آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-10:35م

غرفة الصحافة


الشرق الأوسط : انتشار غير مسبوق للمرضى النفسيين في مناطق سيطرة الحـوثي

الشرق الأوسط : انتشار غير مسبوق للمرضى النفسيين في مناطق سيطرة الحـوثي

الأحد - 26 مايو 2019 - 06:49 م بتوقيت عدن

- عدن - نافذة اليمن - الشرق الاوسط:

 

 

منذ انقلاب الميليشيات الحوثية على الشرعيةفي اليمن واجتياحها صنعاء ومدنا أخرى وبسط نفوذها على مفاصل الدولة السياسية والاقتصاديةوالثقافية والاجتماعية، تعرض العامل النفسي لكثير من اليمنيين لانتكاسة كبيرة، وأصيبجراء ذلك معظم السكان بأمراض نفسية تكاد تكون مستعصية.

وتحدث سكان محليون بصنعاء لـالشرق الأوسطعن انتشار غير مسبوق في الوقت الحالي لعدد من المرضى النفسيين في شوارع وأزقة وأحياءالعاصمة ومدن أخرى خاضعة لسيطرة الانقلابيين.

وأكدوا تنامي هذه الظاهرة على نحو لافتخلال الأربعة أعوام الأخيرة (أي فترة الانقلاب الحوثية)، مع استمرار وتيرة الحرب التيشنتها وتشنها الميليشيات على مختلف المدن اليمنية، والتي أنتجت واحدة من أسوأ الأزماتالإنسانية في العالم، حسب توصيفات أممية سابقة. ويتوزع معظم المرضى النفسيين، وفق معلوماترسمية، في المدن الأكثر كثافة سكانية والأشد فقراً، كالعاصمة صنعاء ومحافظات تعز والحديدةوإب وذمار الخاضعة جميعها لسيطرة الحوثيين. ويفترش مئات الآلاف من اليمنيين إن لم يكونواملايين المصابين باضطرابات نفسية بينهم أطفال ونساء، أرصفة الشوارع في صنعاء ومدن يمنيةأخرى، في حين يلجأ بعضهم للتسول، ويقتات البعض الآخر من القمامات.

وفاقمت الظروف المعيشية الصعبة وارتفاعمعدلات الفقر وانعدام الرواتب وفرص العمل من تدهور كبير في الصحة النفسية لدى غالبيةاليمنيين، في وقت تؤكد فيه إحصائيات محلية عن وجود أكثر من 5 ملايين يمني مصاب حالياباضطرابات نفسية.

ويروي "ع.خ.م"، أحد سكان صنعاء،قصة شقيقه الأكبر، الذي فقد عقله منتصف عام 2015 بعد أن أقصته الميليشيات الحوثية منعمله وصادرت كل حقوقه لمجرد اختلافه البسيط معهم ومعارضته لسياساتهم التدميرية داخلمؤسسة حكومية يعمل فيها منذ 30 عاما.

ويشير إلى طرد الميليشيات لشقيقه من عملهبالمؤسسة بصنعاء وقطع راتبه واستبداله به شخصاً آخر مؤهله العلمي الوحيد "الانتماءللميليشيات".

ويضيف: "منذ طرده لم يعد أخي ذلك الرجلالمرح والبشوش الذي أعرفه وتعرفه بقية أفراد أسرته، خصوصاً زوجته وأبناءه الستة، بلتحول إلى شخص آخر غريب الأطوار كثير التفكير مليء بالهموم والأحزان والأوجاع، وكأنهيتحسر على سنوات عمره التي أفناها مخلصاً بعمله الإداري في المؤسسة التي ذهبت أدراجالرياح بسبب تصرفات أولئك الحمقى الذين لا يعرفون ذمة ولا رحمة ولا مبادئ ولا أخلاقولا حتى ديناً أو عُرفاً"

ويؤكد "ع.خ.م" لـ"الشرقالأوسط" أن هذه الجماعة وبمجرد اختلافك البسيط معها أو انتقادك لسياساتها الخاطئةتمحوك بجبروتها الأعمى من الوجود، إما بقتلك أو بمصادرة رزقك وقوت أولادك. ويتساءل:"أي قلوب يحملها هؤلاء؟ وما التربة الخبيثة التي أنبتتهم"؟

ويختتم حديثة قائلاً: "نحن حزينونلأننا نشاهده يتألم ويتشرد بعيدا عن المنزل لأسابيع وشهور ونعجز عن مساعدته، حتى بعضالأدوية نعجز اليوم أيضاً عن شرائها له".

وبدوره، يتحدث مواطن آخر من صنعاء لـالشرقالأوسط، قائلاً: "في السابق كان هناك مثل شعبي يقول: (لا تبكِ على من مات وابكِعلى من طار عقله)". اليوم تغير الحال، ولم يعد هذا المثل قائماً، فقد ارتاح منالمآسي والهموم والقهر التي خلفتها الميليشيات الحوثية، كل يمني فقد عقله.

