آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-12:59ص

في عمق الدولة المدنية الحديثة(1)

الأربعاء - 26 ديسمبر 2018 - الساعة 10:02 م

د . محمد حميد غلاب الحسامي
بقلم: د . محمد حميد غلاب الحسامي
- ارشيف الكاتب


 

أولا : المقدمة

إن الظواهر العديدة والمتنوعة والكثيرة منها أو القليلة التي تهدد السلم والسلام والأمن الاجتماعي في المجتمعات والبلدان، والتي تفضي أخيرا إلى تشتت وتفتيت وتفتت تلك المجتمعات والبلدان وتمزيق النسيج الاجتماعي لها ومن ثم انهيارها بما يترتب على ذلك كله من نتائج كارثية ووخيمة عليها إنسانا وأرضا ومن ثم دخولها في مرحلة جديدة أكثر خطبا وجللا من سابقاتها وأشد خطورة منها...إلخ، تلك المرحلة التي أسميها أنا شخصيا ب"مرحلة التيه الوطني " بكل سماتها وخصائصها وبكل مظاهرها ونتائجها الكارثية والوخيمة على المجتمع والبلد..إلخ.
أقول إن تلك الظواهر، مجتمعة أو منفصلة، أحادية أو ثنائية..إلخ، ﻻ ﻳﻤﻜﻦ لها بأن ﺗﻮﺟﺪ ﻭﺗﻨﻤﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻠﺪﺍﻥ المتحضرة والمتقدمة وﺍﻟﻤﺘﺠﺎﻧسة...ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻳﺴﻮﺩ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﻋﻠﻲ ﺟﻤﻴﻊ أﻓﺮﺍﺩﻩ ﺩﻭﻥ أي ﺗﻤﻴﻴﺰ على أي ﺷﻜﻞ ﻣﻦ ﺍلأﺷﻜﺎﻝ أو صورة من الصور أو نوع من أنواع التمييز العنصري، ﻭﺗﻄﺒﻖ فيها وتسود ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻤﻭﺎﻃنة ﺍﻟﻤﺘﺴﺎﻭية ﺑﻴﻦ أﻓﺮﺍﺩﻩ، ﻭﺗﺼﺎﻥ فيها ﺍﻟﺤﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺸﺨﺼية ﻭﺍﻟﻌﺎمة ﺩﻭﻥ ﻗﻴﻮﺩ أو ﺭﻗﺎبة إﻻ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻬﺪﺩ ﺍﻟﺴﻠﻢ والسلام ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻭﺍلأﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﻣﻲ ﻭﻓقا لما ﻳﺤﺪﺩﻩ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺭﺗﻀﺎﻩ ﻛﻞ أﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ في ظل الدولة المدنية الحديثة بركائزها الأساسية....ووفقا لها وفي إطارها.

أﻣﺎ المجتمعات وﺍﻟﺒﻠﺪﺍﻥ المتخلفة والجاهلة وﺍﻟﻐﻴﺮ ﻣﺘﺠﺎﻧسة...، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻳﺴﻮﺩ ﻓﻴﻬﺎ ﻧﻈﺎﻡ ﺍﻟﻐﻠبة للأﻗﻮﻱ ﻭﺗﺘﺤﻜﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﻮى ﻣﺘﻨﻔذة ﺗﻌﺘﺒﺮ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﻭﺍﻟﻌﺒﺎﺩ ﻣﻠﻜﺎ ﻟﻬﺎ ﻭﻣﺰﺭعة ﻣﻦ ﻣﺰﺍﺭﻋﻬﺎ ﻭﺗﻘﻤﻊ ﺍﻟﺤﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺸﺨﺼية ﻭﺍﻟﻌﺎمة ﻭﺗﺼﺎﺩﺭ أﺭﺍء ﺍلأﺧﺮﻳﻦ ﻣﻤﻦ ﻻ ﻳﺴﻴﺮ ﻓﻲ ﻓﻠﻜﻬﺎ ويسبح بحمدها ﻭﻳﺼﺒﺢ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﻭﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﻣﺠﺮﺩ ﻭﺭقة ﻻ ﻗﻴمة ﻟﻬﺎ ﻳﻄﺒﻖ ﻭﻓقا للأﻫﻮﺍء والرغبات ﻭﺗﻨﺘﻔﻲ فيها ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻤﻮﺍﻃنة ﺍﻟﻤﺘﺴﺎﻭية ﻭﺗﻮﺯﻉ ﺍﻟﺒﻠﺪ ﺟﻐﺮﺍﻓﻴﺎ ﻭﺛﺮﻭﺍﺗﻴﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺘﻨﻔﺬﻳﻴﻦ ﻭﺗﺼﺒﺢ ﺍﻟﻮﻇﻴفة ﺍﻟﻌﺎمة- إﻥ ﻭﺟﺪﺕ -ﻫبة ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻻ ﺣﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻭﺗﺴﻴﺲ ﺍﻟﺤﻴاة ﺍﻟﻌﺎمة ﻭﻳﺼﺒﺢ ﺍﻟﺤﺰﺏ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻫﻮ ﺍﻟﺪﻭلة ﻭﺍﻟﻮﻃﻦ ﻭﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﺴﺒﺤﻮﺍ ﺑإﺳﻤﻪ ﻳﺼﻨﻔﻮﻥ ﻓﻲ ﺧﺎنة ﺍﻟﻌملأ ﻭﻏير ﺍﻟﻮﻃﻨﻴﻴﻦ وتنزع عنهم صفة الوطنية ﻭﻟﻴﺲأﻣﺎﻣﻬﻢ إﻻ ﺍلإﻨﺨﺮﺍﻁ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻠطة ﺍﻟﺤﺎﻛمة أﻭ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻭﻃﻦ ﺑﺪﻳﻞ ﻳﻌﻴﺸﻮﻥ ﻓﻴﻪ.

