آخر تحديث :الأحد-28 أبريل 2024-02:05م

وعند التسويات العظيمة

الجمعة - 16 فبراير 2024 - الساعة 12:34 ص

هاني سالم مسهور
بقلم: هاني سالم مسهور
- ارشيف الكاتب



التناول السياسي الدولي والإقليمي عن اليوم التالي في غزة يبدو قاصراً عن مشهدية اليوم التالي في الشرق الأوسط ومن بعد النظام الدولي، عند هذه التسويات السياسية من الأهم استحضار التصورات لكل ما سيكون من قرارات، وهنا استدعاء تاريخي للحظة عربية تبدو مقاربة في عمقها، فقد شهدت قمة الخرطوم 1967 الموصومة بتعريفها العريض بـ“قمة اللاءات الثلاث” قرارات صنعت مسارات وتصورات في مضمونها صنعت قواعد سياسية رئيسية فيما بعد الحرب العالمية الثانية وشكلت معها الخرائط السياسية في المنطقة العربية والشرق أوسطية. تحت ضغط النكسة والهزيمة اتُّخذت القرارات التي في مضمونها الأساس اعتمدت تعزيز العمق القومي في الدول الوطنية القائمة عند تلك اللاءات، ودفعت بنشوء أنظمة سياسية أخرى بدفع من التيار الناصري.

جدير بالذكر عند الحديث عن مشهدية اليوم التالي، الوقوف عند تعريفات أساسية. فيحيى السنوار ليس هو ياسر عرفات وحماس ليست فتح، هذه لحظة عميقة في التفكير فالحاجة ماسة لتعريف يعتمد الواقعية ويبتعد خطوات عن الصور الدامية في قطاع غزة. لماذا علينا ذلك؟ لأننا شهدنا في تاريخنا ما هو أكبر مما شهدته غزة. فاجتياح لبنان في 1982 ومجزرة صبرا وشاتيلا كانا أشدّ رعباً باعتبارهما هزيمة للدولة اللبنانية ككيان سياسي كان عندها مكتمل الأركان وما نتج بعد الاجتياح كان ميلاداً لحزب الله من رحم حركة أمل، وها نحن نعيش حديثاً ممتداً منذ تلك اللحظة مع ما سيتخذه حسن نصرالله من قرارات تحدد موقف الدولة اللبنانية التي لم تعد موجودة إلا بعلمها ومقعدها الرئاسي الفارغ المملوء سياسياً بسطوة العمائم في إيران.

القراءات اللحظية يجب في مقابلها تعريف أشياء أساسية بأن ما سبق حدث السابع من أكتوبر 2023 كان تقاطعاً بين محورين في المنطقة، فما بين محور الاعتدال والممانعة سنوات طويلة لا يمكن معها إسقاط عشرية الربيع العربي وما سبقها وما لحق بعدها، فهذه حقائق تشكلت وتصارعت وتتصارع، وأن مساراً للتسوية كان على وشك أن ينتج علاقة سياسية بين الرياض وتل أبيب، غير أن انقلاباً حدث عند هجوم حماس على جنوب إسرائيل، وهنا من المهم تعريف أن حماس ليست الممثل السياسي عن الفلسطينيين إنما هي جماعة أصولية تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين حتى وإن صرحت بغير ذلك، تماماً كما حزب التجمع اليمني للإصلاح في اليمن الذي هو وكغيره من أذرع جماعات التنظيم الدولي للإخوان.

التعريفات يجب ألا تغيب عن الذهنية الصانعة لهذه اللحظية التي عليها أن تستقرئ واقعية امتدادات لن تختفيَ بضغوط الزمن الحاضر، وهناك تفسيرات بأن ما يمكن أن تفرضه حركة حماس والجهاد في فلسطين وكذلك الحوثيون وحزب الإصلاح في اليمن وحزب الله في لبنان سيؤسس لمرحلة غير منظورة زمنياً في القادم، وكما أسست هذه الجماعات ذات التوجهات الدينية مراحل سبقت هذه اللحظة أخضعت فيها الدول الوطنية العربية وأسهمت في إضعاف الموقف العربي الجامع، فإنها تحاول تأسيس مرحلة أخرى ستكون أكثر عمقاً وخطورة على السلام والاستقرار في العالم العربي والعالم كاملاً.