ووفق تقارير أممية، فقد احتل اليمن مراتبخطيرة من حيث ارتفاع نسبة الفقر والمجاعة، حيث أصبح نصف سكان اليمن تحت خط الفقر والعوزوالمرض وعلى بُعد خطوات من المجاعة.

وشهد الوضع اليمني منذ 4 سنوات من الانقلاببشكل عام تردياً كبيراً وصل إلى ذروته، وجلبت تلك السنوات العجاف بآثارها السلبية البالغةمختلف أنواع المآسي والآلام والدمار والأمراض النفسية لليمنيين على حد سواء.

ويقول أحد المتابعين إنه لم يكن ضحايا الانقلابوالحرب من المدنيين قتلى أو جرحى فقط، بل كان للحرب ضحايا آخرون لم يعرفهم المجتمععلى حقيقتهم، كما لم تتطرق لهم ولمعاناتهم مختلف وسائل الإعلام.

ويضيف أن المرضى النفسيين في اليمن ضحاياالانقلاب الحوثي والحرب وتبعاتها السلبية.

من جانبه، يرى طبيب نفسي بصنعاء هو الآخرأن الأوضاع الحاصلة في البلاد بالوقت الحالي تُعد سبباً رئيساً في ازدياد مرضى الحالاتالنفسية في اليمن.

ويفصح الطبيب (الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه)لـ�الشرق الأوسط�، عن أسباب عدة تقف وراء إصابة كثير من اليمنيين بأمراض واضطراباتنفسية.

ويقول إن أكثر الأسباب التي أثرت على المرضىنفسياً الذين يتوافدون يومياً إلى عيادته بصنعاء، تتمثل بعدم قدرتهم على توفير الحدالأدنى من متطلبات الحياة المعيشية لأسرهم، يتلوه فقدانهم لرواتبهم وأعمالهم، وعدمالحصول على فرص عمل أخرى بديلة، ثم في المرتبة الثالثة عدم قدرة البعض من الشباب علىالزواج وتحقيق الاستقرار، بالإضافة إلى أسباب أخرى، كما يضيف الطبيب، كالخوف وعدم الأمنوالاستقرار ومشكلات وخلافات أسرية.

ويوجد في اليمن بحسب معلومات رسمية 3 مصحاتنفسية، إلى جانب مستشفى واحد متخصص بالطب والعلاج النفسي في صنعاء، بينما يوجد أقلمن 50 طبيباً فقط موزعين على عموم مناطق اليمن، ناهيك بغياب أقسام متخصصة بالطب النفسيبالمنشآت الصحية اليمنية، ولم يرُق للميليشيات الإرهابية (رغم قلة عددها) أن تبقي عليها،بل سعت إلى القضاء بسياساتها التدميرية على البعض منها، واقتحمت البعض الآخر، كما حصلفي اقتحامها منتصف عام 2017 للمصحات النفسية في كل من إب وتعز وحولتهما إلى سجون خاصةبها.

ويعاني القطاع الصحي في اليمن بشكل عاممن وضع متدهور وخطير، نتيجة الانقلاب الحوثي، وأدى ذلك إلى غياب شبه كامل للخدمات الصحيةبما فيها خدمات الصحة النفسية، ويقول آخر مسح نفذته منظمة الصحة العالمية إن من بين3507 منشآت صحية في اليمن تغيب فيها الخدمات المتعلقة بالأمراض النفسية ولا تتوافرإلا بنسب ضئيلة.

وفي الوقت الذي تقدر فيه معلومات وأرقاممحلية وجود تزايد كبير بأعداد المرضى النفسيين، يعزي مسؤولون وأطباء ذلك إلى الظروفالاقتصادية والمعيشية الصعبة التي عصفت باليمنيين جراء الانقلاب.

ويعد المسؤولون والأطباء في أحاديثهم المتفرقةلـ�الشرق الأوسط�، أن البيئة الصعبة التي يعيشون فيها ووجود كثير منهم في أقسام سجونمركزية وفي مصحات تفتقر، بسبب الانقلاب الحوثي، إلى أبسط التجهيزات والأدوية اللازمةفي صنعاء والمدن، تُعدّ من بين الأسباب الرئيسية التي عملت على تزايد أعداد المرضىالنفسيين في اليمن.

وأضافوا أن عدم وجود أماكن متخصصة لعلاجهموالظروف المادية الصعبة التي تعيشها أسر المرضى وعدم قدرتهم دفع تكاليف العلاج شكلتأيضاً أسباباً أخرى في تنامي هذا الظاهرة في أوساط المجتمع

وبينما يؤكد "مركز صنعاء للدراساتالاستراتيجية" أن أعداداً كبيرة لا يُستهان بها من اليمنيين تعاني اليوم من التبعاتالسلبية النفسية والاجتماعية والعاطفية التي خلّفتها الحرب على مدى 4 سنوات. يكشف مسؤولهو الآخر بمنشأة للطب النفسي بصنعاء عن ارتفاع كبير في أعداد المرضى النفسيين بالمقارنةمع فترة ما قبل الانقلاب الحوثي على السلطة في اليمن.