ﻓﻲ مجتمعات وفي ﺑﻠﺪان ﻛﻬﺬه ﻻ ﻧﺴﺘﻐﺮﺏ بأن توجد وﺗﻨﺸﺄ تلك الظواهر...ﺑﻜﻞ أﺷﻜﺎﻟها وصورها وأنواعها وأنماطها، ﻭﺗﻨﻤﻮ فيها ﻇﺎﻫرة ﺍﻟﺘﻌﺼﺒﺎﺕ الضيقة والمقيتة...خدمة لتلك العصبيات الضيقة والمقيتة..ولصالح أجندتها العصبية الضيقة والمقيتة الخاصة بها..،ﻟﻌﻞ ﺍﺧﻄﺮﻫﺎ ﺍﻟﺘﻌﺼﺐ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ، ﻭﻳﺰﺩﺍﺩ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﻭﺗﺘﻔﺸﻲ ﺍﻟﺒﻄﺎلة ﻭﺗﻌﻢ ﺍﻟﻔﻮﺿﻲ ﻭﻳﺤﻮﻝ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻲ ﻛﻴﺎﻧﺎﺕ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﺠﺎﻧسة, ﻋﻨﺪﺋﺬ ﻳﻨﻬﺎﺭ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻭﻳﺼﺒﺢ ﺍﻟﻌﻨﻒ أﻛﺜﺮ ﺷﺮﺍسة ﻭﺗﺼﺒﺢ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﺒﺷﺮية ﺭﺧﻴصة لا قيمة لها ﻟﺪﺭجة ﻋﺪﻡ ﺍلإﺣﺴﺎﺱ أﻭ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺗﺠﺎﻩ ﻣﻦ ﻳﻘﺘﻞ أﻭ ﻳﻌﺬﺏ ﺑﻞ ﻗﺪ ﻳﺼﻞ ﺍلأﻣﺮ إﻻ أن ﺫﻟﻚ ﻭﺍﺟﺐ ﺩﻳﻨﻲ أﻭ ديني أو قومي أو أممي أو ﻏﻴﺮﻩ ﻭﺿﺮﻭرة ﻣﻦ ﺿﺮﻭﺭﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺮﺣلة .

كل ذلك يحدث في ظل الدولة العصبية الضيقة والمقيتة ووفقا لها وفي إطارها.
وعليه :
فإن تلك البيئة الغير سوية والغير صحيحة والتي تنعدم فيها أدنى مقومات الحياة الحرة والكريمة وتصادر فيها كامل الحقوق الإنسانية للفرد وأبسطها وتتوحش فيها كل تلك القوى المسيطرة والمتحكمة فيها وتكون شريعة الغاب هي السمة الرئيسية لها وتنعدم فيها كل القيم الإنسانية الأخلاقية النبيلة في التعامل فيما بين تلك القوى...وبين أفراد ومكونات المجتمع من جهة وبين أفراد المجتمع ومكوناته المختلفة فيما بينها من جهة أخرى ويكون الإنسان الفرد فيها مهانا وذليلا ومحتقرا وعبدا طائعا وفاقدا لذاته شعارا بالدونية تجاه مثيله وتجاه تلك القوى ومحبطا ويأسا وقانطا من كل ما يمكن بأن يخرجه وينتزعه مما هو فيه...وعليه...،منتظرا للحظة مفارقة الحياة التي تخلصه من كل ذلك، بل متمنيا لها ومشتاقا....إلخ.
إزاء ذلك كله وأكثر لا يمكن لتلك البيئة إلا بأن تفرغ وتنتج المزيد والمزيد من أولئك المتطرفين، دينيا بالمقام الأول ثم وطنيا وقوميا...إلخ، فهي بيئة خصبة لكل ذلك وأكثر....
#الخلاصة :
إن الخروج من ذلك كله لا يمكن له بأن يكون إلا بإعادة بناء الدولة، قائمة كانت أو منهارة، على أسس مدنية حديثة وتحديثية وصولا إلى إقامة الدولة المدنية الحديثة بركائزها الأساسية.... تلك الدولة المدنية الحديثة التي تضمن كافة الحقوق، مدنية كانت أم سياسية أم اقتصادية واجتماعية وثقافية وقبل ذلك عقائدية دينية ومذهبية، بدون ذلك واستمرارا لما هو قائم سوف تظل تلك البيئة تنتج وتفرغ المزيد والمزيد من أولئك المتطرفين.....
أمام هذا كله، فإن الأسئلة والتساؤلات الكثيرة التي تطرح نفسها هنا وذلك فيما يتعلق ويتصل بتلك الدولة المدنية الحديثة هي :
ماهو تعريف تلك الدولة..؟ وماهي الركائز الأساسية التي تقوم عليها وتبنى؟ وماهي مظاهرها؟ وقبل ذلك,وهو السؤال الجوهري هنا, هل نحن فعلا بحاجة إلى تلك الدولة..؟
وغيرها وغيرها وغيرها من الأسئلة والتساؤلات حول ذلك...
هذا ماسوف نحاول الإجابة عليها وعنها ضمن هذه السلسلة الشخصية المتواضعة وذلك من وجهة نظري الشخصية المتواضعة وبحسب الأرضية المعرفية المتواضعة التي أدعي بأنني شخصيا أملكها، وقبل ذلك نتيجة لما نحن فيه..وعليه..ونتيجة للمرحلة التي نعيشها" مرحلة التيه الوطني "...
"يتبع"