آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-10:59م

ملفات


اليمنيون يبتسمون للعيد رغم الحرب

اليمنيون  يبتسمون للعيد رغم الحرب

الجمعة - 01 يوليه 2016 - 12:29 ص بتوقيت عدن

- ((نافذة اليمن))- متابعات

 تشهد الأسواق اليمنية في مختلف المحافظات انتعاشا كبيرا وإقبالا نوعيا من قبل المواطنين قبيل عيد الفطر، رغم الحرب التي تعصف بالبلاد منذ حوالي 16 شهرا، والأزمة الاقتصادية الخانقة التي بات يعاني منها معظم السكان البالغ عددهم حوالي 25 مليون نسمة.

 

ويحتفل اليمنيون بعيد الفطر للمرة الثانية في ظل الحرب التي أنهكت اقتصاد البلد الفقير، إلا أن المواطنين قرروا العيش مع الفرحة رغم الصعاب والأزمات والمآسي، كما يقول العديد منهم.

 

ويمثل العيد في اليمن فرصة لطي أي خلاف، حيث يتحول إلى مهرجان للمصافحة، فيقبل اليمنيون على بعضهم البعض يتصافحون ويتعانقون وينسون خلافاتهم، وهو ما يتمنونه أن يكون هذه السنة، بأن تنتهي الحرب وتعود الحياة كما كانت من قبل، ويعود الأطفال إلى الشوارع لتفريغ شحناتهم وممارسة هواياتهم في اللعب والمرح والابتهاج والتنزه في الحدائق وزيارة الأقارب.

 

وعادة ما يسبق اليمنيون العيد بأيام أو أسابيع لشراء حاجياتهم ومستلزماتهم من ملابس جديدة ومكسرات وعطور وكل الحاجيات المرافقة لذلك.

 

وتعيش الأسواق في صنعاء حالة ازدهار في العشرة أيام الأواخر من شهر رمضان، حيث يقصد الرجال والنساء الأسواق الشعبية والمساحات الكبيرة والمحلات الصغيرة لشراء ملابس وهدايا العيد.

 

يشتكي المواطنون من الغلاء وغياب الرقابة على أسعار السلع المعروضة، لكنهم مضطرين لشراء هدايا الأطفال

وتعلن العديد من المولات الكبيرة والمعارض الصغيرة والأسواق الشعبية عن تخفيضات كبيرة مناسبة لذوي الدخل المحدود من أجل شراء ملابسهم واحتياجاتهم مع وجود تنافس كبير بين التجار من أجل جلب المزيد من المقبلين على الشراء.

 

ويأتي كل هذا رغم الانخفاض والتردي في المقدرة الشرائية للمواطنين اليمنيين خلال الأشهر الماضية، وارتفاع الأسعار بشكل كبير جراء انخفاض قيمة الريال اليمني أمام العملات الصعبة.

 

وفي هذا الإطار يقول عبدالسلام محمد، أب لخمسة أطفال “لم يعد هناك مجال لادخار بعض المال قبل عدة أشهر من موعد العيد لنشتري لكل طفل ملابس جديدة كما في السابق. الحرب أنهكتنا، حتى أصبحنا نقوم بخداع أطفالنا بملابس قديمة نكويها ونطويها، ونوهمهم بأنها جديدة. الملابس والحلويات والألعاب أصبحت أحلاما من الماضي أمام غلاء المعيشة، فنحن نجاهد لتوفير الطعام لهم”.

 

 

فرحة حسب الإمكانيات

 

“في عيد الفطر سنعيش الفرح والسعادة رغم الألم والصعاب”، بهذه الكلمات ابتدأت حديثة قائد (ربة بيت) حديثها، مشيرة إلى “أنها ستعيش وأسرتها الفرح رغم الحرب والأزمة الكبيرة التي تعاني منها بلادها”. وتضيف قائد المقيمة في العاصمة صنعاء أنها “قامت بشراء حاجيات العيد من ملابس جديدة ومكسرات وحلويات وعطور رغم الظروف الصعبة التي تعيشها أسرتها”.

 

 

لعب الفقراء

وتابعت “نحاول أن ندخر بعض المال منذ أشهر كي لا تقتل الحرب فرحة العيد، فنقوم بشراء حاجياته ونعيش فرحته وطقوسه الجميلة بزيارات إلى الأهل والأقارب وبعض المتنزهات، بحسب الإمكانيات المتاحة”. ومضت في القول إنها “شاهدت ازدحاما كبيرا بأسواق العاصمة صنعاء من قبل المواطنين والمواطنات، وسط إقبال كبير على الشراء، وكأن الأزمة التي تعيشها البلاد غير موجودة، لافتة إلى أن اليمنيين ومنذ زمن طويل يعيشون فرحة العيد وكأنها شيء مقدس رغم الصعاب والأزمات والآلام”.

