آخر تحديث :السبت-18 مايو 2024-11:23ص

الكلمة في مواجهة الرصاص والزنزانة

الجمعة - 10 يونيو 2022 - الساعة 02:45 ص

عدنان الراجحي
بقلم: عدنان الراجحي
- ارشيف الكاتب


في يوم الصحافة اليمنية الذي يصادف التاسع من يونيو من كل عام يعيش الصحفيون واحدة من المراحل التي وُصفت في غاية الصعوبة وسط كومة من المخاطر التي أصبحت تشكل تهديدا على كافة الصحفيين في مختلف مناطق اليمن، وتحد من ممارسة عملهم بالوضع الطبيعي المعتاد.

التحديات كثيرة وهذا نتاج الحرب والعنف المتزايد وأدوات القتل التي انتشرت ضد الصحفيين في شتى مناطق البلاد، يرافقها غياب تام للقوانين والآليات الوطنية من شأنها حماية العاملين في هذا الحقل المحفوف بالمخاطر والصعوبات والتهديدات التي وصلت حد الاعتقال والتهديد والقتل، وهو ما أكدته التقارير المتخصصة في رصد الانتهاكات الصحفية في اليمن.

ولذا فالصحافة اليمنية ليست في أفضل حالاتها بل تدهورت وتراجعت ،وصارت هدفا من أهداف كافة الأطراف المتورطة في الحرب التي تعيشها البلاد منذ سبعة أعوام، وأصبح الصحفيون فيها الحلقة الأضعف جراء ما يتعرضون له من تنكيل غير مسبوق وممارسات تصادر حقهم في ممارسة مهنتهم، وفضح قوى النفوذ وفسادها وجرائمها التي تطال المدنيين العزل.

ما يحز في النفس هو أن جميع الأطراف يؤمنون بأهمية الإعلام لكنهم بنفس الوقت يبغضونه ويشنون عليه حملات قمع وتحريض واخفاء واعتقال ،ووصل الأمر إلى محاكمات وإصدار أحكاما بالإعدام كما حدث مع زملائنا الصحفيين الأربعة( عبدالخالق عمران، توفيق المنصوري، حارث حميد، وأكرم الوليدي) فهم يواجهون الموت على يد مليشيات الحوثي التي أسقطت الدولة وصادرت القضاء ونهبت كل مقدرات البلد وسخرتها لضرب خصومها.


ما حدث ويحدث للصحفيين والصحافة اليمنية خلال سنوات الحرب شيئا مقلقا ومفزعا ، فالارقام والحالات التي توثقها المنظمات المحلية والدولية تعطي مؤشرا مخيفا عن حالة العمل الصحفي في اليمن وسط  تلك الظروف الخطيرة، وما ترصده نقابة الصحفيين اليمنيين والاتحاد الدولي للصحفيين عن الانتهاكات التي لا تتوقف إلا دليلا كافيا لايصال الصورة الحقيقية والمؤسفة  للعالم عن حال ووضع الصحفيين والصحافة في اليمن.


تراكم هذه الانتهاكات خلقت واقعا يصعب وصفه وظروفا قاهرة لا يمكن للوسط الصحفي تحملها مع استمرار الاعتداءات والاعتقالات وحملات التحريض والتخوين واستهداف سمعتهم لمجرد عملهم في البحث عن الحقيقة ومصدر الخبر، والتعبير عن مواقفهم ووجهات نظرة تجاه جملة من القضايا التي اغرقت البلد وعلى رأس ذلك الحرب.

في الجهة الأخرى يعيش العشرات من الصحفيين الذين أجبرتهم الظروف على مغادرة البلد أوضاعا صعبة خاصة الذين فقدوا مصدر دخلهم وتوقفت مرتباتهم كحال الذين في الداخل اليمني، كلها تراكمت وعكست صورة مشوهة عن واقع الإعلام وكل من ينتمي اليه او حتى من ينوي الانتماء مستقبلا.

تصدر مليشيات الحوثي لقائمة الجهات الأكثر انتهاكا للحريات الصحفية لم يترك مجالا الشك أن هذه المليشيات أصبحت العدو الأول للصحفيين في اليمن بعد جرائمها التي ارتكبتها بحق الصحافة والتي وصلت إلى القتل المباشر المتعمد والمنظم في محاولة لاسكات الصحفيين وترهيبهم.

هذا الاستهداف الممنهج للصحفيين في اليمن يتزايد في ظل غياب قوانين رادعة ضد المتورطين بارتكاب الانتهاكات والاعتداءات المتكررة، بل هذا الوضع المتراخي يشجعهم في الاستمرار على منارسة المزيد من أساليب الترهيب والتخويف ضد الصحفيين داخل اليمن أثناء تغطيتهم للاحداث والأوضاع التي تمر بها البلاد.

فشلت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا في حماية الصحفيين من آلة القمع والتنكيل ،بل أصبحت طرفا ثانيا بعد مليشيات الحوثي المدعومة من إيران في استهداف الصحفيين وتعريض حياتهم للخطر، كل ذلك يجعل من الصحفي هدفا على يد مليشيات أو حتى على يد من يديرون البلد بذريعة تنفيذ القانون.


غياب دور المنظمات الدولية المعنية بحماية الصحفيين كالمفوضية السامية لحقوق الإنسان وهيئة الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات التي تدعي حناية الصحفيين زاد من قائمة الجهات المنتهكة لحق الصحفيين في اليمن، وغالبيتها لا تبذل جهدا كبيرا في التحرك لايجاد آلية دولية صارمة لوقف كل الانتهاكات التي طال الصحفيين في اليمن، لكنها تكتفي بإصدار بيان ادانة لا يجدي نفعا ولا يوقف طرف من مواصلة انتهاكات ضد الصحفيين.

تزايد الانتهاكات بحق الصحفيين يضع الصحافة اليمنية في اختبار حقيقي وصعب وسط تلك البيئة الخطرة التي اثبتتها التصنيفات العالمية لوضع الصحافة اليمنية على مستوى العالم والتي تتذيل اليمن في معظم قوائمها ، ما يؤكد  أن اليمن أصبح من أسوأ الدول التي تعيش فيها الصحافة حالة احتضار جراء سلسلة الانتهاكات وأعمال القمع ومصادرة الرأي .

وفي المجمل تظل الكلمة قوية في مواجهة الرصاص والسجون والمعتقلات والجماعات المسلحة التي تضيق ذرعا بالصحافة ومنتسبيها، وسيظل هذا التحدي وهذه المخاطر قائمة إلى حين ينهض البلد من تحت ركام الحرب وتتثبت دعائم الدولة والقانون الضامنين للحريات الصحفية، وهذا هو مغمار التحدي بين الصحافة اليمنية والأطراف المنتهكة للصحفيين وحرياتهم المكفولة بالدستور.


يجب أن ننتصر لكل الصحفيين بكل تواجهاتهم وانتمائاتهم ونقف ضد هذه الموجه التي ضربت أعمدة الصحافة اليمنية وحولتها إلى مهنة خطرة تجعل الصحفي يضع روحه على كيفيه ينتظر المعتقل او الاخفاء او التهديد وحتى القتل، وهذا جوهر الخطر القائم الذي يلف الصحافة والصحفيين من كل الاتجاهات.