عام من اول إنتفاضة شعبية في صنعاء أفشلتها الخيانة وأموال قطر .. تقرير

عدن - نافذة اليمن - تقرير خاص - ماجد الدبواني

نعيش اليوم الاحد الثاني من ديسمبر الذكرى الأولى لانتفاضة صنعاء التي قادها حزب المؤتمر الشعبي العام بقيادة الرئيس السابق علي عبدالله صالح ضد ميليشيات الحوثي الإنقلابية المدعومة من إيران حيث رسمت الانتفاضة الفرحة على وجوه اليمنيين في كافة المحافظات، بعد إعلانها لما لمسوا وأملوا بأنها ستقضي على على السرطان الحوثي الكاتم على انفاسهم وتغير مجرى الأحداث في اليمن.


في الثاني من ديسمبر من العام الماضي بدت صنعاء على غير عادتها منذ ثلاث سنوات سابقة حيث خرج مواطنون يمزقون شعارات ميلشيات الحوثي في الوقت الذي بدت فيها الشوارع والأحياء خالية من أطقم الميلشيات بعد ليلة مواجهات كانت هي الأعنف في عدد من الإحياء.

إستيقظ المواطنون في حينها على وقع انتفاضة لم تكن بالحسبان بشعار "لا حوثي بعد اليوم" بينما تسارع ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بتداول صوراً وفيديوهات على نطاق واسع لمواطنون يهتفون ضد الحوثيين بينما مسلحوهم يغسلون سيارتهم المطلية باللون الأخضر خوفاً من الغاضبين ضدهم ومن الملاحقة.

بدا صالح في خطاب متلفز حينها على قناة "اليمن اليوم" التابعة لحزب المؤتمر يوم السبت 2ديسمبر أكثر ثقة من خلال بدء شن حرب معلنة على ميلشيات الحوثي وطردهم من العاصمة صنعاء، حيث ظهر في حديث لمذيع قناة "اليمن اليوم" يقعد على كرسي ذهبي وخاطب دول التحالف بـ"الأشقاء" لأول مرة منذ بدء التحالف العربي وكانت لهجته أكثر شجاعة ضد الحوثيين.

في المقابل ظهر زعيم ميلشيات الحوثي عبد الملك الحوثي في نفس اليوم في خطابيين منفصلين في الصباح والمساء وبدا عليه حالة الإرباك والتخبط في حديث مقتضب الصباح على عكس عادته، وفي المساء تحدث بلهجة ضعيفة حيث كرر الكلمات الدارجة في خطابة مثل "يا عيباه" وغيرها.

موقف التحالف

قيادة التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن واكبت الحدث في يومه وأصدرت بيان قالت فيه أنها "تراقب عن كثب أحداث اختلاف طرفي الانقلاب الجارية في صنعاء وكافة محافظات اليمن مؤكدة إن هذه الخلافات تظهر وبجلاء الضغوط التي كانت تمارسها الميليشيات الحوثية التابعة لإيران، وسيطرتها بقوة السلاح على قرارات ومصير ومقدرات الشعب اليمني مما أدى إلى انفجار الوضع بين طرفي الانقلاب.

وأضافت قيادة التحالف في بيانها أنذاك أنها "تدرك أن الشرفاء من أبناء حزب المؤتمر الشعبي العام وقياداته وأبناء الشعب اليمني الأصيل الذين أجبرتهم الظروف للبقاء تحت سلطة المليشيات الإيرانية الطائفية قد مروا بفترات عصيبة، معتبرة أن هذه المرحلة من تاريخ اليمن تتطلب التفاف الشرفاء من أبناء اليمن في هذه الانتفاضة المباركة، على اختلاف انتماءاتهم الحزبية والقبلية بما فيهم أبناء حزب المؤتمر والأحزاب الأخرى وقياداتها الشرفاء للتخلص من الميليشيات التابعة لإيران وإنهاء عهد من التنكيل والتهديد بالقتل والاقصاء وتفجير الدور والاستيلاء على الممتلكات العامة والخاصة.. مشدد في نفس الوقت على "وقوف التحالف بكل قدراته في كافة المجالات مع مصالح الشعب اليمني للحفاظ على أرضه وهويته ووحدته ونسيجه الاجتماعي في إطار الأمن العربي والإقليمي والدولي.

