آخر تحديث :الجمعة-09 مايو 2025-10:27ص

تعز.. بين الانقلاب والانفلات

الخميس - 20 أغسطس 2020 - الساعة 07:09 ص

أحمد النويهي
بقلم: أحمد النويهي
- ارشيف الكاتب


قدمت المقاومة الشعبية في تعز قوافل من الشهداء لتنتصر لمشروع الدولة على خط الجمهورية وشرعيتها، حينما تقاطرت جموع الناس بمختلف مشاربهم للالتحاق بقطار المقاومة الشعبية التي سطرت بالدم موقف كتب وثيقة حياة.

 ضربت المليشيا على المدينة حصاراً بشعاً من كل الجهات.. عانى سكان المدينة الأمرين تحت وابل النار والقذائف، تمطر الأحياء والشوارع والأرصفة، لم تستثنِ قذائف الموت حتى المستشفيات، اعتبرت أهدافاً عسكرية.

قاتل الناس لتعود تعز، وتعود معها الدولة ومشروعها الوطني وشرعيتها الدستورية، لا لتعود مليشيا تنتج الانفلات نكاية وضداً على الانقلاب.

 الانقلاب أنتج حالة رفض شعبية عارمة انتفضت لها الجمهورية لتخوض معركة التحرير من شرق البلاد إلى غربها إلى جنوبها الفذ، والذي توجته عدن العاصمة السياسية للدولة بذلك الانتصار الكبير على المليشيا الانقلابية.

حتى كانت المليشيا تتخندق حول تعز لتعاود استهداف الجنوب.

حتى كان اللواء 35 مدرع، ومعه أبناء جبل حبشي والحُجرية يكسرون الحصار من اتجاه جنوب المدينة وغربها، لتتصل تعز مرة أخرى بخط الحياة، وتعاود مقاومة المليشيا الكهنوتية.

خمس سنوات والمحافظة تدفع كلفة باهظة بسبب إغلاق الطرق الواصلة بالمحافظات الأخرى، وما تسببه من إرهاق للمواطنين، تفرض المليشيا من خارج المدينة حصاراً تجاوز قدرة الناس على الاحتمال.. بينما تتكدس قوات الجيش الوطني في نطاق محدود وضيق أضاف عبئاً على سكان المدينة المذبوحة مرتين بين الانقلاب والانفلات.

محور تعز..

أين تقع مهماته العسكرية؟

 المحتشد بـ “البيرين” بعد سحقه مديرية جبل حبشي، التي أعلنها متمردة وخارجه على القانون.  يطلق مظاهرة شعبية، ينفق عليها ملايين، تطالب ببسط الأمن في كافة المديريات المحررة.

تحرير الحُجرية أولاً.. بينما المدينة المحاصرة لم تعد هدفاً في خارطة إحداثياته، ليقوم بمهمته التي وجد من أجلها.

اكتفى بشارع جمال، ليقيم مارثونات صراع بين أجنحة المقر الدينية والعسكرية التي تتقاتل فيما بينها بواسطة مليشيا الأذرع العسكرية.

معاودة قناصة المليشيا الانقلابية استهداف المدنيين في أحياء وشوارع المدينة، كما لو يرقب المشهد عن كثب بكل أريحية.

البكاء والعويل والنحيب لن يجدي كما لو يتوسلوا مليشيا انتهجت الحرب وسيلة لإخضاع البلاد تحت رحمتها.

 الرحمة بالأطفال الذين لم يرحمهم محور تعز لن تأتي من مليشيا الانقلاب حين تقابلها مليشيا أنتجت كل هذا الانفلات.

 ليطلق النشطاء هذه الحملة الإعلامية  من أجل إيصال رسالة للمبعوث الأممي ليسارع بوضع خطة تضمن وصول الماء الذي عبثت السلطة المحلية بمعداته، والآبار التي ذهب فرقاء ومراكز القوى والنفوذ على اقتسامها واغتصاب عائدتها، لم تسلم حتى الآبار الخاصة من عبث المتقاتلين على الإتاوات، وحدث أن قُتل أحد ملاك آبار المياه دونما سبب سوى ذلك الانفلات الأمني المريع والموحش.

