آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-04:44ص

المعمري والسقوط المروع

الإثنين - 06 أبريل 2020 - الساعة 02:11 ص

محمد أنعم
بقلم: محمد أنعم
- ارشيف الكاتب


بدا حريصاً كل الحرص على أن يلحق بنفسه أكبر ضربة وأن يمزق وجهه كيائس لم يعد يربطه رابط بأحد في وطنه، ولقد هالتني العملية الانتحارية السياسية والأخلاقية التي أقدم عليها علي المعمري عضو مجلس النواب محافظ تعز الأسبق، وأفزعني ذلك التعري عن حقد ومخزون من الدعوات البغيضة والمقيتة مناطقياً وطائفياً والأمراض النفسية، فضلاً عن الإيغال في الكذب ودعوات للفتنة.

لم أتصور أن برلمانياً يمثل الأمة جمعاء ومحافظاً سابقاً لأكبر محافظة في الجمهورية اليمنية متخم بكل تلك السموم التي نفثها في منشوره يوم أول من أمس.. وما حاول من خلاله من خداع البسطاء وتأجيج مشاعرهم تباكياً على تعز وعلى سواحلها وترابها (وتربتها) الغالية وزعمه بأن تغييرات ديمغرافية ستصيبها بسبب أسر قليلة جداً نزحت من صنعاء إليها خافت على حياتها من بطش الحوثي فاستجارت بمكان آمن.

إن مجرد النقاش حول إمكان حدوث تغييرات ديمغرافية من عدمه جريمة أخلاقية بحق وطن واحد نعمل جميعاً على استمرار وحدته كجسد واحد تمثل تعز قلبه النابض الضاخ بالدم إلى كل الجسد بحق المنطق والعقل والنشيد الوطني والعلم الجمهوري ولا نحتاج لتذكير المعمري أن مئات الآلاف من أبناء الحجرية وتعز قد تملكوا أو استأجروا في صنعاء وعدن والحديدة واب ومحافظات أخرى، ولم تتغير تركيبتها السكانية ولم يلحقها شر الديمغرافيا المعمرية البليدة، ولم يقل قائلهم: هذه بلادنا فمن أين أتيتم.. ولماذا تتملكون في أرضنا؟

فأي حقد تملك الرجل وأي مرض عنصري أصابه فأعطب ذاكرته وأخلاقه حتى نسي أن عبدالفتاح اسماعيل وأبناء تعز حكموا الجنوب، وأن أول رئيس مجلس سيادة بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 هو الشيخ محمد علي عثمان من تعز، وأن محمد علي عثمان والأستاذ النعمان وعبدالعزيز عبدالغني عاشوا في قمة السلطة في الشمال وهم من أبناء تعز، وكذلك الشيخ سلطان البركاني على رأس السلطة التشريعية، أما الوزارات والهيئات والمؤسسات فحدث عنها ولا حرج لأن أبناء تعز ليسوا قرويين ولا مناطقيين ولكنهم لليمن كلها.. وصدق الفضول، رحمه الله، (عشت إيماني وحبي أمميا)..

عطب الذاكرة والنفس -كما يبدو- سمحا له بتجاوز المعقول في كل ما سطره، إذ مضى في غي عديم المعنى يطالب تشغيل ميناء المخا ومتنفساتها لصالح السياحة والاستثمار وهو يعلم أن الجيش الوهمي الذي غزله غزل راعية أثناء توليه على رأس المحافظة لم يستطيعوا تحرير مصنع السمن والصابون المجاور للمطار القديم، وأن طريق الحديدة- تعز ما زال تحت سيطرة الحوثيين من المطار القديم حتى البرح ولم يحررها علي المعمري ولا جيشه، وأن تعز شرقاً من جولة القصر إلى نهاية الشرق ما زالت تخضع لسيطرة الحوثي وقد عجز المعمري وجيشه عن تحرير معسكر الأمن المركزي ومعسكر حرس الشرف وتبة سوفتيل وتبة السلال في قلب المدينة. فمن أين يا ترى سيذهب علي المعمري إلى المخا ويفتح الميناء ويتنفس في شواطئها الجميلة؟

وهنا أتساءل:
أولاً: ألم يكن حراس الجمهورية وقوات العمالقة هم من حرروا الساحل كاملاً إلى الحديدة، وشرقاً إلى البرح بما في ذلك مديريات المخا وموزع وذو باب والوازعية ومعسكر خالد. هل صنع المعمري جسراً جويا من تعز إلى المخا اثناء عمله كمحافظ ويريد الناس أن يمروا عبره إلى الساحل كي يتنفسوا وينقلوا السلع من الميناء إلى المدن؟!

