آخر تحديث :الخميس-18 أبريل 2024-02:07ص

التأصيل الوعيي - السلوكي

السبت - 12 يناير 2019 - الساعة 04:33 م

د . محمد حميد غلاب الحسامي
بقلم: د . محمد حميد غلاب الحسامي
- ارشيف الكاتب


 

إننا إذا نظرنا وبعمق إلى تلك الأحزاب والحركات والاتجاهات الايدلوجية بصفة عامة والدينية منها على وجه الخصوص في تلك البلدان والمجتمعات المتخلفة والجاهلة والغير متجانسة اجتماعيا وثقافيا وعقائديا ودينيا ومذهبيا...إلخ، لوجدنا أنها جميعها وبدون استثناء، طبعا مع وجود فوارق نسبية فيما بينها هنا وهناك، تؤمن،وعيا قبل سلوكا، بأنها وحدها هي من تملك الحقيقة المطلقة فيما تؤمن به وتدعيه وتحتكرها بما يترتب على ذلك من تكوين صورة نمطية سلبية تجاه الآخر المغاير،وعيا وسلوكا، قولا وعملا، وبما تقتضيه تلك الصورة النمطية السلبية وتفرضه على المنتمين إليها من عملية عدائية، إقصائية، نبذية، استعبادية، استبدادية وهتكا واضحا لكل القيم الإنسانية الأخلاقية في تعاملها مع الآخر المغاير...
بحيث تبيح لنفسها فعل كل ذلك وفقا للمبررات التي ترى بأنها تسمح لها بفعل ذلك، وطنية كانت أم أممية أم قومية والأخطر من كل ذلك هي تلك المبررات الدينية العقائدية المرتطبة بالقدسية السماوية الإلهية التي ترى بأنها تسمح لها بفعل ذلك، بل تحثها عليه وتعتبر عمله واجبا دينيا يقربها بفعله إلى ملكوت الجنان، مستغلة تلك التأويلات الخاطئة للنصوص الدينية سواء عمدا منها أم بغير عمد،....
فهي عندما تمارس الدجل والكذب والخديعة والغش ونقض العهود وعدم الايفاء بها والتنصل منها في تعاملها مع الآخر المغاير، بل وسلبه كرامته وحريته وإنسانيته وآديميته وذاته، استبدادا واستعبادا وتسلطا وطغيانا وسجنا وتهجيرا وتشريدا....إلخ،بل وحتى سلبه حياته الوجودية إذا رأت ضرورة لذلك، وتتنصل من كل القيم الإنسانية الأخلاقية في تعاملها مع الآخر المغاير، إنما تفعل ذلك وفقا لتلك الشرعية التي ترى بأنها تبيح لها ذلك، وطنية كانت أم أممية أم قومية أم دينية ومذهبية، وهي عندما تمارس ذلك تجاه الآخر المغاير لا ترى بأنها خرجت عن الخط الإنساني الأخلاقي، إنما ذلك في صميمه وجوهره، وواجبا وطنيا أو قوميا أو أمميا أو دينيا تفرضه طبيعة المرحلة وضرورياتها...
إنها،،التقية،، التي تتحكم بها جميعا، سواء كانت تلك التقية وطنية أو قومية أو اممية أو دينية ومذهبية، مهما حاولت الإدعاء عكس ذلك، فعند الفرز والتمحيص والاختبار الحقيقي يظهر كل ذلك للعيان وبدون أي غطاء يخفي ماهو كامن في وعييها...

وعليه :
فإن تلك الأحزاب والحركات والاتجاهات الايدلوجية بصفة عامة والدينية منها على وجه الخصوص لا ترى فيما تمارسه ،عملا وسلوكا، قولا وفعلا، تجاه الآخر التي تعتبره معاديا لها وخصما وحجرة عثرة أمام مشاريعها الخاصة، من ممارسات خارج القيم الإنسانية الأخلاقية، عملا بذيئا من وجه نظرها ومناقضا لتوجهاتها وإيمانها وعقيدتها، وذلك ببساطة شديدة لأن المعتقدات التي تؤمن بها تبيح لها ذلك ،طبعا من وجهة نظرها هي وليس لأن جوهر تلك المعتقدات تبيحها، وذلك وفقا لمقولة الحرب خدعة والضرورات تبيح المحظورات وتماشيا مع متطلبات المصلحة الوطنية أو القومية أو الأممية أو الدينية العليا التي تفرض ذلك بل وتجيزه وتأمر به وتعاقب من لم يقم به وغيرها الكثير الكثير..

لذلك لا يستغرب "بضم الياء" منها فعل ذلك وممارسته تجاه الآخر المغاير، لأنه مشرع لها وفقا لتأويلات فقهية عقائدية،وطنية كانت أم أممية أم قومية أم دينية ومذهبية، شكلت وعيها وسلوكها وشكلت كذلك الصورة النمطية السلبية عندها،وعيا قبل سلوكا، تجاه الآخر المغاير بما تفرضه تلك الصورة النمطية السلبية من كل تلك السلوكيات تجاهه.

#الخلاصة :
إن من يفعل ذلك ويؤمن به ويشرعن له...لا يمكن له بأن يكون قدوة للقيم الإنسانية الأخلاقية، سماوية كانت أم أرضية، أو نبراسا لها أو هاديا ومرشدا لها كذلك،مهما أدعى منها وتغنى وكتب وخطب ونظر، فما الأفعال إلا خير دليل وانصع برهان وأقوى حجة على زيف ذلك الإدعاء...، حين يحين الاختبار الحقيقي لذلك....
ولا يمكن له بأن يمثل مشروعا وطنيا أو قوميا أو أمميا أو إخوة دينية...لكل أفراد المجتمع ومكوناته المختلفة، وقبل كل ذلك لا يمكن له بأن يمثل قيما إنسانية للإنسانية جمعاء.