القطريون وقميص خاشقجي

 

لم تتوقف كافة الأدوات الإعلامية الممولة قطرياً للحظة واحدة عن الحديث المستمر حول قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي، من قناة الجزيرة إلى عشرات المنصات الإعلامية، ووصولاً إلى الآلاف من الذباب الإلكتروني.

فلا تكاد تمر ساعة واحدة دون أن يتم تقديم خبر أو تحليل أو تمرير معلومة كاذبة في سياق واسع لتأكيد أن المسألة لا تتعلق بحق إنساني، أو التزام قانوني بمقدار ما هي موجة تسونامي عالية وعنيفة للغاية من ارتدادات ما يسمى «الربيع العربي»، الذي كان قد ارتفعت أمواجه في العام 2011م واستطاع أن يهز الوطن العربي عبر الفوضى الواسعة التي تأثرت بها عدة دول عربية.

شبّه القيادي الإخواني راشد الغنوشي تداعيات مقتل جمال خاشقجي بالمناخ الذي ساد تونس بعد حرق محمد البوعزيزي نفسه 2010م، وأدّى لاندلاع ما يسمى بالثورة آنذاك.

وقال الغنوشي أمام كوادر حركته: «المناخ السياسي العالمي حالياً يشبه المشهد التراجيدي الذي شهدته سنة 2010 باحتراق الشاب محمد البوعزيزي، وما فجّره من تعاطف إقليمي ودولي، والظروف التي قذفت به إلى ذلك المشهد»، هذا هو المضمون العميق لما يحدث في استثمار جماعة الإخوان المسلمين لقضية خاشقجي. وهذا ما تذهب به قطر وهي تحمل قميص خاشقجي ولا تخفي أهدافها ومقاصدها، فالقطريون يعرفون ما يريدون من هذا القميص برغبتهم الدفينة ضد القيادة السياسية السعودية كهدف لم يعد خافياً بعد أن أثبتت التسجيلات والتسريبات لأمير قطر السابق حمد بن خليفة المؤامرة على المملكة العربية السعودية ومحاولات قطر باغتيال الملك السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، يرحمه الله.

القطريون يكررون ما فعله الخوارج بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان، رضي الله عنه، بشكل متطابق؛ فكما حمل الخوارج قميص عثمان يحمل القطريون اليوم قميص خاشقجي، وتظل العبرة في قراءة التاريخ، فالأمة ظلت موحدة قائمة وبقي الخوارج منبوذين حاملين في سيرة التاريخ أنهم أهل فتنة وشر لم يسقط عنهم بمرور عقود طويلة من الزمن، قد لا يدرك النظام القطري أنه يسير في الطريق الخطأ.

فلقد غطت عيناه حقيقة جوهرها أن الحقد على السعودية يصطدم بوقائع جيوسياسية مضادة، فلا يمكن تجاوز حقيقة ثابتة تمثلها القيمة السياسية والدينية والاقتصادية وكذلك التاريخية للمملكة العربية السعودية. الضجيج الإعلامي ومحاولة التأثير على العواطف ومشاعر البسطاء هي تكرار لما فعلته قناة الجزيرة القطرية في تغطيتها لرياح ما يسمى «الربيع العربي» العاتية في 2011م، فلقد تم تمرير المعلومات الخاطئة والإشاعات الكاذبة في أجواء ملبدة بغيوم صنعتها ذات الأدوات التي تعاني أزمة مع استقرار المنطقة العربية.

فالواهمون هم ذاتهم لم يتغيروا إطلاقاً فما زالت أفكارهم المعادية للاستقرار والأمن تستدعي تدخلهم لتحقيق أجندات كشفت حقيقتها عبر تقاطعات بين خمينيّة تسعى للتمدد على الأرض العربية وخرافة عثمانية تريد استعادة سلطتها على التراب العربي مجدداً.

وفي خضم هذا الجنوح لم يكن النظام القطري خافياً وجهه العبوس في دعوته للعراق وسوريا وإيران وتركيا لبناء محور سياسي وعسكري واقتصادي في منطقة الشرق الأوسط، هذه الدعوة القطرية المتجاهلة تضاربت الدول المدعوة لبناء المحور غير المنسجم سياسياً وجغرافياً فيه تعزيزاً لمسألة جوهرية تعانيها قطر تتمثل في عُقدة النقص والشعور المستدام بصغر حجمها السياسي الذي لم يتطور بمقدار ما تطورت أدوات الشر، وأنتجت مزيداً من القفزات القطرية غير المدركة للواقع لتواصل سياسة الاندفاع تجاه المجهول.

تأليب الرأي العام سياسة قطرية انتهجتها الدوحة منذ انقلاب 1996م، وسخرت لأجلها مئات المنصات الإعلامية العابرة للقارات، وفي حادثة مقتل خاشقجي أظهرت هذه السياسة الإعلامية الأجندة المخفية بكافة ما تحمله من خطورة نحو المنطقة العربية لتنفيذ الأجندات التوسعية للقوى الإقليمية الطامعة في التراب العربي، عزلة النظام القطري وتخبطاته تستدعي مراجعة موضوعية بدلاً من الانسياق غير المحسوب العواقب.

فلن تحصد قطر من كل هذا فائدة للشعب القطري والشعوب العربية، التأمل في تاريخنا يعيدنا إلى وعي بأن من حملوا قميص عثمان حملوا على ظهورهم عواقب الأمة المتعاقبة في صراعاتها، فكيف بمن يكررون حمل قميص خاشقجي على أسنة رماح أعجمية.