آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-12:58ص

غرفة الصحافة


صالح والأحمر ملكان تحت الأنقاض: تحالفات وحروب

صالح والأحمر ملكان تحت الأنقاض: تحالفات وحروب
حكم الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح وقريبه اللواء علي محسن الأحمر اليمن ثلاثين عامًا، لكن صالح تحالف مع الحوثيين ضد حليفه السابق، فأشعلا حربًا أحرقت البل

الأحد - 10 يوليه 2016 - 01:48 م بتوقيت عدن

- مأرب((نافذة اليمن))

 

 

 إنها معركة بين «تمساحين عجوزين»، هكذا وصفت جريدة «لوموند» الفرنسية الحرب التي تمزق اليمن: الرئيس السابق علي عبدالله صالح (74 عامًا) وابن عمّه الفريق علي محسن الأحمر (71 عامًا) الذي انشق عن نظام صالح وانضم إلى الثوار خلال التظاهرات التي عمت اليمن في عام 2011 مطالبة بإطاحة صالح، بعدما قادا معًا اليمن ثلاثين عامًا، وهو رقم قياسي في الاستمرار بالحكم في العالم العربي. ومنذ ذلك الحين، يؤدي كل منهما دورًا مهماً في إشعال نيران الحرب التي تمزّق اليمن منذ مارس 2015. مذنبون لا أبرياء تقول «لوموند» في تقريرها بعنوان «ملكان تحت الأنقاض» (Rois Dans Les Décombres) إن أحد الدبلوماسيين وصف مفاوضات السلام القائمة منذ أبريل في الكويت برعاية الأمم المتحدة بأنها مفاوضات «بين مذنبين لا أبرياء»، وقال إنها لم تؤدّ إلى نتيجة حتى الساعة، ما عدا اتفاقًا لوقف إطلاق نار يحترمه الفريقان المتخاصمان بشق النفس، أما إذا فشلت هذه المفاوضات فأحد أسباب فشلها الرئيسة هو «التاريخ العائلي». في الحرب، تحالف صالح مع ميليشيا الحوثيين الذين سيطروا على البلد بكامله بين سبتمبر 2014 ومارس 2015. في المقابل، يدير الفريق الأحمر طائفةً واسعة من المجموعات المسلحة اليمنية التي تقاتل الحوثيين وصالح. وحسب تقرير «لوموند»، ما عاد لصالح أي دور في مستقبل اليمن السياسي، ومصيره النفي، هو يعلم ذلك، لهذا يتحصّن في صنعاء  التي احتلّها الحوثيون رافضًا معهم التزحزح منها.  محاولة اغتيال في يونيو 2011، تعرض صالح لمحاولة اغتيال أصابته بجروح بالغة وحروق في أجزاء مختلفة من جسمه، لكنه ظهر على شاشة التلفاز بكل حيوية وعنف. أما الفريق علي محسن، فقد رسمت السنوات على وجهه تجاعيد تتخلّلها ابتسامة لافتة توحي في كل مناسبة بطابع من المرح يميز رجل السلاح والدين. فهو مكروه لدرجة أن لا أمل له في الاستفادة من لعبة التحالفات السياسية في وقت السلام. لكن، في غياب أي حل سياسي، يبقى علي صالح وعلي محسن زعيمين بين الأنقاض، فهما عضدا الدولة اليمنية وظلها، وكل ما بقي منها. لمحة تاريخية يرسم تقرير «لوموند» الفرنسية معالم العلاقة بين الرجلين. فهما إبنا عم ربطت بينهما علاقة أخوة. ولدا في قرية بيت الأحمر قريبًا من صنعاء، ووصلا إلى الحكم على ظهر الجيش من دون أي دعم قبلي مهم أو أي تعليم عال.  غرق ابناء العمومة في فوضى الحرب الأهلية اليمنية التي تلت الإعلان عن الجمهورية في العام 1962 ودامت ثمانية أعوام، إلى أن أسِّست دولة هشّة استحوذ عليها الجيش بلمح البصر.  في يوليو 1978، وصل علي عبدالله صالح إلى سدة الرئاسة، وكان معظم اليمنيين لا يعرفونه، فكان يحتمي في موكب مهيب من سيارات مرسيدس سوداء تعجّ بالجنود. وبعد عام، أمر بإعدام 30 ضابطًا بتهمة التآمر، ووزّع المناصب والأموال على رجال من عائلته وقريته وقبيلته، في مقدمهم علي محسن الأحمر. بين ديكتاتور وانطوائي ترى الصحافية الفرنسية جانبًا دكتاتوريًا في صالح، تمثل في دفاعه عن الفرع العراقي في حزب البعث وزعيمه صدام حسين، وفي تقاسم السلطة مع أقربائه وأعدائه في آن معًا. وفي بلد سمته الانقسام، عمد صالح إلى جمع الأفرقاء والاستعانة بهم، فكان القصر الرئاسي يستقبل المقاتلين القدامى ورؤساء القبائل والناصريين. أما الأحمر فكان انطوائيًا يخافه الجميع، يحيط به حلفاؤه من