آخر تحديث :السبت-20 أبريل 2024-02:24م

منوعات


هل يعود نجاح الأشقاء إلى الجينات الوراثية فقط؟

هل يعود نجاح الأشقاء إلى الجينات الوراثية فقط؟

الإثنين - 17 ديسمبر 2018 - 04:46 م بتوقيت عدن

- نافدة اليمن / بي بي سي

إذا كنت تشعر أنك لم تحقق أنت وأشقائك نجاحا كافيا في الحياة، فإن آنّ وُجيسكي وأختيها سيؤكدن مخاوفك.

تشغل آن وُجيسكي، البالغة من العمر 45 عاما، منصب الرئيس التنفيذي لشركة "23 آند مي" بوادي السيليكون بالولايات المتحدة، وتبلغ قيمة الشركة السوقية 2.5 مليار دولار، أما أختها سوزان وُجيسكي، التي تكبرها بخمسة أعوام فهي الرئيسة التنفيذية لموقع "يوتيوب".

وتشغل الأخت الثالثة جانيت وُجيسكي، البالغة من العمر 48 عاما، منصب أستاذ مساعد في علم الأوبئة بجامعة كاليفورنيا بمدينة سان فرانسيسكو، حيث تقود الجهود المبذولة للقضاء على الكثير من الأمراض والأوبئة بداية من السمنة ووصولا إلى فيروس نقص المناعة البشري.

ربما تظن أن العوامل الوراثية لعبت دورا كبيرا في نجاح الأخوات الثلاث، لكن آنّ تقول إن هذه الإنجازات التي حققتها كل منهن كان مردها الحظ والتنشئة السليمة.

مصدر الصورة Getty ImagesImage caption نشأت آنّ (يسارا)، وجانيت (في المنتصف) وسوزان في حرم جامعة ستانفورد، حيث كان والدهن يعمل أستاذا في الفيزياء

وتقول آن: "كنا محظوظات لأننا تربينا في كنف أبوين رائعين، وتعرفنا منذ نعومة أظافرنا على عالم الاتصالات، إذ كانت أمي صحفية، وعلى عالم التكنولوجيا، إذ كان أبي عالما في فيزياء الجسيمات".

وتتذكر أن والديها ربيا الفتيات الثلاث على حرية الفكر، وتضيف: "كانا يقولان لي، 'لا تخشي إن خالفك الآخرون في الرأي'".

وبالرغم من أن آن وُجيسكي ترى أن نجاحها اعتمد على التربية أكثر من اعتماده على العوامل الوراثية، إلا أن شركة "23 آند مي" التي تتولى رئاستها منذ عام 2006 توفر خدمات الاختبارات الوراثية للأفراد، أو ما يعرف باسم تحليل الحمض النووي.

وترسل شركة "23 آند مي"، التي استمدت اسمها من عدد الكروموسومات في الخلية البشرية الطبيعية، للمستخدم في المنزل أنبوبا لأخذ عينة من اللعاب. وبعد تحليل العينات، يحصل المستخدم على معلومات عن أسلافه، وعن العوامل الوراثية التي تجعله أكثر عرضة للإصابة ببعض الأمراض، وقد أثار هذا الجانب تحديدا جدلا واسعا.

تربت آن وُجيسكي في حرم جامعة ستانفورد، بالقرب من مدينة سان فرانسيسكو، حيث كان أبوها أستاذا في الجامعة، وسافرت بعدها إلى ولاية كونيتيكت للالتحاق بجامعة ييل.

وبعد أن حصلت على شهادة البكالوريوس في علم الأحياء في عام 1996، عادت إلى ولاية كاليفورنيا لتعمل باحثة أحياء جزيئية بالمعهد الوطني للصحة، وبعدها في جامعة كاليفورنيا، في مدينة سان دييغو.

وقد خطرت لها فكرة هذه الشركة عندما لاحظت أن نظام الرعاية الصحية الأمريكي، الذي يعتمد على أقساط تأمين شهرية مقابل الاستفادة من سلة الخدمات الصحية، لا يولي اهتماما كبيرا لسبل الوقاية من الأمراض في المقام الأول، ولا يعتني بالفئات الأكثر فقرا في المجتمع.

وتقول آن: "رأيت مدى أهمية الحافز المادي في التأثير على قرارات نظام الرعاية الصحية الذي أصبح يتعمد تجاهل المرضى الأكثر احتياجا للعون".

وتضيف أن العاملين بمجال الرعاية الصحية قد لا يهتمون بالتوعية بمخاطر الأمراض وسبل الوقاية منها، لأنهم لن يجنوا من وراء ذلك أموالا. ولهذا أرادت أن تبتكر شيئا يعود بالنفع على عامة الناس.

وشجعها على ذلك، على حد قولها، انتشار منصات التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك، وموقع "يوتيوب"، وتقول إن هذه المواقع أصبحت منبرا للتعبير عن الآراء وإيصال أصوات الجمهور.

وفي عام 2006، أسست شركة "23 آند مي" مع شريكين آخرين، ليندا آفي وبول كوسينزا. وسرعان ما ترددت أصداء هذه الشركة التي تتيح للناس الحصول على معلومات عن أصولهم، مثل المكان الذي ينحدرون منه، ولكنها واجهت أيضا بعض الصعوبات بسبب خدمات تقييم الاستعداد الوراثي للإصابة بالأمراض التي توفرها الشركة.

