اشتهرت اللغة العربية بأنها لغة_الضاد، على الرغم من أن علماء اللغة الأوائل، فضَّلوا حرفاً آخر على الضاد، واعتبروه ميزة تلك اللغة، وهو حرف الظاء الذي قطع أقدم قواميس اللغة العربية، بأنه الحرف الذي خُصّت به العرب، دون سائر الأمم.

ولفت في هذا السياق، قول "لسان العرب" بالضاد حرفاً خصَّت به العرب، ثم يستشهد ببيت شعري لأبي الطيب المتنبيالذي يورد فيه الكلمة، للتأكيد على أن "الضاد" للعرب خاصة، في الوقت الذي قام به "لسان العرب" نفسه، بالقول إن حرفاً آخر، هو الظاء، قد خُصّ به لسان العرب، أيضاً، لا يشركهم فيه أحد من سائر الأمم!

وسبق الخليل بن أحمد الفراهيدي (100-170ه)، صاحب العروض، بل صاحب أقدم قواميس العربية، وهو كتاب العين، بالقول إن الظاء هو الحرف الذي خصت به العرب، فيقول إن حرف الظاء، لم يعط أحداً من العجم.

إلا أن قولة المتنبي "وبهم فخر كل من نطق الضاد" انتصرت على قولة اللغوي صاحب القاموس الأقدم. فأصبحت الضاد هوية للعربية تعرف بها، فيقال لغة الضاد، في الوقت الذي كان فيه حرف الظاء هو الذي يشار إليه بأن العرب خُصَّت به، دون سائر الأمم.

حروف أخرى تزاحم الضاد والظاء

إلا أن هناك حرفاً آخر، قيل إن العربية خصت به، بالإضافة إلى حرف الظاء، وهو حرف الحاء. وينقل بن فارس في "الصاحبي" إن لغة العرب اختصت بالحاء والظاء. أمّا بخصوص حرف الضاد، فيقول: "وزعمَ ناسٌ أن الضاد مقصورة على العرب دون سائر الأمم". مع الإشارة إلى أنه أورد الضاد مقصورة على العرب، بخانة الزَّعم، كمال يتضح في الاقتباس السالف.

لكن الأمر لم ينته عند الحرف الجديد الذي أضافه بن فارس، إذ ينقل متحدثاً عن انفراد اللغة العربية بحرفي الألف واللام اللذين يستعملان في التعريف، فليسا في شيء من لغات الأمم غير العرب، كما ينقل.

الظاءُ.. حرفٌ مظلومٌ بشهادة أقدم قاموس!

وعلى طريقة "لسان العرب" التي أوردت الظاء والضاد، حرفين خصت بهما اللغة العربية، نرى الأمر ذاته في القاموس "المحيط". فيقول عن الضاد إنه حرف هجاء للعرب خاصة. وعندما يتحدث عن الظاء يقول إنه حرف خاص بلسان العرب!

بدوره، فإن "تاج العروس" وهو من أضخم المعاجم_العربية، فإنه ينصف حرف الظاء، ويعيد الكلام بخصوصه إلى الفراهيدي، فيعرّفه نقلاً عنه بأنه حرفٌ عربي خص به لسان العرب لا يشركهم فيه أحدٌ من سائر الأمم.

ويأتي لغوي كبير له مكانته بين علماء اللغة، هو أبو عمر عثمان بن سعيد الداني الأموي القرطبي (371-444ه)، وفي كتابه "الفرق بين الضاد والظاء" ليقول معلناً مكانة حرف الظاء، وبهذا التعميم الذي يعني أن الحقيقة غير قابلة لأي نقاش: "وقد أجمع علماء اللغة على أن العرب خُصَّت بحرف الظاء دون سائر الأمم، لم يتكلّم بها غيرهم، ولغرابتها صارت أقل حروف المعجم وجوداً في الكلام، وتصرفاً في اللفظ، واستعمالاً في ضروب المنطق".

ويضيف الداني القرطبي، دلالة منه على خصوصية الظاء، فيقول: "فهي لا توجد إلا في نحو مئة كلمة من جملة كلام العرب".

هل التعصّب القبلي سلب الظاء مكانتها القديمة؟!

لكن على الرغم من أصول اللغة العربية تتحدث عن مكانة حرف الظاء بين حروفها، حدث وأصبح حرف الضاد هوية للعربية تعرف بها. فما الذي جرى؟ وهل بيت المتنبي الشعري الذي يورد فيه "وبهم فخر كل من نطق الضاد" هو السبب في غلبة الضاد على الظاء؟

تعتمد مصادر مختلفة، ومنها المصادر القديمة، على حديث منقول عن النبي (ص) يذكر فيه لغة الضاد، للدفاع عن هوية العربية، كلغة للضاد، كما هو شائع. إلا أنه يعتبر حديثاً لا أصل له، كما أكد بن كثير في تفسيره.

إلا أن الدكتور جواد علي في كتابه الشهير "المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام" والذي أكد أن حديث لغة الضاد "من الأحاديث الضعيفة الغريبة" وأن من رواه هم "أصحاب الغريب". منتهياً إلى أن هذا الحديث "لا يفيد حكماً علمياً لضعفه هذا، ولا يصلح أن يكون أساساً لاستشهاد"، فقد رأى أن سبب وضع مثل ذلك الحديث، قد يكون من موضوعات العصبية العدنانية القحطانية، كما قال في كتابه.

والاحتمال الذي وضعه جواد علي لرواج حديث لا أصل له، عن النبي (ص) متضمناً كلاماً عن لغة الضاد، بأن العصبية الشهيرة بين القحطانية والعدنانية، قد تكون وراءه، يمكن أن تفسّر تجاهل الكثيرين لما أورده الفراهيدي بأن الظاء هو الحرف الذي خصت به العرب و "لم تعط أحداً من العجم".

خصوصاً أن الحديث الذي لا أصل له، وردت فيه لغة الضاد، فانساق وراءه لغويون ومفسرون ومصنفون، فتحدثوا عن الضاد بصفتها أُمّ حروف العربية، وهوية تعرف بها، فيما تقول أقدم قواميسها إن الظاء هو الحرف الذي خص به العرب، دون سائر الأمم. بينما عمَّم الداني القرطبي (371-444ه) قاطعاً بقوله: "وقد أجمع علماء اللغة على أن العرب خُصَّت بحرف الظاء، دون سائر الأمم، لم يتكلّم بها غيرهم".