تدخل قطري

منذ اندلاع الشرارة الاولى لإنتفاضة صنعاء التي قادها حزب المؤتمر الشعبي العام ضد ميليشيات إيران الحوثية وصلت وبسرعة إلى مناطق عدة في البلاد،وسط انهيار كبير للنقلابيين الحوثيين لتسارع قطر إلى محاولة إنقاذهم بوساطة قوبلت برفض من علي عبدالله صالح أنذاك.

إستمرت المواجهات العنيفة،لأيام شهدت صنعاء خلالها انهيارا كبيرا لميليشيات إيران،حتى بدى للعيان أن مشروعها الطائفي في اليمن وصل إلى نهايته بعد سيطرت قوات حزب المؤتمر،حينها على مواقع حيوية في صنعاء، بينها دار الرئاسة ووزارة الدفاع والبنك المركزي ووزارة المالية وجهاز الأمن القومي بصنعاء القديمة بعد مواجهات دامية أسفرت ايضا عن مقتل أكثر من 100 من عناصر وقادة ميليشيات الحوثي واستسلام المئات لقوات حزب المؤتمر التي كشفت انذاك أنه تم ضبط مع بعض الأسرى "أجهزة اتصالات قطرية"، يستخدمها المتمردون للتواصل مع ضباط مخابرات في الدوحة، ما يؤكد الدور القطري الخبيث في اليمن.

لم تقتصر التدخلات القطرية الرامية لاستمرار الأزمة ودعم ميليشيات إيران في اليمن بهذا حيث كشفت مصادر انذاك إن حاكم الدوحة، تميم بن حمد، حاول التوسط لإنهاء التوتر في صنعاء وإنقاذ الحوثيين، لكن الرئيس السابق علي عبد الله صالح رفض هذه الخطوة.

وأكد في حينها وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي،الدكتور أنور قرقاش في تغريدة على حسابه بتويتر، أن "الوساطة القطرية لإنقاذ مليشيات الحوثي الطائفية موثقة، ولن تنجح لأنها ضد إرادة الشعب اليمني الذي يتطلع إلى محيطه العربي الطبيعي".

صالح، الذي كان يرأس حزب المؤتمر الشعبي،أنذاك دعا لفتح صفحة جديدة مع دول الجوار، داعيا "كل اليمنيين للانتفاض" على ميليشيات الحوثي، ومطالبا القوات المسلحة في الشمال اليمني لعدم قبول أي تعليمات من ميليشيات إيران.

لم تقتصر الهبة على المواجهات، فقد خرجت مظاهرات شعبية في صنعاء تندد بممارسات ميليشيات الحوثي التي تثير "زعزعة أمن العاصمة وانتهاك حرمات مساكن أبنائها وتفاقم معاناتهم كما شهدت مناطق أخرى مظاهرات منددة بميليشيات إيران، بينها مدينة إب، حيث اعتصم أمام مبنى السلطة المحلية "المئات من أبناء محافظة إب تأييدا للمؤتمر الشعبي العام وتنديداً بتصرفات الحوثيين.

الشرعية تواكب الحدث

الرئيس هادي لم يتغيب كثيرا على مواكبة أحداث صنعاء وبعض المحافظات الاخرى،حيث عقد في نفس اليوم، اجتماعا استثنائياً بهيئة مستشاريه ناقش معهم التطورات على الساحة الوطنية وخاصة أحداث اختلاف طرفي الانقلاب الجارية في صنعاء".

ومدت الشرعية، عقب الاجتماع، يدها لكافة الأطراف التي ساندت الانتفاضة الشعبية ضد ميليشيات إيران، وقالت إنها ستكون "شريكا في حاضر ومستقبل اليمن.

اليوم التالي

يوم الأحد الثالث من ديسمبر وبعد يوم من استبشار اليمنيين بالخير خيبت آمالهم وتحولت المعركة عكسيا حيث بدأت قوات المؤتمر بقيادة صالح في التراجع واستطاعت ميلشيات الحوثي تغيير المعادلة العسكرية والسيطرة على المناطق التي سقطت بيد قوات صالح وتضييق الخناق على المربع الأمني الضيق للرئيس السابق صالح بالقرب من منزله في "حي الكميم" وصولاً إلى اقتحام المنزل.

