آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-12:59ص

منوعات


نساء يُنفقن كل ما يملكن من أجل "تجميد" بويضاتهن

نساء يُنفقن كل ما يملكن من أجل "تجميد" بويضاتهن

الأربعاء - 04 يوليه 2018 - 05:32 م بتوقيت عدن

- نافدة اليمن / بي بي سي

زادت أعداد الشابات الصحيحات اللاتي يقدمن على تجميد بويضات لهن كي تتاح لهن فرصة الإنجاب لاحقا في حياتهن، وهو ما أثقل كاهلهن ماديا. فما الذي يدفعهن لتكبد كل هذا العناء؟

طُلب من اناستاسيا، مديرة أحد مطاعم نيويورك، عدم بذل الكثير من الجهد بينما تتأهب لعملية يقوم بها الأطباء لتجميد بويضات لها. ورغم ذلك كانت تستقل دراجتها لنحو ميلين بين مسكنها بمانهاتن، وعيادة التخصيب بمنطقة "أبر ويست سايد" خلال جلسات الأشعة، رغم خطورة التنقل في الذروة على نمو البويضات في مبايضها، ولم تستقل سيارة أجرة إلا مرة واحدة يوم إجراء العملية قبل عامين.

اقتصدت ناستاسيا ما أمكنها، فهي ضمن آلاف النساء اللاتي يقررن سنويا تجميد بويضاتهن وحفظها لتكون جاهزة للتلقيح مستقبلا حين يجدن شريك الحياة المناسب أو بينما يتابعن مشوارهن الوظيفي لبلوغ أهدافهن قبل التفرغ للإنجاب، إذ ربما تكون فرصة الإنجاب الطبيعي قد فاتتهن في ذلك الوقت.

يشبه الإجراء المرحلة الأولى من إجراءات الحقن المجهري، يتم إعطاء المريضة هرمونات تنشيط لتبويض عدد من البويضات في آن واحد، ثم استخلاصها من الجسم تمهيدا لتجميدها، ومن ثم تحفظ تلك البويضات مجمدة استعدادا لتلقيحها صناعيا مستقبلا في حالة عدم تمكنهن من الحمل طبيعيا.

لكن تلك العملية باهظة التكاليف، فالدورة الواحدة منها قد تتكلف 17 ألف دولار في الولايات المتحدة، ما يعادل خمس متوسط دخل البيت الأمريكي. وفي المملكة المتحدة تتكلف الدورة ما بين 2500 وخمسة آلاف جنيه استرليني، أي قرابة عُشْر إلى خُمْس متوسط دخل البيت في بريطانيا بعد الضريبة.

وتسعى النساء جاهدة لتوفير تلك النفقات، في الوقت الذي تقل رواتب النساء عموما ومدخراتهن عن الرجال. وكثيرا ما يكون على المرأة أن تختار بين الإبقاء على مدخراتها أو إجراء تلك العملية، وأخريات يثقلن بالديون والقروض لسداد فاتورة العملية والأدوية المصاحبة.

فلماذا تقبل تلك النساء على تكبد ثمن باهظ يقوض أهدافا أخرى في حياتهن كشراء بيت أو تأمين أنفسهن ماليا، مقابل حفظ بويضات قد لا يحتجنها في المستقبل؟ إضافة إلى أنه لا ضمان في أن يؤدي تخصيب تلك البويضات مستقبلا إلى حمل ناجح.

وقد عرضت بعض شركات التكنولوجيا الضخمة، منها آبل وفيسبوك، بين المزايا المقدمة للموظفين التكفل بتجميد البويضات، ما اعتبره البعض محاولة خبيثة لإخضاع النساء لسطوة الشركات على حساب العلاقات البشرية بهدف إبقائهن باستمرار رهن العمل، ولكن كل من أبل وفيسبوك أكدتا أنهما تقدمان تلك الميزة نزولا على رغبة موظفيها ولمنح النساء حرية الاختيار.

وبعض شركات التأمين تغطي نفقات تلك العملية في حالة لزومها طبيا من قبيل الحفاظ على البويضات قبل تلقي العلاج الكيماوي في بعض حالات السرطان. ولكن السواد الأعظم من النساء يتكفلن بالكامل بنفقات العملية.