 البكاء كان يجدي نفعاً لو تقاطرت الدموع لتملأ ذلك الوعاء المصلوب على الرصيف يعاني الفاقة والحاجة والعوز.

ذهبت الحملة الأمنية لتقصف قرى وعزل المناطق المحررة بحجة ضبط الأمن بالمدفعية تحت مبررات واهية، عارية عن الصحة، لا لشيء سوى عقلية الاستبداد والتسلط، تلك النزعة الاقصائية للآخر أينما كان وأياً كان شكله أو نوعه، لتعلن سادية العقلية الدينية في السيطرة والاستحواذ على المساحة التي حررتها دماء لجنود مجهولين لم ترافقهم كاميرات وعدسات المركز الإعلامي المدعم بعشرات المواقع الإعلانية، التي تواصل حشد الرأي العام الداخلي والمحلي، للفت النظر لما يحدث جنوب المدينة من استقرار واستمرار للحياة على أنه التمرد والانفلات، حتى كان مدير الأمن يتفرد بإهانة القانون حين ذهب ليهيل التراب عليه في حملة مسنودة بمليشيا الحشد الشعبي، الكيان الموازي للجيش، بهدف عزل مدير أمن مدينة التُربة قبل عامين، ثم تواصلت جهود الحملة الأمنية في اجتثاث الأمن عبر غزو جبل حبشي، بهدف إخماد تمرد قاده مدير أمن المديرية. بحسب توصيف المحور الذي أشار لصراع يحدث في شوارع المدينة بأنه صراع بين أطراف.

 اجتاحت غرب المحافظة في الطريق إلى إسقاط الحجُرية واللواء 35 مدرع بعد اغتيال قائده..

 الذهاب لنقل المعركة لتحرير المحرر ضرب من الجنون، ويدون حالة ارتباك وانكسار يعانيها محور تعز!.

في ذلك الريف المتخم بالنازحين والكثافة السكانية الأكثر في المحافظة، التي لم يعد لها من منفذ آمن لنبقى على صلة بالحياة إلا ذلك الطريق الرابط بالعاصمة عدن لتصل المواد الغذائية والإيوائية والمشتقات النفطية والعلاج، والأكسجين لمدينة كبلها الحصار الخانق الذي تفرضه المليشيا الانقلابية من ثلاث جهات، بدعم ومساندة محور تعز المتخم بعدد من الألوية المدعمة بمختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة.

 إطلاق العبرات، وإطالة النحيب على رصاصة قناص يتمتع بكامل أريحيته في منتجع وسط المدينة، لهو استخفاف بمشاعر الناس، وضرب من العبث، إذا لم يكن ذلك الاستهتار بالمسؤولية الملقاة على قيادة محور تعز وعتادها وعدتها. البكاء لن يجدي إذا لم يحدث غضب الناس نوعاً من الضغط الشعبي على قيادة محور تعز للذهاب لتحرير المحافظة من براثن المليشيا بجميع أنواعها.

حدث قبل هذا بأيام أن أعدم طفل بالرصاص الحي بعد إحراق منزلهم في اقتتال عبثي بين عصابات تتمنطق الأطقم العسكرية بلباسها الشعبي، رابعة النهار يقيمون حفلات موت وسط الشوارع المثخنة بالمقاومة والقمامة في آن واحد.

هل ذهبت النيابة العامة لتقديم، على الأقل، واحداً من المطلوبين أمنياً لمحاكمة علنية تعيد للإنسانية اعتبارها؟

لم تفعل! ولن تفعل.

ثمة صراع بين أجنحة الكيان الموازي يلقي بظلال وخيمة على يوميات مدينة أرهقتها المليشيا مرتين.

الانقلاب الذي يكبل المدينة من خارجها بعد مضي خمس سنوات على انطلاق مقاومة شعبية مسنودة بجيش نظامي جرى تشكيله للقيام بمهمة تحرير المحافظة برمتها، لتشكل حالة متقدمة لتحرير بقية المحافظات الواقعة تحت براثن العبث المليشاوي.

 بين مليشيا الانقلاب ومليشيا الانفلات تخضع تعز لدورة عقاب ستطول حتى ينتفض من بين جنباتها حراك شعبي يرفض كل هذا العبث.