شخصيات سياسية وأدبية ومجهولون... في فسيفساء

نافدة اليمن / الحياة اللندنية

افتتح الفنان التشكيلي المصري سعد روماني في قاعة «زياد بكير - دار أوبرا القاهرة» معرضاً لفن الفسيفساء يضم لوحات لـ55 من تلاميذه حول العالم، كنتاج لورشات تدريب عقدت تحت إشرافه في مصر وبلجيكا وهولندا وفرنسا وأميركا. يضم المعرض 75 لوحة تحت عنوان «حب يجمع العالم».

وقال روماني إن المعرض يؤكد قدرة مصر على تنظيم معارض بمستوى عالمي، مشيراً إلى أن بعض المشاركين ترددوا في إرسال أعمالهم تحسباً لما يتردد عن أن البلد «ليس آمناً». وأضاف أن المعرض يحاكي الفسيفساء عبر جمع أشياء مختلفة لصناعة منظر متناسق. فالمشاركون ينتمون إلى ثقافات مختلفة، لكن عرض أعمالهم معاً يشكل رؤية بصرية تحمل فكراً وفناً. وأوضح لـ «الحياة» أن اللوحات نُفِذَت في وقت قياسي، إذ إن زمن ورشة التدريب الواحدة لا يتجاوز خمسة أيام، وهي فترة قصيرة بالنسبة إلى هذا النوع من الفن. أتاح فن الفسيفساء للمشاركين في المعرض، التعبير عن أنفسهم عبر اللوحات التي حملت فلسفات وأذواقاً عدة، بداية من اختيار الشخصيات والمناظر الطبيعية، مروراً بالخامات والألوان التي خرجت متناسقة. وأظهر بعض المشاركين ميلاً إلى الفن عبر صناعة بورتريه فسيفسائي يحاكي إحدى الصور الشهيرة للسيدة فيروز، فيما يظهر الفنان يحيى الفخراني بالهيئة التي جسَّد خلالها شخصية الشيطان في مسلسل «ونوس» بقطع من الزجاج الأحمر والأخضر ودرجات من البني.

وضم المعرض أيضاً صوراً للراحلين عمر الشريف ومارلين مونرو والفنانة المصرية سلوى خطاب، كما حضر الأديب الراحل نجيب محفوظ في إحدى اللوحات. وأظهر آخرون ميلاً إلى السياسة، فحضر الرئيس المصري الراحل أنور السادات والرئيس الأميركي باراك أوباما. لوحة السادات صنعها فنان مصري أما لوحة أوباما فصنعها الفنان السوداني أبو بكر مصطفى الشريف الذي بدا متمسكاً بجذوره النوبية عبر ملابس فولكلورية وعلَم بلاده يتدلى من كتفه. ويفسر الشريف سبب اختياره أوباما بأنه يعتز به، «لأن أصوله أفريقية». رسم الشريف تلك الصورة عام 2013 عندما كانت الآمال لا تزال منعقدة على أوباما في سياسة أفضل تجاه الوطن العربي، «رغم إخفاقه في بعض الملفات، فأنا أرى أنه أكثر رئيس أميركي تمتع بطابع إنساني، خصوصاً أن من خلفه هو ترامب». ويعلق أستاذ علم النفس السياسي في الجامعة الأميركية في القاهرة ماهر الضبع بقوله: «الشعوب العربية عاطفية جداً، لذلك لا يزال أوباما ملقياً بأثره كأول رئيس أسود لأميركا، لا سيما أنه أظهر الكثير من المواقف الإنسانية خلال فترة حكمه، على عكس النرجسية الشديدة التي ظهر بها ترامب خلال الحملة الانتخابية».

وفي الوقت الذي اتجه الفنانون العرب إلى صنع لوحات لمشاهير، كان الاتجاه نحو المناظر الطبيعية ووجوه غير مشهورة سائداً بين فناني الغرب. فعبّر أحدهم عن إعجابه بالحضارة المصرية القديمة من خلال صورة لإمرأة فرعونية وإن لم يستطع إتقان ملامحها، فبدت وكأنها من أوروبا.

وشاركت الفنانة المصرية إيمان قاسم بلوحة حملت أبعاداً فلسفية، فأثارت الإعجاب والتساؤل. اللوحة لكهل مصري خطوط جبهته متعرّجة، ويعلوها شعر أبيض. يده على وجهه تعبيراً عن «قلة الحيلة»، في حين أن الصورة في مجملها تمنح إحساساً بالثقة. وتساءل زوار المعرض عن صاحب تلك الصورة. بعضهم ظنّ انه الصحافي الراحل محمد حسنين هيكل، وآخرون حسبوه سياسياً من إحدى دول الغرب. وامتد الجدل من حول هوية الرجل إلى التطبيق الجزئي لفن الفسيفساء فيها المقتصر على منطقتَي العين والأنف، وكأن الشخصية تضع قناعاً من الزجاج الملون. لم تتدخل قاسم لحسم الجدل واكتفت بمتابعته من بعيد، ثم علّقت لـ «الحياة» : «الصورة لصياد مصري التقطها مصور محترف. أعجبني ما فيها من عمق ونظرة رضا بعد مشوار طويل سلكه ذلك الكهل في حياة لم تكن سهلة، غالباً، لذلك قررت أن أرسم منطقتَي العين والأنف فقط بالفسيفساء، لأوجه المتفرج بصورة غير مباشرة إلى النظر إليها بغض النظر عن حركة اليد أو تعاريج الجبهة والشعر، ففيها تكمن القصة، وكما يقال العين مرآة الروح».