ما مضى على اليمن شمالاً وجنوباً من عواصف أحدثت تحولات جذرية غيرت وقائع القوى السياسية وأفرزت شكلاً مختلفاً عما سبق المبادرة الخليجية في 2011.
وتبقى هذه المرجعية السياسية الأكثر تماسكاً حتى وإن هي لم تفضِ إلى ما جاءت إليه بشكل كامل، فلا تم انتقال السلطة كما نصت فصول المبادرة ولا هي أفضت إلى مسار سياسي مستدام ومع ذلك تبقى جزءاً يعتد به في استشراف التسوية السياسية اليمنية بكل ما انتهت إليه عملية عاصفة الحزم وحتى الوصول إلى الهدنة في أبريل/نيسان 2022.
إزاحة عبدربه منصور هادي وشريكه علي محسن الأحمر عن رأس السلطة الشرعية بتشكيل مجلس الرئاسة التوافقي شكل في الواقع مساراً موضوعياً، مشاورات الرياض قدمت صيغة توافقية تعاملت في جزء كبير منها على معطيات الإفرازات السياسية والعسكرية، عانى اليمن من إشكالية سياسية في أن جميع المبادرات الأممية والإقليمية لا تعطي نهاية طرفيّة للتسوية السياسية، ما قدمته مشاورات الرياض حمل وضوح (ما) للنهاية الطرفية للأزمات اليمنية التاريخية بما جاء في أن للقضية الجنوبية إطاراً تفاوضياً خاصاً في عملية السلام الشاملة.
القضية الجنوبية لطالما كانت حجر الزاوية في الأزمة اليمنية بحكم أنها شكلت من بعد حرب صيف 1994 نقطة تحول في الذهنية السياسية والقبلية وحتى المذهبية في داخل اليمن، مشاورات الرياض اعتمدت على وقائع الأزمة اليمنية الشاملة ومع أنها لم تقدم صيغة للحل السياسي الشامل والمستدام لكنها قدمت مسارات يمكن للأطراف السير عليها. الضغوط الدولية والإقليمية لوقف الحرب أنتجت قبولاً إيجابياً في عودة مسار التفاهمات السعودية الحوثية، وهو بطبيعته يلقي ظلالاً على الحلّ السياسي الشامل وهو ما يستدعي الحديث عن الإطار الخاص لقضية شعب الجنوب.
يشمل الإطار التفاوضي الآليات الإجرائية وفقاً لجذور المشكلة السياسية الجنوبية، وهذا ما سيدفع بحوار سياسي مباشر أو الاستعانة بوساطة دولية للتفاوض بما يفضي لحل النزاع وتقديم الضمانات اللازمة، ومع غياب رؤية هيئة التشاور والمصالحة المعنيّة بتقديم صيغة الإطار التفاوضي سيبقى على المبعوث الأممي أن يلعب هذا الدور، خاصة أن التباينات في جسد المجلس الرئاسي بما فيه هيئاته الداعمة لم تستطع تقديم توافقات بينيّة منذ أن تشكل المجلس مما يبقي الإطار ضمن ملفات المبعوث الأممي.
لا يحتمل اليمن إخفاقاً سياسياً فأيّ انتكاسة قد تؤدي إلى العودة لمربع الصفر فمن المهم انتهاز الفرصة المواتية للدفع بفرصة وقف الحرب والانتقال من حالة الهدنة. التوافقات في الملفات الإنسانية والاقتصادية لا يمكن لها أن تمس بالمطلق بمسار الحل السياسي الشامل، قد يقدم الجنوبيون جزءاً من حصتهم في مواردهم وثرواتهم في مرحلة اختبار النوايا بضمانات واضحة فالتفاهمات مع جماعة الحوثي ليس عليها أن تقدم لهم تنازلات على حساب ما أفضت إليه (اتفاق الرياض 2019) و(مشاورات الرياض 2022) فهذه مرجعيات أساسية ضامنة سياسياً ليس فقط لقضية الجنوب بل إنها تضمن التوازن السياسي بين الأطراف المتنازعة.
الإطار التفاوضي الخاص بحلّ قضية شعب الجنوب ورقة يمكنها أن تصحح الإخفاقات السياسية المتوالية من المبادرة الخليجية ومروراً بمؤتمر الحوار الوطني ووصولاً إلى الحرب، جميع المراحل الماضية استبعد فيها الجنوبيون وأثبتت الوقائع والأحداث أن لا استقرار يمكن الوصول له بإقصاء القضية الجنوبية، وما يتعيّن على الأطراف الدولية والإقليمية القيام به هو تقديمهم ضمانات واضحة تمنح الجنوبيين التطمينات اللازمة، وتشجيعهم للدخول في مفاوضات الحلّ السياسي الشامل، لن يكون هناك شمال مستقر دون جنوب آمن والمصلحة الدولية والإقليمية في أن يبقى التوتر السياسي منخفضاً إلى أقلّ درجة ممكنة فما دفعه اليمنيون شماليين وجنوبيين كان باهظاً وحان الوقت ليتنفس الشعبان الجاران ويتنافسان في تقديم ما يساعد في التنمية الاقتصادية.