آخر تحديث :الثلاثاء-16 أبريل 2024-11:18م

الفايروس درس في التواضع

السبت - 25 يوليه 2020 - الساعة 03:00 ص

هيثم الزبيدي
بقلم: هيثم الزبيدي
- ارشيف الكاتب


 

 

هذا الوقت الذي نحتاج فيه أن نكون متوسطي الحال. لا أثرياء ولا فقراء. هذا على المستوى الشخصي وربما أكثر على مستوى الدول. الوباء عمل هذا الفرز بشكل لافت، صحيا واقتصاديا.

الوباء يمكن أن يفتك بالفقراء، الأفراد والدول. هؤلاء لا يمتلكون أيّ أسلحة في مواجهته سوى الصبر والأمل. في أفضل الأحوال ينتظرون ما تجود عليهم به دول أو منظمات أو أفراد. الجود بالمال للوقاية والتصبّر، والجود بالعلم في انتظار العلاج أو اللقاح. نوعية القلق السائد بسيطة. قلق البقاء، وليس قلق الإنفاق أو السفر أو ضياع أيّ شكل من أشكال الرفاهية. لا يوجد فقير الآن يتحسر على إجازته السياحية التي ضيعها عليه فايروس كورونا. إجازاته السياحية مصابة بفايروس مزمن اسمه الفقر.

لكن الوباء يقلق الأثرياء. هؤلاء اعتادوا على أنماط مسرفة من الحياة. إذا كانت الدول الفقيرة تعيش بعقلية الاعتماد على المستوصف المحلي والعلاج الرخيص، فإن الدول الثرية لا تستطيع أن تتأقلم مع نظام صحي متقشف في وقت جائحة خطرة. من أصغر تفصيل في التعقيم إلى الأجهزة إلى الملابس. كل شيء مكلف ويحتاج إلى ميزانيات. أيّ إجراء تتخذه الحكومة أو الشركات مكلف. توقف العمل مكلف. استئنافه مكلف. الدعم للعاطلين أو المتوقفين مؤقتا عن أعمالهم مكلف. عندما تقرأ عن الأرقام التي تنفقها الدول الغربية الآن أو حتى دول ثرية في الخليج لمواجهة الجائحة، تصاب بالرعب. إيقاع الإنفاق عالٍ كيفما تقشفت أو دورت الزوايا. هذا هو النمط ولا يمكن الخروج منه بسهولة. ومع هذا النمط تسود الحسرات وترتفع نسبة الكآبة.

متوسطو الحال هم الأكثر قدرة على التأقلم. في دولة ثرية تنفق 20 مليار دولار اجتماعيا أو صحيا، تحس وكأنك ألقيت هذا المبلغ في ثقب أسود ابتلعه من دون أن يترك أثرا. في دولة متوسطة الحال، يبدو المليار دولار مبلغا كبيرا يمكن أن يعيد التوازن لميزانية مهتزة. الناس لا تتوقع الكثير وترتب أمورها بمنطق التدبير حتى من قبل الوباء وتداعياته الاقتصادية والنفسية. انظر الفارق بين دولة أوروبية وأخرى من شمال أفريقيا لتقدر التباين. الأساسيات موجودة ومتوفرة، لكنها ليست مصممة لتكون قائمة على البذخ والإسراف. المستشفى لا يغص بالعاملين ويلمع كأنه فندق خمسة نجوم، لكنه يقوم بمهمة حماية حياة الناس وتوفير الخدمات الصحية.الأمثلة كثيرة وملموسة وهذا ما يجعل هذه الدول -ومثلها الأفراد- قادرة على العبور إلى ضفة الأمان بأقل الخسائر.

بساطة العيش نعمة نحس بأهميتها هذه الأيام أكثر من أي وقت مضى. الفايروس درس في التواضع.