في ليل الأحد/الاثنين 3و4 ديسمبر استطاعت الدبابات تغيير المعادلة العسكرية في اقتحام منزل الرئيس السابق على عبد الله صالح بعد ماقيل أنها خيانات حصلت له من قيادات عسكرية مقربة حيث إمتنعت من إسناد قواته بالدبابات والأسلحة الثقيلة.

النهاية

فجر الاثنين 4 ديسمبر كان صالح يقضي الساعات الأخيرة برفقة أمين عام حزب المؤتمر عارف الزوكا حيث انقطعت كل الآمال في تغيير كان يمكن أن يحدث بعد أن وصلت الرصاصات إلى جدار سور منزله الذي يمتد في مساحة واسعة من الحي،حينها هاتف صالح أسرته وقال لهم"باعوني للحوثيين" كانت تلك هي آخر الكلمات الهاتفية للسياسي السبعيني الذي ظل الرجل الأول في البلاد لأكثر من ثلاثين عام.

خرج صالح بحسب ما أفاد شهود إلى مرافقيه يطلب منهم ان يغادروا بعد أن شعر أن لا مجال للمقاومة وحمل بندقية أحدهم وقال "سأقاتل حتى أموت أصبحت في نهاية عمري" بحسب ما ذكر شهود من الناجيين من المعركة بجوار منزله.

قتل صالح إعداماً بالرصاص في منزله مع رفيقة عارف الزوكا، في لحظة غادرة من تأريخ الرجل الذي عاش في واجهة المشهد السياسي في البلاد أربعة عقود.

وبحسب ما أكد سياسيون مقربون من صالح لـ"نافذة اليمن" فإن الخذلان والخيانة من مقربين لصالح هي من رسمت نهايته التراجيدية، على يد ميلشيات منفلتة.

مر عام من الانتفاضة المسلحة التي أشعلتها قوات الرئيس السابق على عبد الله صالح ضد ميلشيات الحوثي في صنعاء لا تزال تفاصيل فشلها غامضة ولم يظهر منها سوى كلمات صالح الاخيرة في الاتصال الهاتفي لإسرته "باعوني خانوني باعوني للحوثيين".


بعد عام من الانتفاضة

عام مضى بعد إنتفاضة صنعاء التي لم تدم طويلا وتم إخمادها، نجح بعض من أفراد أسرة صالح من مغادرة صنعاء والفرار من الحوثيين بينما تم إعتقال بعضهم وقبعوا في سجون المليشيات قبل أن تتمكن وساطة عمانية من الافراج عليهم ومغادرتهم البلاد الى مسقط.

أحد أقارب صالح وهو أول من أستطاع الافلات من مليشيا الحوثي بعد إعلانهم مقتله أثناء إنتفاضة صنعاء إتجه الى مناطق الشرعية وأنظم إليها مشكلا قوة عسكرية.

ونجح العميد طارق محمد عبدالله صالح، نجل شقيق صالح، في تشكيل قوة عسكرية من بقايا قوات الحرس الجمهوري التي كانت خاضعة لصالح، وكذا قوات الأمن المركزي والقوات المسلحة إلى جانب متطوعين من مختلف محافظات الجمهورية.

وتحظى هذه القوة بدعم عسكري ولوجستي من دول التحالف العربي وتقودها كوادر عسكرية أقصتها الميليشيات في وقت سابق، ويشترط للإنخراط في هذه القوة التي أطلق عليها "حراس الجمهورية" أو المقاومة الوطنية، عدم وجود أي صلات أو إنتماء سابق للميليشيات الحوثية أو حزب الإصلاح المولي لقطر والذي يرتبط بعلاقات خفية مع الميليشيات الإنقلابية، وتشارك في عمليات تحرير الساحل الغربي ومحافظة الحديدة من مسلحي ميليشيا الحوثي الإنقلابية .

كوادر المؤتمر

قيادات حزب المؤتمر وكوادره الموالون لصالح لم يصمدوا كثيرا في صنعاء عقب مقتل زعيمهم حيث بدأوا بالنزوح سراً بإتجاه مناطق سيطرة الشرعية، وتحديداً بإتجاه العاصمة المؤقتة عدن ومحافظة مأرب قبل أن يغادروا إلى خارج البلاد، مسجلين بذلك بداية الشتات لحزب المؤتمر الذي اضحى مقسماً بين ثلاث فصائل الأول يقوده رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي، والثاني هم الذين نزوحوا ويقودهم السفير أحمد علي، نجل الرئيس السابق، والثالث هم المحتجزون في صنعاء ويقودهم حالياً يحيى الراعي، رئيس البرلمان، وصادق أمين أبو رأس أحد قيادات الصف الأول .

