آخر تحديث :السبت-18 مايو 2024-10:05م

الليلة مع الجمهورية التي أضعناها فضاع كل شي

الإثنين - 06 مايو 2024 - الساعة 02:11 ص

د. قاسم المحبشي
بقلم: د. قاسم المحبشي
- ارشيف الكاتب


( ليست مجرد حشد وتجمهر بل هي نظام سياسي يتم فيه تحول الجماعات والأفراد إلى مواطنيين أحرار لا سيد لهم غير القانون؛ سيد الجميع بلا استثناء) ق.م

جمّهر، جمهوّر، تجمهر، جمهورية، بمعنى اجتمع واحتشد وتراكم وظهر وبان وارتفع وتوسع وتمدد.الخ. جاء في لسان العرب ل أبن منظور " الجمهور، الرمل الكثير المتراكم الواسع، وقال الأصمعي: هي الرملة المشرفة على ما حولها المجتمعة. والجمهور والجمهورة من الرمل: ما تعقد وانقاد، وقيل: هو ما أشرف منه. والجمهور: الأرض المشرفة على ما حولها. والجمهورة: حرة لبني سعد بن بكر. ابن الأعرابي: ناقة مجمهرة. إذا كانت مداخلة الخلق كأنها جمهور الرمل.
وجمهور كل شئ: معظمه، وقد جمهره. وجمهور الناس: جلهم" ( ينظر، ابن منظور، لسان العرب ، الجزء الرابع، ص 149)
واضح أن المعنى الكمي ، التراكمي هو الغالب في لسان العرب ومدونتنا الثقافية لكلمة جمهور وتجمهر وجمهرة و" الجماهر: الضخم. وفلان يتجمهر علينا أي يستطيل ويحقرنا.
وجمهر القبر: جمع عليه التراب ولم يطينه. وفي حديث موسى بن طلحة: أنه شهد دفن رجل فقال: جمهروا قبره جمهرة أي اجمعوا عليه التراب جمعا ولا تطينوه ولا تسووه. وفي التهذيب: جمهر التراب إذا جمع بعضه فوق بعض ولم يخصص به القبر"
وهذا إنما يدل على القحط السياسي الشديد الذي عاشت البلاد العربية في عزلتها عن العالم إذ كان اليونان قبل العرب بالف عام يستخدمون مصطلح جمهورية بمعنى نظام سياسي رشيد
فالجمهورية هي المؤلف السياسي الرئيسي لأفلاطون وأسماها «كاليبوس». الدولة المثالية من وجهة نظر أفلاطون مكونة من ثلاث طبقات، طبقة اقتصادية مكونة من التجار والحرفيين، طبقة الحراس وطبقة الملوك الفلاسفة. يتم اختيار أشخاص من طبقة معينة ويتم إخضاعهم لعملية تربوية وتعليمية معينة، يتم اختيار الاشخاص الأفضل ليكونوا ملوكا فلاسفة، حيث أنهم استوعبوا المثل الموجودة في علم المثل ليخرجوا الحكمة.

من المتفق عليه في تاريخ الفكر العالمي أن كتاب "الجمهورية" لأفلاطون هو أول الكتب التي تحدثت عن المدينة الفاضلة في التاريخ، ومن هنا، إذا كانت "شرائع حمورابي" تعتبر قوانين العدالة الأولى في تاريخ البشرية، و"كتاب الموتى" الفرعوني يعتبر كتاب الأسئلة الوجودية الأولى التي طرحها الإنسان على نفسه، فإن "الجمهورية" هو النص الذي فكّر الإنسان عبره في مصيره السياسي والكيفية التي يتوجب عليه أن يبني بها مدينته التي تخلو من الظلم والصراعات المتواصلة بين البشر. ونعرف طبعاً أن "الجمهورية" لم يكن كتاب أفلاطون الوحيد، بل إنه يأتي في سياق نحو 30 محاورة وأكثر خلّفها لنا أبو الفلسفة الإنسانية هذا ووصلتنا متكاملة بلغة تخلو غالباً من أي صعوبة، لتربطنا ليس فقط بفكر أفلاطون بل كذلك بالمناخ الفلسفي والاجتماعي الذي كان سائداً في زمنه.
وربما كانت الجمهورية الرومانية هي اكبر وأهم نظام حكم سياسي شهدت العصور القديمة قبل الميلاد إذ بدأت منذ انهيار المملكة الرومانية (الذي يعتقد أنه وقع في عام 509 ق م) واستمرَّت حتى قيام الإمبراطورية الرومانية في عام 27 ق م. من أبرز التغيُّرات التي شهدها عهد الجمهورية هو توسُّع سُلطة الدولة الرومانية من مدينة روما إلى قُوَّة كُبرى حكمت كافَّة حوض البحر الأبيض المتوسط. وهكذا تنحدرُ كلمة «جمهورية» (بالإنجليزية: ريبابليك Republic) مِن أصلٍ لاتيني لعبارة «ريس بوبليكا» والتي تعني (شأن عام)، وأشارت إلى نظامِ حُكمٍ ظهر في القرن السادس قبل الميلاد. وتعني شكل من اشكال الاتلاف الاجتماعي السياسية يتجاوز الأسرة والعشرية والقبيلة إلى القوم أو الشعب بوصفه جمهور يقع على مستح مثولي متساوي الحقوق والواجبات والقانون فيه سيد الجميع بدون استثناء.

