية الايدلوجية

تحدثنا في هذه السلسلة المتواضعة..عن تعريف وسمات وخصائص ومظاهر الصنمية الايدلوجية، وهنا يطرح السؤال نفسه وبإلحاح, ماهي الأسباب والعوامل التي أدت إلى ذلك الوعي الصنمي الايدلوجي في العقلية العربية الحاضرة؟

وهنا سوف أتطرق إلى بعض من تلك الأسباب والعوامل برغم معرفتي بأن ذلك يحتاج إلى مجلدات لتوضيحه وتبيينه وشرحه، وكذلك إلى مراكز أبحاث ودراسات ومتخصصين في هذا الجانب، إلا أنني شخصيا أستطيع بأن أهم الأسباب والعوامل التي أدت إلى ذلك., طبعا على سبيل المثال لا الحصر وباختصار شديد، حيث يمكن تصنيف تلك الأسباب والعوامل إلى :

أولا : الأسباب والعوامل الذاتية :

وهي تلك الأسباب والعوامل الذاتية الداخلية التي شكلت البيئة المناسبة لنمو وتجذر وازدهار ذلك الوعي الصنمي الايدلوجي في العقلية العربية الحاضرة وأثرت فيها واوصلتها إلى ما هي فيها..وعليها..اليوم.

تتمثل تلك الأسباب والعوامل الذاتية الداخلية بأسباب وعوامل تاريخية قديمة موروثة ومكتسبة، وبأسباب وعوامل تاريخية حديثة ومعاصرة ، وبأسباب وعوامل دينية!! مذهبية كانت أم فقهية أم مللية وغيرها، وكذلك بأسباب وعوامل بيئية جغرافية ومناطقية وجهوية وحتى مناخية، وكذلك أسباب وعوامل تتعلق بالبنية الاقتصادية الرعوية للمجتمع العربي وما رافقها من صراعات وحروب ومجازر ومذابح في سبيل ذلك، ولعل أبرز الأسباب والعوامل الذاتية الداخلية هي تلك المتصلة بحالة الشتات الجغرافي للأمة وتقسيمها إلى كيانات مجزءة تتصارع فيما بينها البين......

ثانيا : الأسباب والعوامل الغير ذاتية :

وهي تلك الأسباب والعوامل الغير ذاتية الخارجية والتي عملت ومازالت على طمس الهوية الحضارية لأمتنا وتغذية تلك الأسباب والعوامل الذاتية الداخلية حتى يزيد الأمر تفاقما وسوءا.....

تتمثل تلك الأسباب والعوامل الغير ذاتية الخارجية بعاملين أساسين مهمين :

الأول : الهجمة الشرسة على أمتنا من قبل تلك القوى الخارجية التي ترى بأنه ليس من مصلحتها وجود كيان عربي حقيقي ،وبأن إستمرارية الوضع على ماهو عليه هو الأفضل بالنسبة لها، لذلك عملت وبكل ما تملك من إمكانيات بشرية ومادية على إجهاض كل محاولة من تلك المحاولات العديدة والمتعددة والمتنوعة التي كانت تهدف إلا إخراج أمتنا مما هي فيها..وعليها..

طبعا كل تلك الأسباب والعوامل الذاتية منها والغير ذاتية ساهمت وبقدر كبير في تشكل وتشكيل ذلك الوعي الصنمي الايدلوجي وتجذره في العقلية العربية الحاضرة، هروبا من مواجهة التحديات الداخلية والخارجية وتقوقعا في الذات الصنمية الايدلوجية وعجزا وفشلا في مواجهة التحديات الحاضرة والمستقبلية للأمة...، وذلك إما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة...

الثاني :

تمثل السبب والعامل الثاني الخارجي بوضعية دول الجوار بما هي فيها..وعليها..، حيث لم تكن قدوة لنا نحتذي بها ونتسابق معها...

وقبل ذلك والأهم منه :

ذلك التخلف وذلك الجهل الذي ظل كاتما ومسيطرا على العقلية العربية ومتحكما بها ولفترات طويلة امتدت إلى قرون وما زال جزءا كبيرا منه في وقتنا الحاضر، وهو ما أثر تأثيرا كبيرا على الوعي واللاوعي الجمعي الإجتماعي لأمتنا عموما والنخبوي منه خصوصا., تمثل ذلك ب" وعي التخلف " و " وعي الظلامية " بكل سماتهما وخصائصهما ومظاهرهما، بما لذلك من آثار خطيرة ووخيمة ونتائج كارثية على العقلية العربية الحاضرة، والذي يعتبر بيئة خصبة لنشوء ونمو وازدهار ظاهرة الصنمية الايدلوجية وتجذرها..