وبذلت الشركة جهودا مضنية للحصول على موافقة الجهات الرقابية على الاختبارات الجينية التي تقدمها، بعد أن أثيرت مخاوف حول دقة نتائجها.

واحتدم الجدل بين الشركة وبين إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، التي أصدرت في عام 2013 قرارا بمنع الشركة من الترويج لهذه الاختبارات الجينية.

لكن في عام 2015، أجازت إدارة الغذاء والدواء تدريجيا خدمة الفحص الجيني لتقييم مخاطر الإصابة ببعض الأمراض، والآن توفر الشركة خدمات الفحص الجيني لتقييم احتمالات الإصابة بمختلف الأمراض، من بعض الأنواع من الأورام السرطانية، ومرض ألزهايمر والشلل الرعاش "داء باركنسون"، وحتى حساسية القمح أو الداء الزلاقي.

وتقول آنّ وجيسكي: "واجهت الشركة في عام 2013 فترة عصيبة عرقلت مسيرتها، وربما يرجع ذلك إلى أننا انشغلنا بغرس قيم الشركة ورؤيتها على المدى الطويل لدى الموظفين، وفاتنا أن نقدم الأدلة الكافية التي تثبت مدى سلامة ودقة فحوصاتنا السريرية وأدواتنا التحليلية لإدارة الغذاء والدواء".

إلا أن هذه الصعوبات التي واجهتها الشركة بسبب خلافاتها مع إدارة الغذاء والدواء، لم تثن المستثمرين عن ضخ الأموال في الشركة.

وجمعت الشركة استثمارات قدرت حتى الآن بما يزيد على 790 مليون دولار، وبلغت قيمة الشركة السوقية، بفضل هذه الاستثمارات، 2.5 مليار دولار.

وكان من أوائل المستثمرين في الشركة عملاق الإنترنت "غوغل"، التي استثمرت 3.9 مليون دولار في عام 2007. وكان أحد مؤسسي غوغل، سيرجي برين، في هذا الوقت متزوجا من آن وجيسكي، وأعلنا طلاقهما في عام 2015.

ويقال إن أكثر من خمسة ملايين شخص في ما يزيد على 50 دولة قد اشتروا أدوات تحليل الحمض النووي في المنزل من شركة "23 آند مي" واستخدموها بنجاح.

وإلى جانب المعلومات التي توفرها الشركة للمستخدمين عن الاستعداد الجيني الذي يزيد من مخاطر الإصابة ببعض الأمراض، فإن الشركة تستخدم أيضا البيانات التي جمعتها عن الحمض النووي للمستخدمين، بعد حذف جميع المعلومات ذات الصلة بهويتهم، للمساعدة في تطوير أدوية وعلاجات جديدة.

ولهذا الغرض، وقعت الشركة اتفاقية تعاون وشراكة أبحاث لمدة أربع سنوات مع كبرى شركات الصناعات الدوائية في المملكة المتحدة، "غلاكسو سميث كلاين"، في شهر يوليو/ تموز الماضي.

وتقول آنّ وجيسكي، إن هذه التحاليل لن تصنع المستحيل، "إذ لن تنبئك بالتأكيد بموعد وفاتك"، لكنها تخبرك بالعوامل التي تزيد من احتمالات إصابتك بالأمراض الوراثية.

وتضيف: "يتوقف عمر الفرد المتوقع عند الولادة على الجينات الوراثية التي يحملها وطبيعة الحياة التي يعيشها. وللبيئة أيضا تأثير كبير على صحة البشر".

يقول برادي مارين، أستاذ في تكنولوجيا المعلومات الطبية الحيوية بجامعة فاندربيلت بمدينة ناشفيل، بولاية تينيسي، إن هذه الشركات الجديدة في مجال الفحوص الجينية مثل "23 آند مي" وغيرها باتت يُنظر إليها بشكل جاد.

ويضيف: "في البداية كانت الخدمات التي تقدمها هذه الشركات تركز على الكشف عن الخصال أو الأصول والأسلاف. لكن مع الوقت أصبحت هذه الشركات تقدم خدمات التعرف على الأقارب والنسب، والخدمات التشخيصية. وأخذت نظرة المجتمع أيضا تتغير لهذه الشركات، لما قد تحدثه نتائج فحوصاتها من انعكاسات قد تغير مجرى حياة بعض الأشخاص".

وتقول آن وجيسكي إنها تحب أن تعاون موظفيها البالغ عددهم 500 موظف، وأن تعمل معهم من وقت لآخر، وتضيف: "لا أحب أن أتعرف على العمل الذي يؤدونه فحسب، بل أحب أن أتعرف عليهم أيضا".

وتشير إلى أنها قررت هي وشقيقتاها منذ البداية أن يزاولن العمل الذي يحببنه ويشعرن بسعادة وحماس عند تأديته، قائلة: "نحن نستمتع بالعمل الذي نؤديه، ونشعر أننا نسهم في تغيير العالم إلى الأفضل".