 

وتختلف طقوس الأعياد الدينية في اليمن من منطقة إلى أخرى بحسب التقاليد المعتادة لكل منطقة، وتمتزج ما بين زيارات الأهل والأقارب والجيران وإقامة الولائم والرحلات الترفيهية وبين زيارة مناطق مجاورة للتعرف على عاداتها وتقاليدها في هذه المناسبة، فضلا عن جلسات السمر الليلية والاجتماعات وغيرها.

 

وتكون فرحة العيد في اليمن بحسب الإمكانيات، ومن جهته يرى نشوان الأحمدي وهو أب لأربعة أطفال، أن “اليمنيين يعيشون الفرحة في عيد الفطر ويلبون معظم متطلباته بحسب الإمكانيات المتاحة”.

 

وأضاف، أن شهر رمضان يزدهر فيه العمل الخيري وتكثر فيه الصدقات من فاعلي الخير والمحسنين على الفقراء، وذلك من خلال تلبية مستلزمات بعض المحتاجين بالتعاون بين هؤلاء (فاعلي الخير) وبعض الجمعيات الخيرية التي تتكفل بملابس وحلويات العيد.

ولفت إلى أنه “لاحظ إقبالا كبيرا على الشراء من قبل المواطنين في الأسواق، مبيّنا في الوقت ذاته أن متطلبات العيد تأتي في اليمن رغم كل شيء، وهذا ما عهدناه خلال العام الماضي الذي عاشه اليمنيون مع الحرب”، بحسب قوله.

 

وتابع الأحمدي “اليمنيون معروفون بأنهم يعتمدون على أنفسهم وعلى كفاحهم بشكل مستقل عن السلطات الرسمية، وأن المشاريع الخاصة الصغيرة هي التي تعينهم، لذلك لا يتأثرون بشكل كبير جدا في معيشتهم عكس العديد من الدول المعتمدة بشكل أكبر على رواتب الحكومة”.

 

 

فرحة الصغار وأوجاع الكبار

وتعتبر العاصمة صنعاء ملجأ للعديد من الأسر اليمنية التي نزحت إليها بسبب الحروب التي تشهدها عدة محافظات أخرى، وذلك لاستقرار الوضع الأمني فيها، وهو ما جعل الحركة التجارية تبدو أكثر نشاطا من المحافظات الأخرى.

 

ويقول وليد عبده، مدير “يمن مول”، إحدى المولات الكبيرة وسط العاصمة صنعاء، إن الحرب التي يعيشها اليمن منذ حوالي 16 شهرا أدت إلى فقدان الناس لوظائفهم، فتوقفت المصانع مع ازدهار الهجرة الداخلية والخارجية، فنتج عن ذلك ضعف كبير في الاقتصاد وارتفاع أسعار السلع بشكل كبير، إلا أن ذلك لم يمنع الإقبال الشديد على عمليات الشراء من قبل المواطنين خلال هذه الفترة.

 

وأضاف عبده أن “الوضع في صنعاء مستقر وهو ما جعلها مكانا يلجأ إليه الناس من المحافظات التي تشهد حربا”، مشيرا إلى أن الإقبال على شراء حاجيات عيد الفطر المبارك من قبل المواطنين أفضل من العام الماضي. وتابع أن “الملابس بمختلف أنواعها والعطور هي من أكثر الحاجيات التي يحرص اليمنيون على شرائها خلال هذه الفترة”.

 

وتقول حنان علي، أخصائية اجتماعية، إنه رغم الظروف التي يمر بها اليمن والصعوبات المادية التي صارت تجبر الأسر اليمنية على التقشف والعيش في حدود المعقول وبحسب دخلها المادي، فإن الأسواق ظلت مكتظة بكمّ هائل من المتسوقين وبالذات المتسوقات قبيل عيد الفطر.

 

وأضافت “كل ربات البيوت والآباء يستعدون نفسيا وماديا لتوفير متطلبات عيد الفطر بقدر الإمكانيات المتاحة”، مشيرة إلى أن “الظروف التي تواجه بلادنا لم تمنع شعبنا من الاستمرار في استقبال فرحة عيد الفطر كلّ بحسب دخله”.

 

وتابعت “من خلال جولاتنا في الأسواق لاحظنا هذا الاكتظاظ والتزاحم، لافتة إلى أن الأسواق الشعبية تستقبل ذوي الدخل المحدود وكذلك المولات والمحلات الراقية تستقبل زائريها بشكل كبير ومذهل وكأن لا وجود لحالة حرب أو تدن في المستوى الاقتصادي باليمن”.

