آخر تحديث :السبت-27 أبريل 2024-12:51ص

ردع الحوثيين ودبلوماسية الرياض

الخميس - 25 يونيو 2020 - الساعة 06:22 م

عبدالرحمن الطريري
بقلم: عبدالرحمن الطريري
- ارشيف الكاتب


قام الحوثيون الثلاثاء الماضي باستهداف السعودية بثماني طائرات مسيرة نحو منطقتي نجران وجيزان جنوب المملكة، كما أطلقوا 3 صواريخ بالستية من محافظة صعدة شمالي اليمن بنفس الاتجاه، استهدفت أهدافا مدنية.

الميليشيات الانقلابية أطلقت أيضا صاروخا بالستيا نحو العاصمة الرياض، وتصدت الدفاعات الجوية السعودية لجميع تلك الصواريخ. الحوثيون سموا هذه العملية عملية الردع الرابعة، والحقيقة أن فضول الصحافي يأخذني للتساؤل عن عمليات الردع السابقة ومن ردعت؟

فالتحالف العربي، والمملكة في قيادته، كانت تتصدى لكل الهجمات الصاروخية التي تنطلق من صعدة، سواء التي بدأت عبر نقل قطع الصواريخ مفرقة من قبل حزب الله عبر ميناء الحديدة وغيره، أو بعد أن استقر عدد من عناصر الحرس الثوري وباشروا عملية إطلاق الصواريخ الموجهة على المملكة، ضمن خطة إيرانية شاملة للتصدي لعملية الضغط القصوى من قبل واشنطن.

وتزامنت ضغوط الولايات المتحدة، منذ تصفية قاسم سليماني يناير الماضي، مع تصعيد عسكري على المسرح العراقي واليمني، بالإضافة إلى الخليج العربي، وهذا ما دفع الحوثيين لرفض مبادرة التحالف العربي بوقف إطلاق النار في أبريل الماضي، تزامنا مع دخول شهر رمضان المبارك، والخشية من تفشي فايروس كورونا، خاصة مع وجود تقارير تشير إلى تدمير الحوثيين لما يقارب 65 في المئة من حجم البنية التحتية للقطاع الصحي.

ولكن ما الذي دفع الحوثيين للقيام بهذا الهجوم على المملكة الآن، وعن ماذا يريدون من ردع التحالف؟

على مستوى التوقيت، يأتي هذا الهجوم بعد هجمات من التحالف صدت محاولات التقدم الحوثية على أكثر من محور، وأودت بحياة الكثير من عناصر الحوثي، حيث قُتل ما لا يقل عن 23 عنصرا، في جبهة صلب بمديرية نهم شرقي محافظة صنعاء، بعد أقل من 24 ساعة من سقوط قتلى وجرحى آخرين في منطقة نجد العتق بالمديرية ذاتها.

سبق ذلك أيضا قيام طيران تحالف دعم الشرعية بعدّة غارات على مواقع وتجمعات للميليشيات الحوثية في جبهات صلب، ونجد العتق، ومواقع أخرى في مديرية نهم، وأسفرت الغارات عن خسائر بشرية ومادية في صفوف الميليشيات.

وفي محافظة البيضاء التي ظلت عصية على الحوثيين منذ الانقلاب وكبدتهم الكثير من الخسائر، قام الجيش الوطني مدعوما بطيران التحالف مطلع الأسبوع الجاري باستهداف تجمعات وآليات للميليشيات الحوثية في مناطق متفرقة شمال البيضاء.

جميع هذه العمليات على جبهات مختلفة والتي قام بها الجيش الوطني، بدعم من التحالف العربي، ربما تشير إلى أن عملية الحوثي يجب أن تُسمى “عملية الوجع الرابع” لا الردع، فما ظنه الحوثي خلال عام من توقف عمليات تقدم قوات الشرعية والقوات المتحالفة معها، أوحى لها بشعور غير دقيق حول يأس الطرف الآخر، وغياب الدافع لتحرير كامل التراب اليمني، مما يعني بالذهنية الإيرانية فرصة احتلال اليمن كاملا.

ولعل أكثر ما اتكأ عليه الحوثي خلال الأشهر الماضية، هو الخلاف بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي، وهو ما اعتبر فرصة ذهبية حيث سيقاتل الأعداء بعضهم، والمنتصر منهم سيكون أوهن من أن يجابه الميليشيا المدعومة من إيران، ولعل مشاورات جده ثم اتفاق الرياض كانت أكبر الأخبار الحزينة للحوثيين، وكان رهانهم الأكبر ألا يبرح هذا الاتفاق مكانه ولا يدخل حيز التنفيذ.

ولكن السعودية، وهي قوة سياسية كبيرة، لديها نجاحات دبلوماسية لا تعد، من اتفاق الطائف إلى إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية، مرورا برفع عقوبات لوكربي عن ليبيا، وصولا للخطوات الحثيثة لرفع العقوبات عن السودان، ظلت تحاول رأب الصدع بين الأطراف اليمنية لمواجهة عدو واحد، هو الحوثي.

آخر هذه النجاحات الدبلوماسية السعودية في اليمن، نجاح الرياض الاثنين الماضي في إقناع الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي للاستجابة لطلب وقف إطلاق النار الشامل وعقد اجتماع بالمملكة للتنفيذ العاجل لاتفاق الرياض، حيث ستقوم المملكة بنشر مراقبين على الأرض في (أبين) لمراقبة وقف إطلاق النار الشامل وفصل القوات.

الحوثيون كانوا يسيرون بهدوء للسيطرة على شرق اليمن ووسطه، مستعينين بذلك على الانشقاق القائم بين الحكومة الشرعية والجيش الوطني من جهة والمجلس الانتقالي، آملين أن ينتهوا إلى ابتلاع كامل اليمن، كما فعل حزب الله في لبنان واستغرقه ذلك عقدا ونصف العقد، منذ اغتيال الحريري حتى اغتيال لبنان الذي نعرفه.

بإطلاق الصواريخ، لم يكن الحوثيون يختبرون المملكة في الدفاع عن أراضيها، بل كانت العملية في حقيقة الأمر انتقاما للخسائر المتصاعدة على المستوى البشري وعلى مستوى الآليات العسكرية.

الحوثيون اختبروا القدرات العسكرية السعودية عدة مرات، ويعرفون قدرتها على تحرير مناطق، وقطع خطوط الإمداد وإيقاف تمدد الميليشيات، لكنهم راهنوا على عدم قدرة الرياض على جمع الفرقاء اليمنيين الذين تحالفوا لصد الميليشيات، لكن الرياض ستنجح.. كما كانت دبلوماسية الرياض تنجح دائما.