ثانياً: من كان سبباً في بلاء تعز؟ ألم يكن المحافظ المعمري الذي غلب انتماءه للإخوان المسلمين على مسؤوليته الوطنية كمحافظ وسلم مقر الإصلاح أربعين ألف استمارة تجنيد خصصت للجيش والأمن في تعز، ووقع على أبشع قرار عرفه التاريخ بتعيين مديري المديريات بناء على محضر حزبي وقعت عليه ثلاثة أحزاب تقاسمت مديري تلك المديريات وليس وفقاً لمعايير الوظيفة العامة والكفاءة والقدرة والتخصص؟!

ورغم ذلك نقول للمعمري إذا استطعتم أن تحرروا المطار القديم إلى البرح، فليشهد العالم أننا جميعاً سنطلب من طارق عفاش وقوات العمالقة أن يغادروا المخا فوراً ويسلموها لكم أبطالا فاتحين.

ثالثاً: ألم يكن المعمري المحافظ هو من عين كل مديري مكاتب الوزارات والهيئات والمؤسسات والأجهزة الأمنية من الإصلاح بناء على مقترح (المقر) ورمى ببعض الفتات كما اقترحوا عليه من مكاتب بعدد أصابع اليد لبقية القوى، أما الأمن والأمن السياسي والقومي والبحث الجنائي والنيابة وقيادة المحور وقيادات الوحدات العسكرية وأقسام الشرطة فإخوانية بدون منازع؟!

رابعاً: ألم يكن المحافظ المعمري من أغرق تعز بذلك وقبض من الاستخبارات السعودية أكثر من سبعين مليون ريال سعودي وعشرات المليارات اليمنية من الرئيس هادي باسم تحرير تعز ولم يحرروا شيئاً هو وولاة أمره الإخوان غير ما حرره السلفيون (جماعة أبي العباس) واللواء 35 أو انسحب منه الحرس الجمهوري ومجاميع الحوثيين.. فأين ذهبت تلك المبالغ المهولة؟

بالطبع تقاسمها مع حزب الإصلاح وزعم أنه اشترى بعشرة ملايين ريال سعودي ذخيرة دفعة واحدة من "مفرق ماوية" فيما يعلم الجميع أن مفرق ماوية ضمن سيطرة الحوثيين وأنه لا يمكن أن تتوافر ذخيرة بالمفرق بعشرة ملايين ريال سعودي.. ثم من أين وكيف أدخلها من مفرق ماوية إلى المدينة في الوقت الذي تقع المنطقة حتى جولة القصر بيد الحوثيين والخطوط مقطوعة.. كيف؟!

خامساً: ذهب المعمري تلميحاً تارة وتصريحاً أخرى لتشويه صورة الشهيد عدنان الحمادي واللواء 35 قائلاً: بأنهم يتبعون قوات أجنبية، وهو يعلم أن عدنان الحمادي الشريف الكريم ورجل الطلقة الأولى وصاحب المبادئ استشهد مناضلاً شريفاً في وقت كان المعمري والإصلاح يتاجرون ببطولاته ويقبضون مبالغ من الجيران باسم اللواء 35 ولا يسلمونه، ورغم ذلك ظل صامداً يقاتل الحوثيين حتى لقي ربه.

أما مشايخ الحجرية الذين وصفهم بضعفاء النفوس ومرتزقة واستكثر عليهم أن يشكلوا مجلساً لأبناء الحجرية يوحدون فيه الصف ويجمعون الكلمة ويمنعون الاقتتال لم يدنسوا بمال أجنبي كما هو حاله ورعاته، ولم يأخذوا درهما ولا دينارا من الاستخبارات السعودية، ولم يذهبوا إلى قطر مرات ومرات كان آخرها قبل أشهر قليلة جداً كما فعل المعمري ليقبض منها ويخون ليس بلده اليمن فقط ولكن ايضا مصر التي فتحت أرضها لليمنيين وهو منهم يقوم على ترابها الطاهر فبانتمائه للإخوان المسلمين وارتباطه بقطر وبتحركاته المشبوهة بين تركيا والدوحة ضرر بالأمن القومي المصري أيضا.