ويقول المسؤول (فضل عدم ذكر اسمه) لـالشرقالأوسط: يومياً نسجل ما بين 20 إلى 40 حالة جديدة من غير المرضى الموجودين لدينا بالمنشأة،الذين يتلقون العلاج النفسي بشكل مستمر

ويشير إلى أن المنشأة ورغم إمكانياتها البسيطةتواجه بشكل يومي ازدحاماً شديداً في أعداد المرضى النفسيين، الأمر الذي اضطرهم لتأجيلعلاج بعض الحالات.

ويضيف: رغم ما نعانيه من ضغوط وإهمال ولامبالاة، لكننا نقوم ولو بالحد الأدنى من دورنا بعلاج المرضى الذين قد يتحولون في يومما، وإذا لم تقدم لهم الرعاية الطبية والنفسية الكاملة، إما لمجرمين أو ضحايا إجرامأو يقدموا على عملية الانتحار.

وكانت إحصائية رسمية سابقة أفادت عام2011م (وقبل اقتحام الحوثيين صنعاء في 2014) بوجود نحو 1.5 مليون مريض نفسي في اليمن،بينهم 500 ألف مريض ذهني. في حين كشفت دراسة محلية حديثة أعدتها مؤسسة التنمية والإرشادالأسري عن أن عدد المتضررين نفسياً بسبب الحرب التي أشعلتها الجماعة الانقلابية يقدربـ5 ملايين و455 ألفاً و347 شخصاً من الجنسين ومن مختلف الفئات العمرية.

وتؤكد الدراسة (التي حصلت الشرق الأوسطعلى نسخة منها) أن 195 شخصاً من كل ألف يمني يعانون من ضغوط واضطرابات نفسية حادة.وقالت إن المرضى بحاجة ماسّة إلى رعاية صحية ونفسية متخصصة وعاجلة. وحذرت في الوقتذاته من أن هذه النسبة تفوق المعدلات الطبيعية بأضعاف، وتنذر بكارثة مجتمعية.

وتقول المؤسسة في دراستها إن كثيراً منالسكان يعانون على الأرجح من التبعات النفسية والاجتماعية. وتضيف أن �السبب الرئيسيفي ازدياد أعداد المرضى النفسيين يعود إلى دخول اليمن بدوامة الحرب باعتبارها المتغيرالوحيد الذي طرأ على البلاد، مما أدى إلى نزوح أكثر من 3 ملايين شخص من منازلهم، أيما يقارب 11 في المائة، من مجموع السكان، إضافة إلى تدهور الحالة المعيشية للسكان بعدانقطاع الرواتب وانعدام فرص العمل وارتفاع نسب البطالة ومعدلات الفقر إلى 80 في المائة.

وأثر الانقلاب الحوثي بتداعياته المختلفةعلى السكان المحليين بشكل عام، وظهر بعض من اليمنيين غير قادر على تحمل تبعات الانقلابوويلاته، الأمر الذي أدى، وفق مراقبين، إلى إصابة كثير منهم بأمراض نفسية تكاد تكونمزمنة.

وحذر المراقبون من استمرار ارتفاع نسب المرضىالنفسيين في اليمن ومن مغبة تجاهل المرضى الحاليين الذين تزداد أعدادهم بشكل يومي.

وأكدوا أن عدم الوقوف بجدية تجاه هذه الظاهرالخطيرة قد يُحدث انتكاسة كبيرة لكيان المجتمع اليمني ما يزيد من ارتفاع نسبة الجريمةوحالات الانتحار وغيرها من التصرفات السلبية والخاطئة في اليمن.

وتصاعدت حالات الانتحار في اليمن على نحولافت خلال الفترة الأخيرة، نتيجة ضغوط نفسية وظروف معيشية قاسية يعيشها السكان، وأفرزتهاالجماعة الحوثية منذ عملية انقلابها. وبينما يفتقر اليمن لإحصائيات حديثة حول هذه الظاهرة،فإن مسؤولاً سابقاً بوزارة الداخلية (الخاضعة لسيطرة الانقلابيين) أكد لـ�الشرق الأوسط�أنهم كانوا يستقبلون قبل انقلاب الميليشيات، تقريباً من 20 إلى 40 حالة انتحار سنويّاً.وتوقع المسؤول الأمني (تتحفظ �الشرق الأوسط� على هويته)، ارتفاع الأرقام أضعافاً مضاعفةفي ظل الحرب الدائرة، اليوم، التي تسببت بواحدة من أكبر الكوارث الإنسانية على مستوىالعالم.

 

وبدورهم، يؤكد خبراء آخرون في الصحة النفسيةبصنعاء ارتفاع معدلات الانتحار بالعاصمة صنعاء فقط بنسبة 40.5 في المائة بين 2014 و2015م،في حين أكدت تقارير إعلامية أخرى تسجيل نحو 48 حالة انتحار خلال عام 2018م، وكان أغلبضحاياها أناساً فقدوا رواتبهم ومصادر رزقهم وأعمالهم.