ذلك الوعي..الذي ساعد على تفشي تلك الأفكار الصنمية الايدلوجية في تلك العقلية العربية الحاضرة، إضافة إلى تلك الأنظمة الاستبدادية الاستعبادية التسلطية الطغيانية والشمولية والمتحالفين معها داخليا وخارجيا..قد عملت وبكل بجهد وبكل الإمكانيات المتاحة له، مادية ومعنوية، على تجذر وتجذير ذلك الوعي..وخاصة في الوعي واللاوعي الجمعي الإجتماعي عموما ومحاربة كل ما من شأنه محاولة إخراج تلك المجتمعات من ذلك الوعي..، وذلك ببساطة شديدة لأن ذلك..يضمن لها استمراريتها وبقائها لأطول فترة زمنية ممكنة...

هذه وباختصار شديد بعضا من تلك الأسباب والعوامل التي أدت إلى نمو ظاهرة الصنمية الايدلوجية في العقلية العربية الحاضرة، وهي كعناوين رئيسية فقط وتحتاج إلى تفصيل كل واحدة منها على حدة، وذلك ليس أمرا سهلا وبسيطا كما قلت سابقا...

وعليه :

ونتيجة لكل ذلك فإن معرفة تلك الأسباب والعوامل الذاتية الداخلية والغير ذاتية الخاريجية تحتاج إلى دراسات عديدة علمية ومنهجية وفقا للمنهج العلمي التحليلي والواقعي المتبع في دراسات تلك الظواهر من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والفكرية والبنيوية والدينية والمذهبية والعرقية والاثنية وغيرها وغيرها وغيرها وغيرها...، ومن ثم وضع الحلول المناسبة لمعالجتها، وبأن القيام بذلك العمل وذلك الجهد ليس أمرا سهلا وبسيطا، فهو يحتاج إلى مراكز أبحاث ودراسات ومتخصصين في جميع المجالات الحياتية المختلفة لأمتنا وللعقلية العربية الحاضرة ، ويحتاج ذلك إلى مجلدات لوضعها فيها...

.....

#الخلاصة :

إنها الإشكاليات العديدة والمتعددة والمتنوعة التي تعاني منها العقلية العربية الحاضرة ، دينية كانت أم غير دينية ' مذهبية كانت أم فقهية أم مللية، حزبية كانت أم ايدلوجية....الخ.

إنه " وعي التخلف " و " وعي الظلامية " بكل سماتهما وخصائصهما ومظاهرهما...

إنه " الوعي النمطيالسلبي " متمثلا بالصورة النمطية السلبية تجاه الآخر المغاير بكل سماته وخصائصه ومظاهره، سواء كان ذلك الآخر المغاير داخليا أم خارجيا،.....

وقبل ذلك والأهم من كل ذلك :

إنه الدور المغيب للإنسان في أمتنا....وفقدانه لهويته وذاته وذاتيته وسلبان كرامته وحريته وإنسانيته وآدميته..وتحويله إلى إنسان مقهور ومهدور..ولم يجد أمامه غير تلك الصنمية الايدلوجية لكي يحتمي بها...

إنه غياب المشروع الحضاري لأمتنا بمعناه الحقيقي الذي يكون الإنسان الفرد فيه هو وسيلته وهدفه والغاية المرجوة منه..والمعبر عنه تعبيرا حقيقيا، منتصرا لإنسانيته وآدميته وحريته وكرامته، معيدا له الثقة بنفسه عبر إعادة الاعتبار لذاته وذاتيته وكيانه الحقيقي الذي سلب منه من قبل تلك الأنظمة الاستبدادية الاستعبادية التسلطية الطغيانية والشمولية والمتحالفين معها..ممثلة ب" الأنظمة العصباوية الضيقة والمقيتة "..

بكم..يتجدد الأمل..ويتحقق

الصنمية الايدلوجية (4)

 

"يتبع"