آخر تحديث :السبت-20 أبريل 2024-02:28م

الوعي الأخلاقي (1)

الجمعة - 29 مارس 2019 - الساعة 09:00 م

د . محمد حميد غلاب الحسامي
بقلم: د . محمد حميد غلاب الحسامي
- ارشيف الكاتب


 

القراء الكرام..

 

أما بعد :

 

أولا : المقدمة :

 

تحدثنا في أكثر من مقال سابق حول الوعي وتعريفه وأنواعه وأهميته في حياة الأفرادوالمجتمعات والشعوب والأمم وقلنا بأن سلوكيات الأفراد والمجتمعات والشعوب والأمم ماهي إلا نتيجة طبيعية وحتمية وانعكاسا حقيقيا وطبيعيا لوعيها، إن إيجابا فإجابا وإن سلبا فلسبا،لكننا لم أشرنا وبعجالة إلى أن هناك ركيزة أساسية يجب بأن يرتكز عليها الوعي عموما،فبدونها لا يمكن لأي وعي بأن يصبح وعيا إيجابيا.

تلك الركيزة الأساسية هي " الوعي الأخلاقي "، فالوعي الأخلاقي للفرد والمجتمع والشعوب والأمم بمكوناتهم المختلفة هو الركيزة الأساسية التي يجب بأن يبنى على أساسها ووفقا لها أي نوع من أنواع الوعي الآخر، دينيا كان أم مذهبيا أم سياسيا أم ثقافيا أم اقتصاديا أم اجتماعيا أم ايدلوجيا أم حزبيا أم قوميا وأمميا...الخ، فهو الضمان الوحيد والأوحد لإيجابية أي وعي ومن ثم السلوكيات الناتجة عن ذلك الوعي، وهو الحصن الحصين والسد المنيع الذي يحصن الأفراد والمجتمعات والشعوب والأمم من أي اختراق بهدف النيل منها..الخ،وهو الضامن الوحيد والأوحد لمنظومة القيم الإيجابية في المجتمعات والشعوب والأمم، بقاء واستمرارا وفائدة، وكل مجتمع من المجتمعات وشعب من الشعوب وأمة من الأمم لا يسود فيها الوعي الأخلاقي تعتبر متخلفة وجاهلة بما ينتج عن ذلك التخلف وتلك الجهالة من آثار كارثية عليها وبما يترتب على ذلك من صراعات عصبية ضيقة ومقيتة...إلخ.

فلا يمكن لأي مجتمع متخلف وجاهل ولا لأية أمة متخلفة وجاهلة بأن تبني حضارة دون أن ترتقي بوعيها إلى مستوى الوعي الأخلاقي، فالوعي الأخلاقي هو أساس بناء الحضارات، قديمها وحديثها، وما إنهيار الحضارات إلا نتيجة طبيعية وحتمية تاريخية وانعكاسا حقيقيا وطبيعيا لإنهيار وعيها الأخلاقي متمثلا في إنهيار منظومة القيم الأخلاقية واستبدالها بمنظومة القيم الغير أخلاقية وإحلالها محلها.

وهذا ما عملت عليه تلك الأنظمة الاستبدادية الاستعبادية التسلطية الطغيانية والشمولية لتضمن بقائها واستمراريتها وسيطرتها على المجتمع، أفرادا ومكوناتا مختلفة، لأطول فترة زمنية ممكنة.

 

القراء الكرام......

إن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو :

ماهو تعريف "الوعي الأخلاقي " وما أهميته في حياة الأفراد والمجتمعات والشعوب ؟

هذا ما سوف نحاول التعرض إليه والإجابة عنه لاحقا ضمن هذه السلسلة المتواضعة حول " الوعي الأخلاقي ".

 

القراء الكرام.......

قال تعالى في كتابه الكريم،يصف نبيه(ص):

( وإنك لعلى خلق عظيم)

 صدق الله العظيم

وقال عليه الصلاة والسلام :

( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )

صدق رسوله الكريم

وقال أمير الشعراء العرب أحمد شوقي :

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت

فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

......

