آخر تحديث :الأربعاء-24 أبريل 2024-01:33م

الخوف من الحرية

الخميس - 04 يوليه 2019 - الساعة 07:53 م

د . محمد حميد غلاب الحسامي
بقلم: د . محمد حميد غلاب الحسامي
- ارشيف الكاتب


 

القراء الكرام.....
هل فعلا نتوق إلى الحرية..والانعتاق منها؟ وماهي الحرية..التي نريدها؟ هل هي تلك الحرية التي تتناسب مع نفسياتنا كل على حده؟ أم هي تلك الحرية التي لا تهدد كياننا ومصالحنا الفردية..؟ أم تلك الحرية العامة للجميع حتى ولو كان الحصول عليها يهدد ذلك الكيان وتلك المصالح ولو بجزء كبير أو متوسط أو بسيط من ذلك؟ وهل ظاهرة المطالبة بها تعتبر غريزة وجدانية أم أن ذلك يتطور مع تطور المجتمعات؟ أم أنه وفي حقيقة الأمر لا نريد تلك الحرية ونخاف منها، وذلك لما يترتب وينتج عنها في حال الحصول عليها؟ ولما يقتضيه ويلزمه السعي في سبيل الحصول عليها؟ وأيهما أفضل للمرء، العيش في كنف العبودية ، خاصة إذا كانت تلك العبودية طوعية وطواعية بما تمثله لمن يعيشون تحتها وفي كنفها من استقرار نفسي، حتى لو كان ذلك الاستقرار مزيفا في نظر الأخرين، وغير مزيفا طبعا في نظرهم، ؟ أم السعي في سبيل الحصول عليها والتخلص من تلك العبودية بما يمثله ذلك من قلب حياتهم رأسا على عقب والدخول في فوضى لا تعرف نتائجها وفقدان ذلك الاستقرار...الذي الفوه في ظل العيش تحت تلك العبودية وفي كنفها، والدخول في مرحلة جديدة لا تحمد عقباها؟ وهل يستحق أولئك الذين ينطبق عليهم قول أفلاطون : " لو أن السماء أمطرت حرية لرأيت بعض العبيد يرفعون المظلات" التضحية من قبل البعض في سبيل إخراجهم مما هم فيه..وعليه..؟ وهل هناك جدوى من تلك التضحية...؟ وما مدى نجاحها؟ وهل سوف تؤتي أكلها؟ أم أن ذلك يعتبر مضيعة للوقت والجهد وحتى فقدان الحياة الدنيوية الوجودية لمن يحاولون القيام بذلك تذهب سدى وبلا فائدة وتعتبر سذاجة من قبلهم وعملا لن يجنوا من ورائه غير المتاعب والمصائب وحتى الموت....؟ أم يكون القيام بذلك وفقا لما قاله جبران خليل جبران : " يقولون لي : إذا رأيت عبدا نائما فلا تنبهه لعله يحلم بالحرية، وأنا أقول : إذا رأيت عبدا نائما فسوف انبهه وأحدثه عن الحرية" كمبدأ أخلاقي من قبل أولئك...تجاه أنفسهم أولا وتجاه أولئك...ثانيا، بغض النتائج المترتبة على ذلك القيام مهما كانت؟ وهل من يقومون بذلك... ويضحون في سبيل ذلك...يقومون به حبا في ذواتهم وإرضاء لها؟ أم حبا في الأخرين الذين يعيشون في كنف العبودية وتحت مظلتها ورعايتها؟
وأيهما أشد خطرا على الحرية...: الخوف منها أم العبودية..؟ وهل الفرد في تلك المجتمعات المتقدمة والمتحضرة فعلا حرا؟ أم أنه انتقل من طور من أطوار العبودية...إلى طور أخر....؟ وهل مفهوم الحرية والعبودية يعتبر مفهوما نسبيا هنا..وهناك..؟ أم العكس من ذلك....؟
إن الخوف من الحرية...لهو أشد خطرا وأعظم أثرا عليها من ظاهرة العبودية...، وذلك لما تقتضية وتتطلبه الحرية...من تضحيات جسام في سبيل الحصول عليها، ولما تفرضه من مسؤوليات جسام في حال الحصول عليها...
فهي تعني التحرر والتخلص من كافة قيود واغلال وروابط العبودية..وتكسيرها، وهي تعني الخلاص والقضاء على ذلك" النظام الابوي" الاستبدادي الاستعبادي التسلطي والطغياني، بكل سماته وخصائصه ومظاهرة ونتائجه...، المسيطر على الوعي الجمعي الاجتماعي عموما والنخبوي منه على وجه الخصوص والمتحكم به وفيه والمسير له، إبتدأ من الوحدة الأولى للمجتمع البيت مرورا بالأسرة لتتسلسل عموديا حتى رأس هرم السلطة في البلد، ولتتوسع افقيا، طولا وعرضا، لتثمل وتعم كل مكونات المجتمع المختلفة....، بما ينتج عنها في حال الحصول عليها من تهديد خطير وإزالة للمصالح الضيقة لأولئك الذين وجدوا في ذلك " النظام الأبوي" ضالتهم ومصالحهم ومآربهم، وكذلك تسلطهم على الأخرين..واستعبادهم.....هذا من جهة
ومن جهة أخرى لما تمثله من زعزعة أمن واستقرار أولئك الغالبية العظمى من العامة الذين وجدوا في ظاهرة العبودية، خاصة إذا كانت طوعية، استكانة وهدوءا نسبيا في حياتهم، ولأن تلك العبودية تعفيهم من تحمل أية مسؤولية.....
إن الحرية...والحصول عليها ليست مسألة سهلة وبسيطة، ولا يقدر على ذلك إلا فئة قليلة من أفراد المجتمع ممن شعروا واحسوا شعورا واحساسا حقيقيين بأنهم في أمس الحاجة إليها، وممن أمتلكوا الشجاعة الكافية والعزيمة القوية والإرادة الصلبة الفولاذية في سبيل الحصول عليها....
أولئك الذين يفضلون الحرية..والعيش فيها وبها وتحت كنفها وفي رعايتها، مهما كانت محفوفة بالمخاطر، ومهما كلفهم ذلك، وذلك عن الخنوع والاستكانة والاستسلام المذل والمهين للواقع العبودي...، وعن الأمن والاستقرار المزفين المكبلان بالعبودية.....
أولئك الذين يجدون ذاتهم وذاتيتهم وأنفسهم في الحرية...وليس في شيء أخر....
أولئك المتمردون على الواقع العبودي...والساعون لتغييره.....
أولئك " المثقفون الإنسانيون الكبار" بمجمل سماتهم وخصائصهم ومهامهم وأدوارهم.....الذين يصنعون الحرية...ولا ينتظرون الحصول عليها كهبة من احد....
فالحرية...تنتزع....لا تستجدى.....
فالشعور والاحساس بالحاجة إليها، وعيا قبل سلوكا، يولد الرغبة الجامحة بالحصول عليها، تلك الرغبة الجامحة تولد ويتولد عنها تلك الشجاعة..وتلك العزيمة..وتلك الإرادة...، بما ينتج عن ذلك كله من ردة فعل حقيقية تجاه تلك العبودية...، ليتحول ذلك أخيرا إلى فعل وواقع ملموس ومعاش....
متابعي الكرام....
يقول أمير الشعراء العرب، المرحوم بإذن الله تعالى، أحمد شوقي :
وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق
بكم..يتجدد الأمل..ويتحقق