قبل أن أبدأ كتابة هذا المقال، سألت نفسي، لماذا تكتب عن المجموعة القصصية "حنبات"، ولمن ستكتب هذا المقال؟ قلت: أكتب لأني بعدما انتهيت من قراءة الكتاب أردت أن أقول شيئاً عنه، كعادتي دائماً بعد قراءة كتاب جميل أود لو أصرخ من النافذة وأحدث عنه المارة. أما لمن؟ فهنا يجب أن أوضح. ما أكتبه لا يخدم أصحاب الأذهان الكسولة التي تكتفي بالقراءة عن الكتب اختصاراً للوقت، لأني أعدُّ أفضل عمل يمكن أن يقوم به الكسول في القراءة هو أن يتوقف عن القراءة نهائياً. أما الذين يقرؤون عن الكتب كمقدمة لقراءتها فهؤلاء أول من يخطرون على بالي عند وأثناء كتابة هذا المقال.
بقت نقطة مهمة أود توضيحها، لا أخفي رهبتي من كتابة المقال، لأني أخشى أن يكون مجرد عملية مسخ غير مقصودة للقصص، وهذا ما يجعلني دائماً أتحاشى الكتابة عن الأعمال التي يفوق إبداعها قدرات من يكتبون للصحافة وأكتفي بقول كلمة واحدة: اقرأوا الكتاب.
بأسلوب شيق وقلم رشيق يكتب فكري قاسم ست قصص أدبية تحكي مواقف من حياة الكاتب، وهي على النحو الآتي: من سرق حذاء هائل سعيد، إيش بعد آي لاف يو، العصارة، توأمة مع البودي، زاد عدمنا البرميل، وبخت المداكي.
كلها شيء خرافي، توظيف اللهجة العامية التعزية بأسلوب ذكي لأول مرة في الأدب، لم أقرأ من قبل قصصاً ممزوجة باللهجة التعزية، "انكمشت أمامها مثل دودة القز حينئذٍ، وشعرت من مخارج ألفاظها المتنرفزة لكأنها تقولي:
-مله بس خلاص يكفي رفاس.."
الحنبة الأولى بعنوان "من سرق حذاء هائل سعيد"، شيء خرافي، لكن الحنبة التي سكنت روحي، وأثرت على مشاعري وأحاسيسي هي "إيش بعد آي لاف يو" بعد أن انتهيت من قراءة القصة، راودتني نفس مشاعر الكاتب حينما رمى بكتاب كيف تتعلم اللغة الإنجليزية في خمسة أيام بدون معلم، إلى حوش منزل حبيبته الأجنبية روبي التي سافرت قبل أن يتمكن من التعبير عن حبه لها، لأن المنهج المدرسي لم يسعفه بأساسيات الهدار مع روبي من وقت مبكر، وضيع عليه فرصة حب كانت ستطل به على العالم، راودتني وأثرت بي، ولشدة إعجابي أردت أن أفتح شباك نافذتي المطلة على مدينة تعز وأطوح بالكتاب من النافذة فوق أسطح المنازل كلها وأصرخ بقوة: اقرأوا هذه المجموعة القصصية يا أوغاد.
"زد عدمنا البرميل"، هي ثاني قصصه التي أثرت فيّ، حكاية القصة بالمختصر، استكتب المؤلف في مرحلة من حياته ككاتب مقالات لصحيفة عكاظ، خمسة مقالات في الشهر مقابل خمسة آلاف سعودي. عاش الكاتب في رغد من العيش لمدة سنة، ولكنه بمجرد أن كتب ضد النظام في صحف معارضة يمنية تفاجأ بالاستغناء عنه من الصحيفة السعودية، جاء ذلك بسبب رغبة ملحة من وزير الإعلام اليمني ضمن برتوكول موقع بين وزير الإعلام اليمني ووزير الإعلام السعودي بعدم استكتاب أي أقلام معارضة للنظام بين البلدين الشقيقين. هذه الحكاية أسلقها هنا سلقاً، وأشعر بالأسف لكوني أكتب هذا، فالقصة تضحكك كثيراً في البداية لتبكيك في نهايتها.
أما حنبة "العصارة"، فيها قصة شديدة الرمزية ولا يحق لي أن أفك رموزها لو صح زعم قراءتي لها، كل ما يعنيني هنا أن أقول إنها قصة ممتعة ولا يجوز لأحد تجاوزها بأي حال.
وكذلك الحال مع حنبة "توأمة مع البودي"، التي تحكي معاناة شاب يحب الأناقة تضيع ثيابه في أول سفرية إلى صنعاء ليلتحق بالجامعة، فلم يكن له بد من تنسيق ملابسه مع أصدقائه الأنيقين والذين يندر تواجدهم. وتتكرر معه نفس الحنبة في أول سفرية له إلى خارج البلد لحضور مؤتمر طلابي كممثل عن جامعة صنعاء تضيع حقيبة ملابسه المستعارة في المطار، ولا يبقى له سوى الثياب التي يرتديها والتي يكون مصيرها الضياع في مغسلة الفندق الذي يقيم فيه ليبقى عارياً يحدق في المارة في بهو الفندق ويتذكر أن حظوظ بلده في الأنتمة مع دول الجوار كمثل حظه هو في الانتمة مع البودي.
"بخت المداكي"، قصة عذاب طائر ببغاء فقير لا يستطيع الزواج من ببغاء من نفس سلالته فيصاب باكتئاب يودي بحياته، لكن القصة ليست ميلودرامية على هذا النحو، لأنها ساخرة وطريفة، إذا كنت عازباً وفقيراً لا تقرأها، لأنك قد تصاب باكتئاب قاتل، لا سمح الله، وأنا أخشى عليك عزيزي القارئ، هذه الحنبة الكبيرة، لا يقرأها إلا المتزوجون فقط.
ليس من المهم القول إن فكري قاسم ذهب إلى حدود الإبداع وصاغ حكاياه من واقع البيئة التي عاشها، وإنه بذلك أنتج أدباً أصيلاً، ولم يقلد مذاهب الشرقيين والغربيين. ولست بحاجة في النهاية أن أقول بأن الإبداع هو ما فعله فكري قاسم، فهذا مما لا شك فيه.