 

ثانيا : تعريف الوعي الأخلاقي

 

إنه وبدون الزعم والإدعاء بمعرفة جدلية التعاريف المختلفة، لغوية كانت أم اصطلاحية لكلمتي "الوعي الأخلاقي " وكذلك التعاريف المختلفة، أكاديمية كانت أم فلسفية أم دينية وغيرها وغيرها من التعاريف المختلفة الأخرى، فإنني أود هنا بأن أشير إلى هناك كثير من الفلاسفة وعلماء الإجتماع وعلما النفس وغيرهم وغيرهم قد أسهموا في ذلك، كل بحسب بيئة التي نشأ فيها وبحسب تخصصه الذي برع فيه، بمعنى أن كل منهم نظر إلى الوعي الأخلاقي وعرفه من خلال تجربته الشخصية ووفقا لها،.

حيث، على سبيل المثال لا الحصر، الفيلسوف الألماني ايمانويل كانت يرى (بأن  الوعي الأخلاقي هو الذي يجعل من الواجب على كل إنسان احترام الآخر ، حيث يشير إلى ذلك بقوله : تصرف دائما بالشكل الذي يجعلك تعامل الإنسانية في شخصك كما تعاملها عند كل الناس دائما كغاية لا كمجرد وسيلة ) وهو كذلك يرى بأن العقل الصرف هو الذي يجب بأن تؤسس عليه المبادئ الأخلاقية، حيث يشير إلى ذلك بقول :

إن مبادئنا الأخلاقية يجب أن تؤسس لا على التجربة ولا على العاطفة بل على العقل الصرف.

أما عالم الاجتماع الفرنسي جان جاك روسو فيقول :

بأن الإنسان ليست لديه معرفة نظرية، لكن بمجرد ما يدرك الخير بعقله حتى يحمله وعيه على حب هذا الخير، وهذا الإحساس هو وحده الفطري، وبأن الوعي الأخلاقي هو نداء داخلي فينا يمكننا من تمييز الخير عن الشر، وهو مبدأ فطري للعدالة والفضيلة يمنحنا معايير التمييز، وهو صفة داخلية وعامة بين كل الناس بغض النظر عن انتماءاتهم وتميزهم.

أما الفيلسوف والأديب والشاعر الألماني نيتشه وكذلك عالم النفس النمساوي الشهير سيجموند فرويد فإنهما يريا عكس ذلك، حيث يتفقان على أن الإنسان ليس خيرا بطبعه وفطرته بل العكس من ذلك تماما وبأن التنشئة البيئيه للفرد هي التي تحدد وعيه الأخلاقي من عدمه ومن ثم السلوكيات الأخلاقية من عدمها، حيث يقول نيتشه بوجود نوعين من الأخلاق، أخلاق السادة التي تجسدها القوة والعنف والاستغلال ، وأخلاق العبيد التي تجسدها الرحمة والشفقة والمساواة

أما سيجموند فرويد فيرى من وجهة نظر نفسية نفسانية بأن الوعي الأخلاقي جزء من نفسية الإنسان وليس كيانا مستقلا عنها...

 

وبناء على ما سبق وبغض النظر عن الاتفاق أو الإختلاف مع ما سبق ذكره، كليا أو جزئيا، وكذلك صوابية ذلك من عدمها، فإنني يمكن بأن أعرف الوعي الأخلاقي وبإختصار شديد بأنه :

مجموعة القواعد والقوانين والثوابت الأخلاقية، فطرية كانت أم مكتسبة والاعم كليهما معا، سماوية كانت أم أرضية والاعم كليهما معا، التي يتشكل ويشكل على أساسها ووفقا لها الوعي الأخلاقي للإنسان الفرد اولا ومن ثم الإنسان الإجتماعي ثانيا، والتي تجعله يميز بين الخير وبين الشر بشرط أن يملك الأهلية العقلية والنفسية والنفسانية لذلك...

فالإنسان الفرد فطريا في مولده وغير فطريا حال حياته ومماته.

قال تعالى في كتابه الكريم :

( انا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا)

صدق الله العظيم

وقال عليه الصلاة والسلام :

( ما من مولود إلا يولد على الفطرة.....إلخ)

صدق رسوله الكريم

بكم..يتجدد الأمل..ويتحقق

"يتبع"