إن استدعاء التصورات المستقبلية يتطلب ضرورة تعريفات حقيقية للأشياء كما هي؛ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 تبعها سقوط للنظام السياسي في العراق وظهور الإسلاموفوبيا حول العالم، وزادت تلك الحادثة من انتشار التنظيمات الجهادية التي أنتجت أحد أشد التنظيمات وحشية ودموية بظهور تنظيم داعش في سوريا والعراق ما تطلب قيام تحالف دولي قادته الولايات المتحدة لمواجهته، كل ما حدث في جوهره أدى إلى تضعضع الدولة الوطنية وأحدث فراغاً واسعاً ملأته التنظيمات الجهادية التي تحكمت بمصير الدول وعملت على تهجير الملايين من العرب.

هي لحظية تستحق الكثير من الوعي بما يمكن أن تنتجه، مع أهمية أن القيادة السعودية أبدت موقفاً جديراً بالاعتبار بالتزامها استكمال مسار السلام مع إسرائيل شرط الاعتراف بالدولة الفلسطينية بحدود ما قبل الرابع من يونيو – حزيران 1967، هذا ما يمكن البناء عليه وهذا أيضاً ما يجدر بالدول العربية الوازنة في هذا التوقيت من تشكل للنظام الدولي في القرن الحادي والعشرين، أن تراعيه باهتمام مع جماعة الحوثي في اليمن وحزب الله في لبنان والعراق، فكما أن هناك التزاماً مطلقاً حيال الاعتراف بدولة فلسطين ككيان وطني، يجب أن يكون هناك التزام بكيان الدولة في شمال اليمن والعراق وسوريا ولبنان والسودان وليبيا والجنوب العربي.

صعوبة اللحظة تتطلب رؤية لتحديات المسار العام الذي يجب معه استدراك أقصى ما يمكن من تحقيق الأمن كركيزة أساسية للشرق الأوسط، ومهما كانت الضغوط يجب أن توضع تصورات واضحة المعالم للمستقبل السياسي.

إن استمرار التصعيد في المنطقة يمثل تهديدًا حقيقيًا للسلام والاستقرار في المنطقة والعالم. لذا، من الضروري أن تتخذ الدول العربية والإقليمية خطواتٍ حاسمة لتهدئة الأوضاع وتعزيز الحوار والتفاهم بين الأطراف المعنية، كما ينبغي عليها دعم الجهود الدولية المبذولة لحل النزاعات وتعزيز السلام في المنطقة، بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تعمل الدول العربية على دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، فالاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي هو الأساس لبناء مستقبل مزدهر ومستدام للمنطقة بأسرها.

القضايا الراهنة مثل قضية شعب الجنوب العربي والأكراد ليست قضايا هامشية فهي كالقضية الفلسطينية ولا تقل عنها في الأهمية، ولم يعد أمام القيادات المعاصرة في عالمنا العربي وهي قادرة على ذلك، إلا أن تتخذ من القرارات الحكيمة والحازمة ما يضع حداً قاطعاً لابتزاز التنظيمات الموازية للدول الوطنية، فها نحن تحت رحمة جماعة الحوثي التي تهدد الملاحة البحرية في باب المندب، فيما يلتزم الجنوبيون بتأمينه بقيم وطنية وحفظاً للقانون الدولي الإنساني.

ما يحدث جنوباً يماثل ما تفعله حماس وهي تفاوض العالم على رهائن أبرياء فيما دفع الشعب الفلسطيني ثمناً باهظاً بنكبة أخرى لا تقل عن النكبة التي عاشها عام 1948، وبين النكبتين وقائع وحوادث واستدعاء مطلوب لتصورات واقعية وتسويات عظيمة، فهل تكون هناك مثل هذه التصورات وبالتالي اتخاذ القرارات؟