واليوم بلغت اناستاسيا السادسة والثلاثين، وقد اقتصدت كثيرا في سنوات عمرها وهي في العشرينيات وأوائل الثلاثينيات حتى توفر مقدم منزل، حتى بلغ ما ادخرته 30 ألف دولار استثمرت بعضها في مشروع جانبي. لكن بعد إنهائها علاقة دامت طويلا، قررت وهي في الرابعة والثلاثين تجميد بويضاتها، ما أتى على خمسة آلاف دولار تبقت من مدخراتها، واقترضت باقي الثمانية آلاف دولار، وهو المبلغ المطلوب لتغطية تكلفة استخلاص البويضة، وانفقت ألفا أخرى من بطاقة ائتمانها على أدوية التبويض.

وبعد أربعة أشهر من تجميد بويضاتها، حصلت في ديسمبر/كانون الأول 2016 على مكافأة وزيادة في المرتب دفعتها للقيام بدورة ثانية من تجميد البويضات في يناير/كانون الثاني 2017.

ورغم أنها اليوم تتقاضى أعلى من أي وقت مضى، إلا أنها مازالت تدفع أقساط الدين، ومازالت تحدق في البيوت وتستفسر عن الأسعار، قبل أن يوقظها الواقع من حلم امتلاك منزلها الخاص.

تقول اناستاسيا: "أحيانا أظن أنني غنية، إذ يوما ما أدخرت كثيرا. واليوم ربما لا ألقى الشخص المناسب ولو بعد عامين أو أربعة أو مائة! أنا في الرابعة والثلاثين وهو العمر الذي ينصح عنده خبراء الخصوبة بتجميد البويضات قبل فوات الأوان، وبالتالي لم يستغرق الأمر كثيرا حتى أقرر القيام بذلك".

وقد شهدت السنوات الأخيرة زيادة مطردة في أعداد النساء المقبلة على تجميد البويضات. ففي عام 2009 لم تتعد دورات تجميد البويضات في الولايات المتحدة 564 دورة، ثم ارتفع العدد إلى 8892 دورة في عام 2016، بحسب بيانات جمعية تقنية التخصيب المساعد.

وفي بريطانيا، سجلت هيئة التخصيب البشري والأجنة 1170 دورة تجميد في عام 2016، بينما لم يكن عددها قد تجاوز 395 دورة في عام 2012.

ويعود ذلك جزئيا إلى إزالة الجمعية الأمريكية للطب الإنجابي عام 2012 وصف "التجريبي" عن الإجراء بعد ما تحقق من طفرات تكنولوجية جعلت فرص بقاء البويضات صالحة للتخصيب أكثر بكثير بعد التذويب، وكذلك إلى ما تردد من تكفل شركات بتجميد بويضات موظفاتها، فضلا عن مشاهير تحدثن عن قيامهن بالعملية.

كذلك روجت شركات مثل إيغ-بانكس لخدماتها عبر "حفلات" لتقديم قروض لتجميد البويضات.

وألمحت بحوث تناولت زيادة الإقبال على تجميد البويضات إلى أن النساء ربما تقبل على تلك المجازفة المكلفة لعوامل أكثر من مجرد رغبتهن في التركيز على العمل، فقد وجد بحث لم ينشر بعد أجرته عالمة الأنثروبولوجيا بجامعة ييل، مارسيا إنهورن، أن 90 في المئة من 150 امرأة أمريكية استطلعت آراءهن أشرن إلى البحث المستمر عن شريك للحياة كسبب مباشر للإقدام على تجميد البويضات.

وتشير زينب غورتن الباحثة الزائرة بجامعة كامبريدج إلى وضع مشابه في بريطانيا.

ومما يفاقم العبء المالي على النساء تلقيهن أجورا أقل في المتوسط من الرجال بكافة قطاعات الاقتصاد، فضلا عن امتلاكهن أرصدة أقل على سبيل معاشات التقاعد والعقارات - ففي الولايات المتحدة تمتلك المرأة 32 سنتا عن كل دولار يمتلكه الرجل - وحتى لو لم ينعكس العبء بشكل عام لضآلة عدد المقدمات على تجميد بويضاتهن بين النساء، تظل التكلفة الفردية مضنية.

