آخر تحديث :الثلاثاء-13 مايو 2025-11:34ص

أمسكوا السارق

الأربعاء - 08 مارس 2023 - الساعة 02:20 ص

فكري قاسم
بقلم: فكري قاسم
- ارشيف الكاتب


مش من مصلحة الحكومات والانظمة العربية الفاسدة أن تقطع أيادي اللصوص. لإنها لو فعلت ذلك فمن سيصفق لها إذن؟ 
عندما وازن "بريشت" بين القانون والعدل واللصوصية، اعتبر ان القانون هو التسمية المؤدبة للسرقة والقهر. وان المجتمع يطارد اللصوص الصغار ليحيمي لصوصه الكبار؛ 
وذلك صحيح الى حد كبير. 
مثلا، سيجري شارع بأكمله لمطارة لص سرق حذاء من المسجد. وسيمسكوه به ويهروه ضربا سينسى معه اسمه ومقاس الحذاء الذي يلبسه كمان. 
لكن الشارع نفسه سيقف متفرجا لبيبا حيال اؤلئك الذين يسرقون روحانية المسجد بأكمله ويحولوه مرة بعد مرة من بيت للعبادة  الى بيت لتعبئة الافكار المشحونة بالحقد وبالكراهية ونسف قيم الحب والخير والجمال والتعايش في ديننا الاسلامي الحنيف. 
ومش كذا بس 
بل أنك ستجد الشارع اللي طارد سارق الحذاء يقف باجلال وتعظيم لسراق الجوامع وسيمنحهم القاب التبجيل وسيضرب لهم تعظيم سلام مربع ويسميهم مشائخ!.. 
قبل فترة لا بأس بها ؛ بالمناسبة
دخل الى حارتنا بمنتصف الليل لص وقلبها رأسا على عقب واستيقظ جميع الأهالي من نومهم هلعين من صراخ صاحب البيت الذي تسلل إليه السارق .
وبدأت من تلك اللحظة المطاردة بعد اللص من زقاق الى زقاق
ومن سقف الى آخر ؛ وكلهم خرجوا يدوروه بالسراج 
لكنه كان لصا خفيفا شبيه الريح؛ لو أن لدينا وزارة شباب ورياضة بنت ناس وتعتني بالمواهب لكان ذلك اللص الخفيف احد لاعبي القوى المعتبرين في العالم ؛ لكن اللصوصية نفسها هي التي دمرت كل موهبة في البلد على أية حال. 
والمهم في الموضوع 
أن كل رجال الحارة خرجوا يومها من بيوتهم يلاحقوا السارق في أزقة الحارة المظلمة وهم متشنجين يصيحوا : 
- أين سار ؟ أين جاء؟
وكلهم يدوروه سيقتلوه هاذيك الساع لو تمكنوا من الامساك به. او في اسوأ الاحوال لو  قرروا أن يرحموه سيلبجوا أبوه لبج عمر امه ماقد سمع عنه .
الذي خرج بالجنبية يدور السارق.
والذي اخذ البندقية وخرج يلاحقه
والذي نتع له صميل وخرج يصيح :
-  أين جاء الملعون أبن الملعون.
والذي راح يصفع خدوده من شدة الندم لانه طلع اهبل وباع بازوكه تفيدها في الأيام الأولى  من الحرب وجلس يندب حظه ويقول :
- اووو ليت والله وخليتها كان شندع ايوه بها . 
والذي سمع صراخ الجيران:
_سارق،، سارق.  امسكوه.
ونط كما البرق يسحب سيفا قديما معلقا للزينة في غرفة الاستقبال، ونتعه وخرج من البيت مهرولا بسروال النوم مثل عنتر شايل سيفه في مهمة البحث عن السارق ولا أجدعها فارس مغوار قرر في لحظة متأخرة من الليل أن يخوض معركة استرجاع الاندلس المفقود..!
حتى جاري الذي ظل يردد دائما أن صوت المرأة عورة، نهر  زوجته وأهانها بشدة يومها لأنها لمحت السارق يهرب من أمامها ولم تصرخ أو تغور .
المهم كلهم خرجوا يدوروا السارق يشتوا يمسكوه عشان يخرجوا غرقتهم من لصوص المجتمع الكبار فوق رأسه ؛ ومابوه معاهم غريم الا هوه ! 
واستمرت ملاحقة السارق والبحث عنه لمدة ساعتين من دون أي جدوى ؛ وعاد الجميع إلى بيوتهم بخفي حنين فيما كان اللص الخفيف قد اختفى تماما مثل فص ملح ذاب . 
ولم يتمكن أحد من الإمساك بالسارق .
وفي اليوم الثاني مباشرة استيقظ جميع أهالي الحارة من نومهم على ارتفاع مهول في أسعار السلع الأساسية التي تدخل الى كل بيت ولكن من دون أن يفكر أحدهم يخرج يدور السارق الخفي الذي امتدت يده إلى لقمة عيشهم !
والان عموما يمكنني أن أطمئنكم واقول : 
الحمد لله لأن اللصوص الصغار اقلعوا تماما عن مغامرة الدخول الى حارتنا من بعد تلك المطاردة الليلية وراء لص خفيف طار مع الريح .
لكن الكارثة الحقيقية والمستمرة في حياتنا بشكل يومي هي ان اللصوص الكبار لايزالون يتسللون إلينا طيلة الوقت عبر شاشات التلفزيون وعبر اسعار السلع والمواد الأساسية التي تدخل الى بيوتنا كل يوم ؛ ومافيش من يخرج يصيح : 
- أمسكوا السارق.