آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-06:01م

بنيوية النظام الأبوي (2)

الإثنين - 04 مارس 2019 - الساعة 06:58 م

د . محمد حميد غلاب الحسامي
بقلم: د . محمد حميد غلاب الحسامي
- ارشيف الكاتب


ثانيا: خصائص وسمات النظام الأبوي في المجتمع العربي:

 

القراء الكرام.......

يححد الكاتبان، الدكتور/هشام شرابي وابراهيم حيدر خصائص وسمات النظام الأبوي في المجتمع العربي والتي يتميز بها عن غيره من المجتمعات الأخرى ومن ثم النتائج المترتبة عليه، حيث  (يحدد هشام شرابي مجموعة من الخصائص التي يمتاز به النظام الأبوي في المجتمع العربي، سنأتي على ذكر بعضها، وهي:

 

أولا: السيطرة والخضوع:

يشكل الأب في النظام الأبوي أداة القمع الأساسية، وبزيادة القمع يزداد الايمان بالخرافة وبالتالي يؤدي الى احكام السيطرة على الوضع القائم والخضوع للأب لا بلمعنى البيولوجي فقط بل بالمعنى الثقافي أيضا.

 ثانيا : التبعية:

فالنظام الأبوي لا ينتج ذوات مستقلة بقدر ما ينتج افرادًا سلبيين همهم الوحيد الامتثال للأعراف بدل احترم القوانين وتكريس الولاء للتقاليد بدل طاعة أوامر العقل.

ثالثا : الولاء:

أي أن العائلة او العشيرة او الدين او الجماعة الإثنية (بدلا من الأمة أو المجتمع المدني) تشكل أساس العلاقات الاجتماعية وما يقابلها فيه من تنظيم اجتماعي.

 

ويضيف شرابي في موضع آخر خاصيتين من خصائص النظام الأبوي، :

 

  الخاصية الأولى : 

النماذج المطلقة:

أي ان هناك وعيا مغلقا ومطلقا (في نظرية العمل والسياسة والحية اليومية) في هذا المجتمع، وهو وعي يرتكز على مفاهيم التعالي وما وراء الطبيعة والوحي والانغلاق (بدلا من وهما: والتعدد والتساوي والانفتاح …الخ.

الخاصية الثانية :

  الممارسات الشعائرية: أي السلوك المبني على الرسميات والعادات والشعائر (بدلا من العفوية والابداع والابتكار …الخ،.

اما الكاتب إبراهيم حيدر فيرى تلك الخصائص مرتبطة بالنظام القبلي الأبوي للمجتمعات العربية القائم على العصبية والولا لها، حيث يقول:

(ومن أهم خصائص النظام الابوي العربي التقليدي انه يقوم على العصبية القبلية وتماهي الفرد مع القبيلة التي تبادله الولاء بوصفها مسؤولة على الصعيد الاجتماعي والسياسي عن كل فرد من افراد القبيلة، وهو ما يؤدي الى تعزيز النظام القبلي القائم على العصبية، الذي يجعل العائلة حجر الزاوية في البنية الاجتماعية كما تفترض ان بنية القبيلة هي "كل" لا يمكن تجزئته باعتبارها عائلة موسعة او عشيرة او مجموعة من العشائر التي تكون القبيلة، التي تعزز كيانها بسيطرة مزدوجة: سيطرة الأب على العائلة وسيطرة الرجل على المرأة والولد على البنت، بحيث يبقى الخطاب المهيمن هو خطاب الأب الذكر وأوامره وقراراته.

وقد اتخذت "الأبوة " صفتها من صلة القربى والدم وضرورة احترام الابن لأبيه والقيام على خدمته. ولا زالت تقاليد تقديم الأبن فروض الطاعة لأبيه واحترامه مستمرة حتى اليوم. كما ان احترام الأبن لأبيه هو الاحترام نفسه لعشيرته مركزا في شخص واحد يمثلها هو شيخها. وفي الحقيقة فان سلطة الأب ما هي الا مظهر فردي لسلطة القبيلة. ورغم مرور مئات السنين بقي المجتمع العربي مجتمعا قبليا يتكون من وحدات اجتماعية اساسها القرابة التي تتمثل بالعائلة، التي هي جزء من الحمولة فالفخذ فالعشيرة فالقبيلة فاتحاد القبائل الذي يشكل المجتمع باوسع صوره.