تتقاضى إيما جين، التي تعمل في ترتيب لقاءات ومناسبات خاصة في لندن، نحو 55 ألف جنيه سنويا، وقد بدأت التفكير في تجميد بويضاتها بعد أن بلغت السابعة والثلاثين وبعد أعوام دون لقاء الشخص المناسب. بحثت إيما بعناية بين العيادات التي تقوم بعملية التجميد وأجرت فحوصا تمهيدية بعيادة عرضت تكلفة زهيدة للاستشارة مقابل مائتي جنيه.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، جرى استخلاص تسع بويضات منها بعيادات بريطانية اشتهرت باستخدام وسائل مبتكرة للتبويض بدون ألم بالاستعانة بأدوية أقل، ما يقلل تكلفة الدواء وعدد البويضات المنتجة أيضا، ومع ذلك تكلف الأمر 5100 جنيه للإجراء شاملا الدواء وتحاليل الدم.

ورغم إدراك إيما ضخامة المبلغ، تقول إنها ستجري دورة ثانية - فالأطباء يوصون باستخلاص نحو 20 بويضة لزيادة فرص الإنجاب. وسيتكلف حفظ البويضات مجمدة 360 جنيها سنويا ما يصل إلى بضعة آلاف من الجنيهات لو استمرت في حفظها للمدى الأقصى المسموح به في بريطانيا وهو عشر سنوات. وهناك أيضا تكلفة الحقن المجهري والتي قد تصل إلى خمسة آلاف أو أكثر في عيادة خاصة والذي بدونه لن يمكن الاستفادة من تلك البويضات.

والتكاليف في تصاعد، تشبهها إيما بـ"وثيقة تأمين قد لا يجني الإنسان منها سوى مضيعة المال، فقد ألقى شريكا وأرزق بأطفال طبيعيا".

ولكنها تضيف: "حتى لو لقيت شخصا اليوم، ووجدت فيه كل ما أتمناه، فلن نستقر معا ونتزوج إلا بعد حين، وبالاتفاق على الإنجاب سأكون قد بلغت الأربعين، وبإنجاب طفل ثان أكون في أوائل الأربعينيات".

"مقابل الأمل"

تلك النساء إنما تدفع مقابل الأمل، الأمل في نجاح تكنولوجيا غير مضمونة النجاح، فأغلب دورات الحقن المجهري تنتهي بالفشل ولا ينجح في المتوسط سوى الخمس، ناهيك عن أن البويضات المجمدة قد تتلف أثناء تذويبها وقد تكون بها عيوب كروموسوميه.

تتعجب هيلين أولن، الكاتبة المختصة بالشؤون المالية للأفراد ومؤلفة كتاب "إنفاق أخرق"، عندما يدفع أشخاص لإنفاق أموال طائلة على شيء احتمالات نجاحه متدنية بهذا القدر، وتقول: "تبتلع الأمريكيات طعم تكنولوجيا غير أكيدة كعلاج لمشكلات اجتماعية أعمق".

وبالنسبة لأغلب النساء ما زال الأمل قائما في لقاء الرجل المناسب والحمل طبيعيا، ومجانيا، وألا يضطررن أبدا للجوء لبويضات مجمدة.

جمدت تيفاني مَري، وهي في الأربعين من عمرها الآن، بويضاتها حين كانت في الرابعة والثلاثين ولم يحالفها النجاح في لقاء شخص مناسب في واشنطن، وبدلا من التعجل بالدخول في علاقة غير سليمة مدفوعة بالرغبة في الإنجاب، اختارت تجميد بعض بويضاتها، ودفع والداها تكلفة ذلك على سبيل الهدية خلال عيد الميلاد.

وبعد أربع سنوات التقت تيفاني بالشخص الذي أصبح الآن زوجها وحملت طبيعيا بعد وقت قصير من الزواج. ومازالت تدفع مقابل حفظ 14 بويضة مجمدة خشية ألا ترزق بطفل ثان. وخلال ست سنوات قضتها البويضات في الحفظ ارتفعت رسوم التجميد من 350 إلى 600 دولار في العام. وتسخر تيفاني قائلة "بويضاتي محتجزة رهينة مقابل فدية سنوية".

وتصر ناستاسيا أنها قد أصابت في قرارها، رغم الكلفة الباهظة لاستخلاص 30 بويضة ورسوم حفظها التي تبلغ ألف دولار سنويا، بل وتشجع صديقاتها على فعل الشيء نفسه، وتقول إنها رغم ما تشعر به من غضب للتكلفة، غير نادمة لأن الأمر استثمار لمستقبلها.

وتقول ضاحكة: "لدي 30 طفلا في منطقة 'أبر ويست سايد' يكلفونني ألف دولار في السنة".