آخر تحديث :الخميس-02 مايو 2024-12:18ص

منوعات


هل تحس بالضياع من دون الخليوي؟ هل أنت مدمن عليه؟

هل تحس بالضياع من دون الخليوي؟ هل أنت مدمن عليه؟

الأحد - 08 يوليه 2018 - 03:01 م بتوقيت عدن

- نافدة اليمن / الحياة اللندنية

ربما لا تكون البداية الأفضل للنقاش عن ظاهرة تضرب العيون يومياً عبر ما لا يحصى من الشواهد، هي الاشارة إلى شيء لم تره سوى قلّة من العيون! لكن، لم لا نجرب الاختلاف، خصوصاً في الصحافة التي هي تعريفاً مهنة البحث عن المتاعب؟ مع شيء من الرغبة في المشاكسة، يأتي اقتراح بأن يبحث القارئ في «يوتيوب» وشبكات الـ»سوشال ميديا» عن شريط فيديو قصير ممهور بتوقيع مخرج أميركي مختص بأفلام الرسوم المتحركة، إسمه ستيف كاتس Steve Cutts. وصُنِع الشريط على طريقة الرسوم المتحركة الحديثة بالاستناد إلى أسلوب «الإحياء بالكومبيوتر» Computer Animation. بإمكان هواة الـ»سوشال ميديا» العثور عليه بسهولة نسبياً، إذ يكفي استنهاض حماس الجمهور ونخوته، بكتابة ذلك الإسم مع طلب متلهف للمساعدة في العثور عليه. من المستطاع فعل الأمر نفسه عبر «واتس آب» أيضاً.


ماذا في ذلك الشريط؟ يبدأ الشريط بصور تظهر ناس الزمن الحاضر مسجونين داخل الهواتف الذكية، فتظهر شاشاتها على هيئة قضبان حديدية تحتجز الأفراد خلفها. ويتكرر مشهد الجمهور الواسع الذي لا يكف عن التحديق بشاشات الخليوي، مع إظهار تناقضات ضخمة في تسمر العيون والعقول على الشاشات اللامعة، بل الاستلاب الكامل للثقافة التي يحملها ذلك الانشداه الخارج عن كل منطق. تظهر شابة تنتحر بسبب السخرية منها على مواقع الـ»سوشال ميديا». يحتشد الجمهور لكنه لا يتفاعل إنسانياً مع انتحار إنسان. كل ما يهم جمهور التحديق بالخليوي هو تصوير ذلك المشهد بكاميرا الخليوي. تسقط الفتاة، فلا يفعل الجمهور سوى متابعة السقوط بعدسة الهاتف الذكي. وعندما ترتطم بالأرض، يلتقط الجمهور اللحظة الأخيرة، ثم يسير سادراً، ولا أحد يهتم حتى بالاقتراب من جسد الشابة المنتحرة!

ينتهي الفيلم بصورة يائسة، تصور الناس كلهم يسيرون وعيونهم مسمرة على الشاشات، ويصلون إلى هاوية يسقطون فيها تباعاً، فيما هم مستمرون في التحديق بتلك الشاشات اللامعة!

العيون المُمَسمَرَة

هل بالغ الشريط في تصوير مشهدية العيون المُتَسَمّرَة على شاشات الهواتف الذكية، بل أنها لا تستطيع منها فكاكاً حتى لو وصلت إلى هاوية الموت والفناء الجماعي؟

أياً كانت الإجابة، وبغض النظر عن الجانب الذي ينحاز إليه القارئ، الأرجح أن الحياة اليومية باتت تكتظ بمشهديات تستفز أو تستنفر، أفكاراً مشابهة.