أما السؤال الأغرب فيدور حول جيش حمود سعيد المخلافي الذي أنشئ في منطقة يفرس بتعز على مشارف الحجرية وقوامه خمسة آلاف جندي ممول من قطر، وهذا الجيش الذي لا صلة للشرعية والتحالف به بل هو موجه أصلا ضد الشرعية والتحالف وتعز والحجرية.. لم يقل المعمري بشأنه شيئاً ولم يكتب ان ذلك خطر يترتب عليه تمزيق المحافظة وإضعاف مقاومتها ويخدم المشروع الحوثي الايراني، فيما صب حقده على طارق عفاش الذي يمول من التحالف وعلى صلة كاملة بالسعودية والإمارات، وعمل معهم كتفاً بكتف في تحرير الساحل كله، ودخل إلى قلب الحديدة، واقترب من مينائها ولو لم يوقفه اتفاق ستوكهولم لكان اليوم على مشارف العاصمة صنعاء ان لم يكن قد دخلها، لأنه مقاتل صاحب مشروع وعقيدة وانتماء للجمهورية والديمقراطية والوحدة وصاحب شرف عسكري ومهني وليس مجرد مدرسين وأتباع حملوا رتبا عسكرية، وقواته موجودة عدة وعتادا على الواقع، ولم يكن صاحب وجهين أو متلونا أو متاجرا بالمبادئ ولم يكن من أتباع قطر ولا الدائرين في فلك تركيا ولا ممن يسرقون المال.

وليس بغريب يوم أمس أن تروج قناة الجزيرة لمنشور المعمري بعد أن نشره بساعات قليلة وتعيده مرات ومرات، لأن الاستخبارات القطرية هي المخرج والموجه، وأدوات الإخوان شكلت الحراك المروج.

وياليت شعري هل سأل المعمري نفسه قبل أن يكتب كم مكث في مدينة تعز منذ تعيينه وحتى عزله وكيف خرج مهاناً من مدينة تعز بعد أن هاجمه بعض العسكريين إلى مقر المحافظة وأصابوا مجموعة من مرافقيه بحجة انه سرق المرتبات وأموال التحرير؟!

أما موضوع الحوثيين، فيعلم المعمري أنهم لا يريدون الدخول للمدينة حتى لا يتحملوا أعباء المرتبات والنفقات والخدمات واكتفوا ببقائهم على مداخلها يجنون إيرادات المصانع في شرقها وغربها والضرائب والجمارك دون أن يتحملوا أي أعباء ولو أرادوا مدينة تعز كاملةً لما كلفهم ذلك أسبوعا واحداً..

ليت شعري متى يتذكر ذوو الفضائح المدوية فضائحهم فيكبحون قذارة نفوسهم ويخجلون من تعرية فضائح عقولهم وعنصريتهم وأوساخ نفوسهم.

أما إشارته بالاسم للشيخ سلطان البركاني رئيس مجلس النواب وحمود خالد الصوفي.. فقد سألت البركاني عن ذلك واستحلفته بالله.. هل صحيح ما أشار إليه المعمري؟ فقال عندما حدثني قلت له (إنك واهم وهماً كبيراً ولا صحة لما تقوله فسمى لي أحد المشايخ، فاتصلت به تلفونياً فاقسم لي أن لا صحة لكلام المعمري)، هكذا رد عليّ البركاني.. وسألته عن موضوع حمود خالد الصوفي فقال: إن الصوفي كذب المعمري تماماً بل ونسب له كل مصائب تعز..

وهنا كثير من المتابعين استدلوا بالتوقيت أن المعمري والإصلاح خلقوا هذه الزوبعة ليوهموا الرئيس هادي ان طارق عفاش يشكل خطراً على الحجرية وتعز بغرض خداعه بتعيين قائد للواء 35 من عناصر الإصلاح، وبذلك يستولون على كل محافظة تعز، وتصل قوات الإصلاح إلى محافظة لحج وحدود المحافظات الجنوبية في إطار المخطط القطري التركي.. ولا يدركون ما لذلك من خطورة في الجانب الوطني، وأن اللواء 35 يشكل توازنا بيد رئيس الجمهورية القائد الأعلى ولأبناء محافظة تعز والتوازن الوطني والنسيج الاجتماعي وأن التفريط به يقدم خدمة للحوثي ويزيل من أمامه جيشا محترفا ومقاوما، وينتمي للوطن وعقيدته الوطنية وليس رعاعا حزبيا ومليشيات أثبتت فشلها في كل الجبهات وفي كل مراحل التاريخ (جيش براني) عرف بجيش ميكافيلي كما وصفه في كتابه (الأمير) يشغلك بالسلم ويخذلك في الحرب.