وتسعى منذ ذلك اليوم قيادات الحزب المتواجدة في الخارج، إلى الوصول لقيادة موحدة تجمع بين فصيلي هادي وأحمد، غير أن هذه الجهود لم تثمر نتائجها حتى الآن على الرغم من اللقاءات التي عقدت بين ممثلي الجانبين، وكذا اللقاء الذي جمع الرئيس هادي بقيادات الصف الأول المتوجدين في العاصمة المصرية القاهرة .

ولازالت الجهود تبذل لإعادة لحمة الحزب الذي تواصل الميليشيات تفتيته داخلياً لجعله تابعاً لها، وخاضعاً لسيطرتها على عكس وضعه أبان فترة قيادة الرئيس السابق، كما تقوم الميليشيات حالياً بإستبعاد قيادات الحزب من الحكومة والمؤسسات السيادية والمؤسستين العسكرية والأمنية التي تم حوثنتها بشكل شبه كامل .

في المقابل لازال العشرات من قيادات وكواد المؤتمر الشعبي العام يقبعون في سجون الميليشيات على خلفية تمسكهم بموقفهم الرافض لها، حيث يخضع هؤلاء المعتقلين لعمليات تعذيب منظمة من قبل الميليشيات التي تحاول إجبارهم على تغيير مواقفهم ووصف صالح ومن معه بالخونة .


إنشقاقات وجرائم 

كما أحدتت هذه الإنتفاضة على الرغم من إخمادها سريعاً حالة تمرد في صفوف الميليشيات الإنقلابية، حيث شهد العام الماضي إنشقاق عدد كبير من القادة العسكريين الذين إنضم معظمهم لقوات العميد طارق والبعض الأخر إلتحق بجيش الشرعية، كما أنشق عدد من الوزراء والمسؤولين الذين التحقوا بالشرعية وكشفوا العديد من الأسرار والجرائم التي ترتكبها الميليشيات الحوثية بحق المدنيين في مناطق سيطرتها .

وزادت هذه الإنتفاضة من حالة الإرتباك التي كانت تعيشها الميليشيات عسكرياً خاصة بعد ظهور العميد طارق في الساحل الغربي وتشكيل قوات حراس الجمهورية، حيث إنضم إليه العديد من القيادات العسكرية المحنكة والتي كان لها دور بارز في صمود الميليشيات أمام قوات الشرعية والتحالف العربي .

وبعد نجاح الميليشيات في إخماد إنتفاضة المؤتمر والقضاء على الرئيس السابق، إنفردت قياداتها بالحكم في صنعاء، وزادت سطوتهم في المناطق الخاضعة لسيطرتهم وتحديداً العاصمة صنعاء، الأمر الذي تسبب بزيادة جرائمهم بحق المدنيين ونهب المال العام وتعويض الموظفين بمواد غذائية تتحصل عليها الميليشيات من المنظمات الدولية كمساعدات مجانية .

كما زادت عمليات التجنيد الإجباري للشباب والأطفال والزج بهم إلى جبهات القتال ضد الشرعية لتعويض خسائرهم البشرية الناجمة عن المواجهات أو الفرار من الجبهات .

أبرز إسهامات الإنتفاضة

ومن أبرز إسهامات الإنتفاضة هو كشف علاقة الإصلاح بالميليشيات الحوثية، وتحول الأول إلى حلقة وصل بين قطر الموالين لها والحوثيين، خاصة بعد أن كشفت الشواهد وتصريحات قيادات المؤتمر علاقة قطر بمقتل صالح .

وأظهرت هذه الإنتفاضة خيانة الإصلاح وتحديداً فصيل قطر الذي تقوده الناشطة توكل كرمان، المقيمة في تركيا للشرعية والتحالف العربي، وتحولهم بشكل تدريجي منذ طرد قطر من التحالف في يونيو 2017م إلى مناصرين للميليشيات ومعاديين للتحالف .

وساعد كشف هذه الخيانة على إعادة ترتيب القوات العسكرية وتغيير قادتها الموالين لقطر ووضع حد لتدخلات الأخيرة في العمليات العسكرية والتحركات السياسية للشرعية لمواجهة الميليشيات الإنقلابية .