آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-10:50م

في عمق الدولة المدنية الحديثة (3)

الجمعة - 28 ديسمبر 2018 - الساعة 06:53 م

د . محمد حميد غلاب الحسامي
بقلم: د . محمد حميد غلاب الحسامي
- ارشيف الكاتب


 

ثالثا : الأسباب الملحة والضرورية والموضوعية والواقعية للدولة المدنية الحديثة :

ولمحاولة الإجابة على السؤال الذي طرحته في نهاية مقالي السابق ليوم أمس ,فإنني أجيب وبشكل مختصر بالآتي :

إن المرحلة, مرحلة التيه الوطني, التي نعيشها ونعاني منها جميعا والتي جاءت كنتيجة طبيعية ومحصلة حتمية لسيطرة الدولة الاستعبادية الاستبدادية التسلطية الطغيانية والشمولية" الدولة التقليدية العصباوية الضيقة والمقيتة" وانعكاسا طبيعيا وحتميا لها, وعيا وأفكارا وثقافة وسلوكآ وتصرفا وممارسة عملية على أرض الواقع...
تلك الدولة....ممثلة بالأنظمة الاستعبادية الاستبدادية التسلطية الطغيانية والشمولية المتعاقبة والمتتالية ردحا طويلا من الزمن والمتحالفين معها والداعمين لها والمساندين لها والمستفيدين منها داخليا وخارجيا أو كليهما معا...
هذه المرحلة" مرحلة التيه الوطني" تتسم بمظاهر عديدة...
أذكر منها, على سبيل المثال لا الحصر, ما يلي :

# إنهيار شبه تام للمؤسسات الحكومية القائمة وشلل في فاعليتها....
# إنهيار شبه تام لمنظومة القيم الإجتماعية الإيجابية, وشيوع منظومة قيم سلبية محلها....
# إنهيار شبه تام للمنظومة السياسية...
# إنهيار شبه تام للمنظومة الإقتصاديه....
# إنهيار شبه تام للمنظومة الإجتماعية وتفكك المجتمع....
# إنهيار شبه تام للهوية الوطنية والإرتهان للخارج....
# مخاطر حقيقية من خلو البلد من الخبرات التعليمية بمختلف المجالات عبر تفشي وازدياد ظاهرة الهجرة إلى الخارج يوما بعد يوم،بل ساعة بعدساعة....
# مخاطر حقيقية على وحدة التراب الوطني والخوف والتخوف من تمزيقه وتفتيته ومن ثم تجزئته....
# مخاطر حقيقية على وحدة وتجانس النسيج الإجتماعي.....
# مخاطر حقيقية على الإنسان ومستقبله ومن ثم مستقبل الأجيال القادمة من بعده....
# غياب شبه تام للنخبة المثقفة بجميع انواعها وأشكالها وصورها وأنماطها، وبجميع انتماءاتها ومنابعها وخلفياتها..إلخ، وإصاباتها بالشلل التام وبعدم قدرتها ومقدرتها عن القيام بأية ردة فعل إيجابية حيال ماهو كائن وحاصل في البلد، وذلك على مستوى جميع الأصعدة الحياتية المختلفة للبلد وفيه، بل أنني شخصيا أستطيع القول بالغياب التام لها ولدورها في المجتمع....
# انتهاك قدسية التراب الوطني وتدنيسه والمساس به.....
# انتهاك قدسية الحياة لأفراد المجتمع, عبر القتل اليومي ,فرديا كان أم جماعيا، والمساس بها.....
وغيرها...
وغيرها...
وغيرها...


وقبل كل هذا وذلك وذاك، بل والأخطر من كل ما سبق، :
# إنهيار شبه تام للأمل بل ضياعه بالخروج مما نحن فيه...وعليه..., وسيطرة ظاهرة اليأس والقنوط والإحباط والخوف في أوساط غالبية أفراد المجتمع, جهلة كانوا أم متعلمين, مثقفين كانوا أم غير مثقفين.
وهذا معناه إنهيار شبه تام ليس للنظام ...فقط ,وإنما كذلك للدولة ....
كل ذلك وأكثر منه وأفظع يحدث ويحصل ونشاهده ونعاني منه لحظة بلحظة وساعة بساعة ويوما بعد يوم..
كل ذلك..والبلد يعاني من صراع دموي مخيف لا يستثني أحدا ولا يسلم منه أحد ولا يملك أدنى المعايير الإنسانية الأخلاقية، دينية كانت أم غير دينية، تسيره وتحد من فظاعته...
إنه صراع العصبيات الضيقة والمقيتة فيما بينها ومع بعضها البعض، تتحكم به وفيه وتسيره وتسيطر عليه، وعيا وأفكارا وثقافة وسلوكا وتصرفا وممارسة يومية على أرض الواقع، الأجندات الخاصة بها ومصالحها العصبية الضيقة والمقيتة مع من يرتبط بها ومعها من القوى الخارجية....
بمعنى أعم وأشمل ومختصر :
إنها " مرحلة اللادولة".....


وعليه :
وبعد كل ما كتب ومالا كتب، فإنني أقول :
ما أحوجنا,بل إننا جميعا بأمس الحاجة, في هذا الظرف العصيب الذي نعاني منه إلي إعادة بناء تلك الدولة المنهارة..على أسس مدنية حديثة وتحديثة تلبي آمال وتطلعات أفراد المجتمع كافة بالحياة الحرة الكريمة,لكي تكون الضامنة الوحيدة لعدم العودة مرة أخرى إلى مربع "مرحلة التيه الوطني" مجددا, ولن يكون ويتم ذلك إلا بمشروع وطني ديمقراطي حقيقي لكافة أفراد المجتمع جميعا دون أي تمييز......


# الخلاصة :
إنها الدولة المدنية الحديثة بركائزها الأساسية..ولا شيء سواها....
شاء من شاء وأبى من أبى
طال الزمن أم قصر
وما تاريخ تلك المجتمعات والشعوب التي عانت مما نعاني منه بل وأكثر قديمة وحديثة واستطاعت تجاوز كل ذلك..والخروج من ذلك النفق المظلم.., إلا خير دليل وأنصع برهان وأقوى حجة دامغة على ذلك.
"يتبع"