 

 

ويشتكي المواطنون من غلاء الأسعار وغياب الرقابة على أسعار السلع المعروضة، فيتساءل عبدالباري محمد، لماذا لا تنشط دوريات المراقبة للحد من احتكار التجار وجشعهم ممّن يستغلون أيام العيد لتحقيق ربح غير مشروع من عائلات أنهكتها مصاريف رمضان؟ وعن سبب ارتفاع أسعار الملابس يقول ناصر الحلالي، تاجر في شارع جمال، إن السبب يرجع إلى شح “البضاعة”، بسبب الحرب، فلم يتمكن التجار من جلب بضائع جديدة ورفعوا الأسعار في الملابس المتوفرة وهذا ما ساهم في ضعف الحركة الشرائية خاصة مع مصاريف رمضان الكبيرة.

 

 

ألعاب حرب

 

ومن مظاهر العيد المثيرة للإزعاج، بحسب المراقبين، انتشار الألعاب النارية وإغراق الأسواق بها. ويقترن عيد الفطر عادة مع بروز ظاهرة الألعاب النارية لدى الأطفال الذين يبدأون في إشعالها ابتهاجا بالعيد، وفي ظل ظروف الحرب الدائرة، فقد أصبح العيد يجعل من أطفال اليمن يعيشون أجواء معارك لم تنته.

 

وتطورت لعب أطفال اليمن في عيد الفطر الماضي من المسدسات المائية التي تطلق قطرات مياه من فوهتها إلى بنادق قناصة وكلاشنيكوف بلاستيكية، حيث صارت البنادق لعبة رئيسية في متناول الأطفال يخوضون بها معارك شرسة مع أصدقائهم في سلوك وصفه مراقبون بـ”الخطير وغير الطبيعي”.

 

ويقول إبراهيم سعيد “الحروب التي اشعلها الحوثيون في البلاد جعلت الجميع هنا مشحونا ويده على الزناد بما في ذلك الأطفال الذين يقلدون ما يقوم به الكبار”، وأضاف “حاولت منع أولادي من اقتناء الألعاب النارية والأسلحة في العيد، لكنني فشلت أمام إلحاحهم”.

 

ويرى محللون أن تطور لعب الأطفال في اليمن إلى هذا المستوى من الألعاب القتالية وتقليد سلوك المقاتلين ليسا سوى محاكاة للحروب الحقيقية التي تخوضها الجماعات المسلحة في أنحاء من البلاد.

 

ويرى عدنان القاضي، أستاذ علم النفس، أن الكثير من النظريات في علم النفس الاجتماعي تؤكد على دور التقليد والمحاكاة وتأثيره على اكتساب السلوك العدواني لدى الأطفال ولا سيما نظرية التعلم الاجتماعي لباندورا التي تؤكد أن “التعرض لملاحظة نماذج عدوانية يؤدي إلى تقليدهم (الأطفال) للسلوك العدواني”.

 

 

يعملون بدل أن يلعبوا

وقال القاضي، “أحيانا الأطفال يقلدون برامج الأطفال التي تحتوي على العنف، لكن انتشار العنف والعدوان المباشر في المجتمع المحيط وانتشار ظاهرة القتل تجعل الأطفال يقلدون هذه السلوكيات حرفيا عن طريق اللعب البلاستيكية باعتبار هذه اللعب الوسيلة الأكثر استخداما من قبل الأطفال للتعبير عن مشاعرهم وأفكارهم وسلوكياتهم التي تم اكتسابها من الكبار”.

 

ويؤكد الباحث النفسي أن “غياب متنفسات الأطفال في البيئة المحيطة التي تشبع حاجاتهم النفسية، بحسب المرحلة العمرية، ساهم في انخراطهم في تقليد مثل هذه السلوكيات العدوانية”.

 

وغالبا ما تستقبل المستشفيات ضحايا وجرحى نتيجة معارك لأسلحة الصغار، حيث تؤدي بعض الذخيرة (كرات بلاستيكية صغيرة) للكلاشنيكوف البلاستيكي إلى فقدان بعض الأطفال لأبصارهم، وفي أحسن الأحوال تهددهم بالعمى المؤقت إذا أصابت هدفها وسط العين.

 

ويقول الباحث الاجتماعي ناجي دبوان، “للأسف هناك غياب للدور الرقابي بخصوص لجان التفتيش التي لم نلمس لها أي وجود في اليمن، وبالتالي فإن التجار استغلوا سكوت الدولة، فقاموا بالمتاجرة بالألعاب النارية نهارا جهارا وأمام الجميع”.

 

ويتحدث دبوان عن الظاهرة من جوانبها الاجتماعية والنفسية فيقول “عمليات الصراع المسلح تؤثر على شخصيات الأطفال وسلوكهم، فيميلون إلى الألعاب القتالية المليئة بمظاهر العنف والرعب. ليس غريبا أن ترى في اليمن طفلا ماسكا بسلاح بدل قلم، ويحمل جعبة مليئة بالذخيرة والقنابل بدل حقيبة كتبه المدرسية.. إنها ظروف الحرب والنزاعات الدائمة في اليمن، تلك التي تدفع بالمئات من الأطفال إلى الوقوف خلف متاريس القتال بدلا من الاصطفاف أمام فصول الدراسة”