آخر تحديث :الإثنين-30 ديسمبر 2024-07:08م

سكاي نيوز عربية.. حرب بلا ضجيج

الجمعة - 24 نوفمبر 2023 - الساعة 12:48 ص

هاني سالم مسهور
بقلم: هاني سالم مسهور
- ارشيف الكاتب


منذ أكثر من عقد تخوض “سكاي نيوز عربية” تجربة إعلامية مختلفة نوعياً في العالم العربي، على اعتبارها منصة صحفية ملتزمة بالضوابط المهنية مع عقيدة واضحة في تقديم التنوير المعرفي للشعوب الناطقة باللغة العربية، هذه التجربة تبدو أكثر تعقيداً مع مجتمعات تعتقد بنظريات المؤامرة وتعيش انكسارا معنويا عميقا، مما يفرض تحديا مختلفا في تقديم محتوى بخصائص محددة التوجهات يوازن بين التناول الموضوعي للأخبار السياسية مع تقديم جرعات مكثفة للمادة المعرفية، فمضمون التحدي الصحفي يلزم العاملين بانضباطية في تناول المواد الصحفية عبر سلسلة البرامج الحوارية وحتى تلك اللقاءات الإخبارية المواكبة لتطورات الحوادث العاجلة.

الصحافة بطبيعتها مهنة المتاعب ومع الالتزام بتقديم محتوى فكري تتحول المهنة إلى البحث عن المتاعب، وهنا يأتي المضمون العميق فيما تقدمه برامج حوارية مع نخبة المفكرين العالميين والعرب في برنامج “السؤال الصعب” الذي تقدمه فضيلة السويسي، وبرنامج “حديث العرب” للدكتور سليمان الهتلان، وهما برنامجان متخصصان في محتوى حواري بنوعية فكرية تحمل جرأة تتناول قضايا الموروث الثقافي لتفكيك مفاهيم معقدة تاريخياً، هذه النوعية قبل أن تتطلب تحضيراً فهي تتطلب من الصحفي إلماما وإدراكا معرفيا بماهية الموروثات وتقاطعاتها مع العصر الآني، وعليه تكون المهمة على الصحفي مضاعفة لإنتاج حوار يقدم إضافة للعقل العربي.

مع توسع منصات التواصل الاجتماعي خاضت “سكاي نيوز عربية” غمار تجربة إضافية حملت تقديم الصيغة المتقدمة للمحتوى الصحفي الحديث، فتحت الوسائط الذكية نمطا جديدا في الصحافة لم يكن معروفا في الصحافة والإعلام، فظهرت صيغة صناعة محتويات فردية وضعت الإعلام المرئي والإخباري في مواجهة الانتقال إلى هذه الوسائط بالمضمون الصحفي والمهني، وهو ما أطلقته “سكاي نيوز عربية” مبكرا في سلسلة برامج غير تقليدية، قدمت ميشيلا حداد برنامج “ميزان القوى” الذي أعاد تركيب التحليل الجيوبوليتيك بطريقة مبتكرة، إضافة إلى ما قدمته كارولينا نصار في “شيفرة”، ونانسي تابت في “على الخريطة”، وهي حزمة برامج حققت أرقاما في المشاهدات أكدت أن الصيغة المبتكرة في صياغة المضمون السياسي مطلوبة عند المجتمعات العربية ويمكنها أن تحظى بالقبول والتفاعل المباشر.

مع مؤتمر المناخ (كوب26) في غلاسكو تجرأت شنتال صليبا على خوض غمار تقديم محتوى مناخي في برنامج “كوكبنا”، الصحفية المتخصصة في إدارة الحوارات السياسية تطل ببرنامج مناخي وهذا إحدى التجارب المهنية الفريدة في العالم العربي، لم يكتف هذا البرنامج بتقديم التقارير البيئية والمناخية والمقابلات مع صناع السياسات في العالم، بل ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، بتقديم محتوى صحفي استقصائي ساهم بإعداده عبدالله أبودياك وفتح ملفات بيئية لطالما كانت مغلقة في الوطن العربي والعالم، وكذلك قدمت لبنى بوظة محتوى مختلفا في برنامج الاقتصاد الذي خرج عن الإطار التقليدي لهذه النوعية من البرامج في القنوات الإخبارية العربية بتناول اقتصاديات المستقبل ذات الاستدامة، مما يعبر عن نمطية الاستشراف في منهجية الصحافة الاقتصادية في المنطقة العربية والدولية.

هيمنة وثائقيات “سكاي نيوز عربية” على جائزة الصحافة العربية يؤشر على أن محتوى هذه النوعية من الإنتاج رفعت سقفا عاليا، الوثائقيات الاستقصائية، والتي قدمت بصيغ متعددة كان منها برنامج “القصة” لفيصل بن حريز تمثل جانبا فيه امتياز لنوعية الصحافيين الذين امتهنوا هذا المسلك الصحافي العسير، ويمكن الإشارة إلى مضامين منتجات صحافيين بارعين كسمير عمر وعبدالرحيم الفارسي ومنى أبوذياب ومؤمن الفال، ومع كل هذا تظل البرمجيات المتعلقة بإنتاج الإذاعة المسموعة أحد أهم المنتجات التي تفرضها المحطة ضمن محتواها، وهذه حزمة من المحتوى المسموع الذي يشكل نمطا محدثا بين الإرث الثقافي العربي والعالمي ومقتضيات العصر.

من حظ “سكاي نيوز عربية” أن مقرها في مدينة أبوظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة فوجودها في بلد اعتمد على نهج التسامح والانفتاح أتاح لهذه المحطة أن تنتهج نهجا تحريريا واضحا وضع في معاييره الصحفية الالتزام المطلق باحترام العقل العربي أولا وأخيرا، احترام القيم الإنسانية انعكس على مضمون التناول الإخباري حتى إن المحطة باتت واحدة من أهم المحطات في الشرق الأوسط والمنطقة العربية في امتيازها المهني بتناول الأخبار العاجلة بما تتمتع به من شبكة المراسلين واستضافتها للخبراء السياسيين والإستراتيجيين للتعليق الفوري على الأحداث وتطوراتها.

الاستقلالية الفكرية ركن أصيل وحجر زاوية اعتمدته في تقديم محتواها على كل المنصات الرقمية والتلفزيونية، كما أن التحدي المضاف سيكون مع الانتقال إلى المقر الجديد للمحطة في جزيرة ياس فهذا سيعطي المزيد من التوسع في الإنتاج البرامجي وسيعمل على زيادة الأستوديوهات، غير أنه سيتطلب تأهيلا أكبر لقاعدة الصحافيين الخبراء الأكثر حصافة مع احتدام المنافسة في المنطقة وتطلع الشعوب العربية إلى المحتوى الموضوعي الذي يعوض التشوهات المنتجة من محطات مؤدلجة وذات اتجاهات يسارية لم يعد المتلقي العربي يرغب بها لإخفاقها في المصداقية.

الجمهور العربي يظل حكما في محتوى الإنتاج الصحفي وهذا الجمهور بات أكثر صرامة مع زيادة الوعي العام وعلى ذلك فإن مهمة رئيس غرفة الأخبار في “سكاي نيوز عربية” عبده جادالله ستكون أكثر جرأة ليس على المستوى الإخباري فحسب بل على مستوى تمكين المشاهد من التفاعل مع المنتجات الإخبارية والرقمية، فالصحافة تدخل معتركا تفاعليا يتبادل فيه الصحافي والمتلقي المواد، وعلى ذلك الالتزام بالمعايير مع تقديم الزوايا المحفزة على تطوير الوعي المجتمعي العربي.