والأرجح أنه يصعب على من يسير في الطرقات، سواء أكان ماشياً على قدميه أو جالساً في سيارة، ألا يلتقط تلك المشهديّة التي باتت عادية إلى حد أن معظم الناس ينسون أنهم قبل سنوات قليلة جداً، لم يكونوا يتصرفون بتلك الطريقة التي تستلب عيونهم وأدمغتهم. والأرجح أن يدور في ذهن كثيرين أسئلة عن الدافع الفعلي والحاجة الماسة التي تدفع إلى كل ذلك التشبّث بالهاتف الذكي. وكذلك تصعب مقاومة ذلك الشعور بأن أفراد العقد الثاني من القرن 21 يتصرفون كأنهم فاقدو القدرة على التخلّي عن التطلع على مدار الساعة إلى تلك الشاشات التي تلتمع بين أيديهم. واستطراداً، تسود مشهدية تأبط العيون للهـواتف كأنها عاشق لا يمل من تكرار النظر إلى من يعشق، بل لا يطيق أن يزيح بصره عن جمالها الذي فتن لبه واستولى على قلبه وعقله سوية. كأن علاقة الجمهور بالهاتف فيها شيء العشق الهُيامي المتسربل بمشاعر متنوعة تشمل الدلال والضحك والحوار، بل ربما لا يكترث حتى بأن يقال له بأنه عشق ربما أوصل إلى الموت! أليس في التراث كلمات تقول «من الحب ما قتل»؟

في الغرب، ثمة من يشير إلى وجود إدمان في تلك الظاهرة، بل لا يتردد خبراء كثيرون في الإشارة إليها بمصطلح «الإدمان الرقميّ» cyber addiction. ووفق آراء خبيرة، يُعرّف الإدمان الرقميّ بأنه شعور طاغٍ يتملك الفرد بأنه لا يكون في حال طبيعي إلا إذا استخدم إحدى التقنيّات الرقميّة، بل إنها تصبح هي الهاجس الفعلي للفرد، فلا يستطيع التخلي عنها. عند تلك النقطة، يعبر الفرد الحد الفاصل بين استخدام التقنية الرقمية (وهو شيء طبيعي تماماً)، وبين الإدمان عليها.

استطراداً، يجب التمييز مثلاً بين المدمن على ألعاب الفيديو ومن يستخدم تقنيات رقمية بشكل مستمر. وإذ لا يصح الحديث عن إدمان إلا عندما عندما تتأثر حياة الفرد بتأثير التعوّد على ممارسة معينة، كأن يتخلى عن عمله أو يترك الجامعة والتعليم، من فرط انشداده إلى تكرار ممارسة معينة.

ووفق دراسات غربية مختصة، أدّت الهواتف الذكية إلى بروز ظاهرة تسمّى «نوموفوبيا» nomophobia، وهو مصطلح يختصر عبارة no mobile phone، وترجمتها «الهاتف النقّال ليس موجوداً»، وتشير الكلمات إلى الخوف من عدم وجود الهاتف في متناول اليد وتحت النظر. وبالاسترجاع، لوحِظَ خوف مماثل عند ظهور التلفزيون والحاسوب، وألعاب الفيديو.

وإذا كان للخليوي تأثير إيجابي ما على القدرات المعرفية والتذكّر والتفكير وحل المشاكل اليوميّة، فلربما يكون ذلك أنه يبين درجة كره الإنسان للعزلة وميله للاتصال الدائم مع البشر، على مدار الساعة.

إذاً، ثمة فارق بين الاستخدام المفرط للتقنيات، وبين الاستخدام القهري للتقنيّات، أو بالاحرى التعوّد عليها. وإضافة إلى الاعراض الذهنية والنفسية، تترافق الحال الأخيرة مع أعراض جسدية كجفاف العيون، ووجع الرأس والظهر، وسوء التغذية، وعدم القدرة على النوم. أما سلوكياًّ، يتميز التعود بشعور المرء أنه في حال جيدة عندما يمارس التواصل، وأنه يصبح في حال سيء بمجرد توقفه عن ذلك. واستطراداً، تبرز أعراض كعدم القدرة على العمل بشكل جيد، وتقطّع السُبُل بالعلاقات العائلية والصداقة، وصعوبة الابتعاد عن الأجهزة الرقميّة وغيرها.

بقول آخر، يصرح المتعودون قهرياً على التقنيّات بأنهم مدمنون، أو أنّهم متعلقون بوسائل التواصل الرقميّة إلى حد عدم القدرة على التوقف عن استخدامها.

*أستاذ اللسانيّات الحاسوبية والإعلام الرقمي - الجامعة اللبنانية