ورغم رسوخ نظام الحكم الجمهورية في التاريخ السياسي للعالم وتنوع معانية إلا إن كلمة اجمهورية مثلها مثل ثورة ظلتا في الثقافة العربية يحضران في سياقات طبيعية بيولوجية فجة " كغيرهما من المصطلحات والمفاهيم والنماذج الثقافية الحديثة ألكثيرة ألدولة ألدستور الجمهورية، الديمقراطية، الأحزاب، الشعب، المواطنة، المجتمع المدني، الليبرالية، حقوق الإنسان. الخ التي تدفقت علينا من سياقات تاريخية واجتماعية وثقافية مختلفة ومغايرة طيلة القرنين المنصرمين، إذ أنه وبعد "صدمة ألحداثة التي هز بها التفوق الحضاري الهائل للاستعمار الغربي بنيان الثقافة الشرقية التقليدية، أخذت "الأفكار" و "المفاهيم" والمؤسسات والممارسات والنماذج والأشكال السياسية ومجموع القوانين والوصفات الاقتصادية تغادر شواطئ أوروبا وأمريكا الشمالية باتجاه الشرق أو الجنوب لتبحث لها عن فضاء مغاير تتحقق فيه، ولكن هذه المرة على الطريقة التي استقبلها بها أهل هذا الفضاء.
وانا أتتبع معنى ثورة في لسان العرب لأبن منظور وجدت " أن «ثار» الغبار سطع، و«أثاره» غيره، و «ثوّر» فلان الشر هيّجه وأظهره، و «الثور» ذكر البقر، و الأنثى «ثورة»، و «الثور» برج من أبراج الفلك" ( ينظر، قاسم المحبشي، الثورة تحولات المفهوم وسياقات المعنى، الحوار المتمدن)
على كل حال لم يعد البحث في مفهومي الثورة والجمهورية والدولة والشعب وغيرها من باب الترف الفكري بل صارت المسألة ضرورة وجودية ومهمة حيوية لاسيما في الحالة اليمنية كما أوضحا الدكتور علي محمد زيد في تقديم كتابه المهم ( الثقافة الجمهورية) إذ كتب "
حين يصل التيه إلى حد التساؤل والتشكيك في عقولنا وفي أحاسيسنا وتجاربنا التي عشناها، وتذوَّقنا حلاوتها أو تجرَّعنا مراراتها، يصبح الأمر خطيرا ويستدعي أن نتوقف ونتأمل محطات حياتنا لنوطد اليقين الذي امتلكناه ونقلل من لحظات الشك والحيرة التي تصيبنا بالإحباط واليأس.
هذا ما أحسست به وأنا أخوض في نقاش مع مجموعة من شباب لم يخوضوا بعد تجارب الحياة كما ينبغي ولا يتعاملون مع عقولهم تعاملا مسئولا مع أنهم يستطيعون إذا امتلكوا الإرادة والتصميم بلوغ حد كبير من المعرفة اليقينية، لأنهم يمتلكون من وسائل الوصول إليها أضعاف ما أتيح لنا في الستينات والسبعينات وحتى الثمانينات. ولا تنقصهم التحديات التي ينبغي أن يواجهوا وأن يتفاعلوا معها ويستجيبوا لها بعقل منفتح وبطموح كبير نحو تجاوز لحظات الخواء وتجنب إغراء الاستسلام للفراغ.
جعلني أحدهم في مواجهة نفسي حين سألني ببساطة: ما هي الثقافة الجمهورية التي تتحدث عنها؟ وأحسست بشيء من الصدمة، وخشيت أنني لا أمتلك الإجابة عن سؤال كان ينبغي أن أسأله لنفسي قبل أن أواجهَ هذا السؤال البسيط المحرج. فهل امتلك إجابة شافية؟
ما ذا يمكن أن تكون الثقافة الجمهورية في اليمن؟
اليوم سوف نتوقف عند هذا السؤال وما يتصل به من قضايا وافكار في ندوة الأكاديميين اليمنيين 46 المكرسة لبحث اليمن الجمهوري وتطلعاته المستقبلية.