وتتكون الاسرة العربية من عدة عوائل عموما، وهي اسرة ممتدة كبيرة الحجم التي تشكل السمة الاساسية لبنية العائلة العريبة حتى منتصف القرن الماضي وتضم كل المتحدرين من جد ذكر واحد وينصهرون في وحدة واحدة ويحمل جميع افرادها اسم الجد الاول للاسرة.

وفي الارياف العربية ترتبط بنية العائلة ارتباطا وثيقا باسلوب الانتاج الاقتصادي السائد والعلاقات الاجتماعية التي تشكل الارض والزراعة ركزتها الاولى والاساسية، وتعكس بشكل واضح بنية النظام القرابي الذي يقوم على التضامن والتماسك والتعصب العائلي في مواجهة المشاكل والاعباء والصراعات مع العوائل الاخرى ومع الحكومات وغيرها. ولذلك تحتاج العائلة الى تكثير النسل لرفد الارض بايدي عاملة ذكورية كثيرة والزواج المبكر ومن داخل العائلة (ابن العم وابنة العم) وكذلك تعدد الزوجات التي تفرضها وحدة العمل في الأرض. وهكذا بقيت العائلة العربية الممتدة حتى وقت قصير تشكل وحدة اجتماعية انتاجية بفعل استمرار الظروف والشروط البنيوية لتطورها حتى نهاية القرن التاسع عشر.

ويلاحظ المرء بقاء مظاهر سلوكية ما تزال تفعل فعلها في اعادة انتاج العلاقات القرابية، التي تظهر في الميل الى التقارب السكني في منطقة واحدة او مدينة واحدة، الكاظمية والاعظمية مثلا، وتوثيق علاقات القرابة بحضور المناسبات العائلية المختلفة وبخاصة في مناسبات الزواج والاعياد والوفيات وغيرها. وما زال الزواج الداخلي يشكل النموذج المفضل لدى كثير من العوائل العربية الممتدة. كما يمتد النظام الأبوي ـ البطريركي العربي الى تشكيلات السلطة التي ما زالت تعتمد على النفوذ العائلي، وما زالت التكتلات العائلية والعشائرية والطائفية تلعب دورا هاما وبارزا في كثير من القرى والارياف وحتى في كثير من المدن العربية. وليس من النادر ان نجد افراد قبيلة واحدة اوطائفة واحدة او مدينة واحدة او منطقة واحدة يسيطرون على السلطة والدولة والنفوذ ويتحكمون في رقاب الناس. وهذا دليل على ان السلطة الابوية ترتكز على العائلة الممتدة، التي هي النمط القرابي السائد، الذي يمتد الى النظام السياسي الحديث و يستمد شرعيته من كونه نظاما قرابيا أبويا يطرح الحاكم نفسه فيه على انه "الأب القائد" وان جميع افراد الشعب هم ابناءه، وهو يخاطب رعاياه ب "أولادي" وعليهم جميعا واجب تقديم الولاء والطاعة والخضوع له دوما، وفي ذات الوقت ينتظر "الأب القائد " من ابنائه الولاء المطلق له. وهو بهذا يجسد النظام اللأبوي-الذكوري المسيطر على المجتمع العربي بعامة والمجتمع العراقي بخاصة. والحاكم، في الحقيقة، هو المستفيد الاول من هذه "الأبوة" التي تساعده على السيطرة على رعيته واخضاعها لمشيئته واستبداده.

وتدعم النزعة الابوية فكرة الجماعة المتشابهة المطيعة التي تساعد على الخضوع للنظام الاجتماعي والسياسي، مثلما تساعد على تغييب مفهوم المواطن الفرد واستقلاله الفردي عن الجماعة وكذلك تغييب خصوصيته وتذويب شخصيته في الجماعة. وكلما يفقد المرء فرديته واستقلاليته، كلما يشعر بعدم أهميته وضعف مسؤولية، لان المسؤولية الجماعية تقع على عاتق العائلة والعشيرة والتي تطغي على كل مسؤولية فردية.

والحقيقة فان الحضارة الحديثة تقوم على مفهوم التخصص وتقسيم العمل الاجتماعي بين الافراد حيث يوضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وهو ما يتعارض مع قيم العائلة والعشيرة والمنطقة والطائفة وما يشبه ذلك، التي لا تضع للفرد أهمية سوى كونه واحد من الجماعة، بعكس الحضارة الحديثة التي تعطي للفرد مكانته المحددة في المجتمع حسب امكانياته وكفائته ومقدراته.وهذه الحوافز هي التي مكنت المجتمعات المتقدمة من التطور والتقدم والرقي. )

ويشير إلى ثنائية التسلطية والخضوع،

حيث يقول :