الإخوان المسلمين والسلفيين والأصوليين فحسب. وفي عام 1980، اندلع في اليمن نزاع مع نواة التنظيم الاسلامي الذي تطور وصار تنظيم "القاعدة" ورئيسه بن لادن، الذي كان حينذاك يجنّد متطوّعين للجهاد ضد السوفيات في أفغانستان. ووفقًا لمقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز في عام 2000، ساعد الفريق الأحمر بن لادن في عملية التجنيد. ومع انتهاء الحرب، نقده بن لادن 20 مليون دولار لمساعدته على إعادة الأفغان اليمنيين إلى البلاد، وتأمين مكان لهم في أمن الدولة. وهؤلاء هم الرجال أنفسهم الذين أرسلهم الجنرال إلى الجبهة في معركة عدن في عام 1994.  وبعد 4 أعوام على توحيد اليمنين الشمالي الجمهوري والجنوبي الموالي للاتحاد السوفياتي تحت سلطة صالح، اندلعت حرب أهلية فقام الأفغان اليمنيون بإطفاء الثورة في المرفأ الجنوبي.  وفي تعبير عن امتنانه، وطّد صالح علاقاته بالأحمر من خلال تزويج شقيقته بطارق الفاضلي، أحد قادة الأفغان اليمنيين الذي صار نائبًا في البرلمان. وضع تفجير المدمرة الأميركية (يو أس أس كول) في 12 أكتوبر 2000 هذا التحالف في موقف حرج، إذ كانت ترسو في ميناء عدن، وأسفر الهجوم الذي تبنّته القاعدة عن مقتل 17 بحارًا أميركيًا.  ووجهت الولايات المتحدة أصابع الاتهام نحو الأفغان العرب، وذكّرت أنّ مكتب التحقيقات الفدرالي اشتبه في تورّط الفاضلي نفسه في محاولات اغتيال نظمها تنظيم القاعدة ضد جنود أميركيين في عام 1992. النزاع  أدّت حادثة المدمرة الأميركية إلى شن حملة على تنظيم القاعدة في اليمن بدعم من حكومة صنعاء. في عام 2007، تغاضت السفارة الأميركية عن اشتباهها بعلاقة الأحمر بالقاعدة ورأت فيه خلفًا لصالح وعاملًا أساسيًا في استقرار اليمن. أراد صالح التخلص من الأحمر فأرسله في حرب جديدة على الحوثيين في صعدة شمال البلاد في العام 2004، بعد حملاتهم على التحالف الحكومي المتين مع الولايات المتحدة. استمرت هذه الحرب ستة أعوام مخلّفة عشرات الآلاف من الضحايا. صالح والحوثيون وبحسب «لوموند»، لم يكن يرغب صالح في التخلص من الحوثيين. وفي كل مرة اقترب فيها الجيش من تحقيق الانتصار عليهم، كان صالح يأمره بالتراجع، إذ أراد إبراز ضعف الأحمر في قيادة الحرب، ورأى في ذلك خطوة أذكى من طرده، بحسب ما نسبته لوموند إلى مختص في الشأن اليمني تخرّج من جامعة لندن. تحالف الحوثيون مع صالح في العام 2014 متغاضين عن خلافهم معه، من دون أن ينسوا حقدهم على الأحمر، والحروب التي شنّها عليهم. وفي ربيع 2016، صار علي محسن الأحمر رسميًا قائدًا للجيش اليمني التابع للرئيس التوافقي عبد ربه منصور هادي، ثم نائبًا لهادي نفسه. وتقول «لوموند» إن الفريق الأحمر يتمتع بدعم كبير من المملكة العربية السعودية، خصوصًا في حربه على الحوثيين الانقلابيين، وفي حال لم تصل مفاوضات الكويت الى نتائج مرضية، ترى فيه الرياض الرجل القوي في بلد يتفتّت. عالم قديم يرفض الزوال وتنقل «لوموند» عن أحمد بن مبارك، السفير اليمني في الولايات المتحدة، أن كثيرين تخلّوا عن إيمانهم بالمسؤولين الجدد في اليمن، وبدأوا العودة إلى قادتهم القدامى كعلي محسن الأحمر. وتستغرب الصحيفة أن يخرج هذا التصريح من أحد رجال اليمن الجدد. وعلى الرغم من استعار الحرب، لم تنقطع العلاقات بين صالح والأحمر، فبعض أقرباء الفريق يعيشون في صنعاء ويعتني بهم صالح أفضل اعتناء. ويقول الصحافي المخضرم نبيل الصوفي لـ«لوموند»: «هذا أمر عجيب، يحاول كل منهما قتل الآخر، بينما يرعى كل منهما أولاد الآخر». إلا أن محمد عبد السلام، الناطق الرسمي بلسان الحوثيين الذي يتفاوض مع السعودية لوقف إطلاق النار، لا يستغرب الأمر، فصالح والأحمر لا يتحاربان بل يواجهان مشكلة في تقاسم السلطة، ولم يتوقّفا يومًا عن التواصل وتبادل الرسائل. * ترجمت إيلاف هذه المادة عن صحيفة لوموند الفرنسية: -