 (ان العلاقة التي تتحكم بين الرئيس والمرؤوس، في العائلة والقبيلة والطائفة والمجتمع والدولة، هي "علاقة هرمية" وشكل من السيطرة الأبوية التي تقرر ثنائية من التسلط والخضوع، ليس بين الفرد والعائلة فحسب، بل بين الحاكم والمحكوم، حيث ما زال الحاكم العربي يستبد برأية وارادته المطلقة ويتم التعبير عنها بالاجماع القسري. فهو الخليفة والوالي والامير والشيخ والرئيس والأب القائد، الذي يصدر الاوامر والنواهي وعلى الرعية والسكان والشعب ان يخضع لأوامره ونواهيه ويقول دوما: سمعا وطاعة.!)

اما نتائج تلك العلاقة غير العادلة فيشير إليها بقوله:

 (هذه العلاقات غير العادلة وغير المتكافأة بين الرئيس والمرؤس لابد وان تولد صراعا اجتماعيا وتناشزا نفسيا من شأنه تضخيم الذكورة وتبخيس الانوثة وتجعل من الولد الاكبر (البكر) رجلا متسلطا حتى على اخته التي تكبره سنا وثقافة. وتنتقل هذه العلاقة التسلطية من البيت الى المدرسة والوظيفة والمصنع والمؤسسات الامنية والعسكرية وحتى الى اعلى قمة في هرم السلطة.

وبحسب اريش فروم فان العلاقة ذات النزعة الابوية هي علاقة استبدادية تسلطية قد تؤدي الى استجابات متعارضة، فهي اما ان تؤدي الى الخضوع الزائد عن اللزوم الى المتسلط، أو النبذ التام لسلطته والتمرد عليه، وهو مصدر من مصادر ثنائية التسلط والخضوع. في مثل هذه المجتمعات الأبوية التقليدية تصبح الثقافة هجينية بل ومهجنة وتستخدم كأداة خطاب للسيطرة والخضوع، بدلا من التواصل والتفاهم والحوار العقلاني الرشيد.

كما ان هذه العلاقة التسلطية تلغي الحرية مثلما تلغي الحوار والتفاهم في الاسرة وفي المجتمع وكذلك في السلطة، أي تلغي السياسة، من حيث هي فعل حواري بين افراد مستقلين يتخطى العائلة الى السلطات الحاكمة التى هي اساسا سلطات عائلية ايضا، تهتم بمصالح العائلة لا بمصالح الشعب والوطن. وهكذا ينتقل الاستبداد والتسلط من العائلة الابوية الى السلطة الحاكمة.

 كما تقوي العلاقة التسلطية التنظيم البيروقراطي، الذي يقوم على القمع والطاعة والخضوع ويحول الافراد الى مجرد ألات بحيث تمسخ شخصياتهم وتغتصب حقوقهم وتمتلخ انسانيتهم. وبهذا المعنى فأن هذا النوع من الاستبداد لا يعني بلوغ الرشد، وانما اللارشد، الذي لا يحرر الانسان، وانما يقيده بسلاسل من الجهل والخوف والخنوع، بحيث يفقد المرء الثقة والاحترام المتبادل مع الاخر وكذلك مع المجتمع والثقافة. وهكذا يكشف النظام الأبوي عن وجهه الاستبدادي القمعي وترسيخه لقوة الموروث التقليدية.)

.........

القراء الكرام.......

إنني شخصيا أرى، بالاضافة إلى ما سبق بأن حجر الزاوية والأهم من كل ذلك هو اضافة إلى البنية القبلية البدوية للمجتمع العربي وكذلك الطبيعية الجغرافية الصحراوية وسيطرة الاقليات الغير عربية على الحياة الاجتماعية لفترة طويلة ونشؤ الدويلات السلطانية واحلال الدولة العثمانية محلها وبعد ذلك التوسع الاستعماري الغربي بعدها مع ما نتج عنه من نشؤ طبقة جديدة هجينة ...الخ،

أقول ان حجر الزاوية في ذلك كله هو :

استغلال النص المقدس(الدين) من قبل تلك الأبوية وربط طاعتها بالطاعة الآلهية والولا لها بالولا الآلهي، بحيث أصبح الخروج عليها وعدم الامتثال لها خروجا عن الدين وكفرا به بما يقتضيه ذلك الخروج والكفر....

بمعنى تحول النظام الأبوي الأرضي للمجتمعات العربية إلى نظام أبوي سماوي مقدس ومن ثم تتم عملية استغلاله من قبل تلك الأنظمة الأبوية الاستبدادية...

"يتبع"