آخر تحديث :الأربعاء-01 مايو 2024-08:32م

إعدام حماس

الثلاثاء - 02 أبريل 2024 - الساعة 11:49 م

هاني سالم مسهور
بقلم: هاني سالم مسهور
- ارشيف الكاتب


سنوار غزة الذي اختطف القرار الوطني الفلسطيني
في عام 1979 اقتحم جهيمان العتيبي الحرم المكي واحتجز رهائن، في حادثة تاريخية تزامنت مع صعود جماعات راديكالية ومع الثورة الإسلامية الإيرانية التي قادها الخميني. انتهت الحادثة بعملية عسكرية سعودية، وكان القرار بإعدام كل المتورطين.

الحزم السعودي يمثل واحدا من أهم الدروس التي يجب أن تتعلمها الدول الوطنية، حتى وإن تلا تلك الحادثة تعاطي العالم العربي مع ما يسمى بـ“الصحوة الإسلامية” بطريقة خاطئة، إلا أن تنفيذ حكم الإعدام بجهيمان ومجموعته مازال أحد أهم الدروس التي يجب البناء عليها في التعامل مع التنظيمات الإرهابية.

ورغم أن ما يفصل بين جهيمان مكة وسنوار غزة أكثر من أربعة عقود، فإن بينهما رؤوسا أعدمت وحوادث جسيمة وقعت شكلت سردية واحدة في ضرورة الحزم عندما تتعلق الحوادث بهذه الجماعات.

اعتادت الجماعات الراديكالية منذ أن نشأت في العصر الحديث على الاستفراد بقرارات مصيرية خارج قواعد الدولة الوطنية. نهج جماعة الإخوان لم يختلف تاريخيا. وحتى لا نذهب إلى زمن حسن البنا، نذهب إلى أسامة بن لادن الذي في لحظة قرر من ذات نفسه أن يقود عملية إرهابية كبرى ويهاجم الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر 2001، يحدد بعدها قواعد الاشتباك السياسية فارضا تصوراته العقائدية على علاقة واشنطن بالعرب والمسلمين.

ما ذهب إليه تنظيم القاعدة دفع ثمنه العراق وأفغانستان والمنطقة والعالم العربي كاملا بعد أن قرر الرئيس جورج بوش الابن احتلال كابول وبغداد معا، الانفراد بقرار الحرب لم يكن في الواقع قرارا أحاديا فقط بل كان قرارا ضمن سياق العقلية الإخوانية التي تحاول مرارا وتكرارا أن تفرض رؤيتها الدينية.

أثبتت التجارب أن لا شيء يمكن أن يكون صحيحا غير التعامل الحازم مع تنظيمات الإسلام السياسي سواء كانت سنيّة أو شيعيّة، الصرامة هي الأسلوب الأمثل بالمطلق. وكما كانت السعودية حازمة ولم تتردد في إعدام جهيمان، أعدمت في عهد الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، نمر النمر، وهو من الطائفة الشيعيّة الذي اصطدم مع الدولة، فكان القرار شجاعا، وأد فتنة.

بعد عقود طويلة تشكلت فيها مرويات أن هناك خللا في جغرافية دعوات مضادة للدولة انتهت كلها بالإعدام، ثبت أنها مجرد أوهام لا وجود لها وأن الجغرافية السعودية كلها تدين بالولاء للملك والدولة. الحزم باتخاذ القرار طوى بعده صفحة وفتح أخرى من التعايش الوطني قاطعا سياسات الابتزاز نهائيا.

الزرقاوي والظواهري والبغدادي وغيرهم ممن تمت تصفيتهم في سياق الحرب الدولية لمكافحة الإرهاب، شخصيات فرضت كلفة سياسية وعسكرية باهظة على العالم العربي تحملتها الدول الوطنية، وأسهمت في تفاقم الإسلاموفوبيا في المجتمعات الغربية وحتى الآسيوية، التكلفة أضعفت الدول وغيرت من موازناتها التي وجهت إلى معارك أمنية أثرت على المشاريع التنموية، وهو ما زاد من معدلات البطالة والفقر والتضخم الاقتصادي.

معادلة واضحة لا تحتاج إلى بذل الكثير من النظر فيها، ما تسببت فيه القرارات الانفرادية لهذه التنظيمات من تأثيرات سياسية واقتصادية واجتماعية تدفعه الشعوب من فرص التنمية والاستثمار الاقتصادي.

ها نحن أمام مشهدية مماثلة مع كل المشهديات المعتادة في تاريخنا المعاصر، ما فعلته جماعة حماس في السابع من أكتوبر 2023 كان قرارا يماثل تماما ما فعلته جماعة جهيمان والقاعدة وداعش وحتى حزب الله وجماعة الحوثيين والنجباء وغيرها من التنظيمات في كينونتها تكرر فعلا واحدا خارج نطاق الدولة الوطنية.

يحيى السنوار ومحمد الضيف ومعهما إسماعيل هنية وخالد مشعل قرروا أن يطلقوا ما أسموه بعملية “طوفان الأقصى”، وسواء كان ذلك بإيعاز من المرشد الإيراني خامنئي أو لم يكن، وسواء كان قرارا لقطع مسار التطبيع السعودي – الإسرائيلي أو لم يكن، فإن النتيجة تبقى واحدة هي أن الفعل كان انفراديا وخارج إطار الإجماع الوطني الفلسطيني، وقبل ذلك الإطار القومي العربي على اعتبار أن الجامعة العربية كانت قد التزمت بمبادرة ملك السعودية عبدالله بن عبدالعزيز في بيروت 2002 كمرجعية سياسية، والقرار الحمساوي جاء خارج كل الأطر والتفاهمات بالمطلق.

التكلفة دفعها أكثر من مليوني فلسطيني في غزة عاشوا النكبة الثانية بعد نكبة 1948، كما فرضت إسرائيل احتلالا على قطاع غزة الذي كان محررا إلى ما قبل الساعة السادسة من فجر يوم السابع من أكتوبر، وكما انعكس الهجوم الإسرائيلي على العالم العربي الذي رفض تهجير الشعب الفلسطيني حتى لا تتم تصفية القضية برمتها كما هدفت الدولة العبرية. يتعين على العرب تصفية حماس سياسيا، فلا معنى لوجود هذا المكون السياسي المنتمي أيديولوجيا إلى جماعة الإخوان المسلمين والمنطوي تحت عباءة المرشد الإيراني، فهو ذراع من أذرعه لتهديد الكيانات الوطنية العربية.

محاكمة القيادات السياسية الحمساوية يجب أن تكون مطلبا قوميا عربيا حتى لا تتكرر المآسي تحت أيّ ذريعة كانت، فالمحاكمة العادلة فيها اقتصاص عادل لملايين الفلسطينيين الذين شُرّدوا من ديارهم وعاشوا الجوع والخوف من بطش آلة الحرب الإسرائيلية، كما أن المحاكمة فيها اقتصاص لكيانات الدول العربية التي تعرضت لضغط سياسي لم يكن ليحدث لولا استفراد حركة حماس بقرار شنها حربا على إسرائيل وتجاوزها للاتفاقيات التي تشكلت بعد تحرير قطاع غزة في العام 2005.

إعدام حماس هو في جوهره إعدام لجماعة اختطفت القرار الوطني الفلسطيني وتعمدت تعميق الانقسام وجرت الشعب الفلسطيني إلى حروب دفع ثمنها من حياته ومن فرصة إقامة دولته بعد اتفاق أوسلو والحصول على الحكم الذاتي، المحاكمة ضرورة من أجل الفلسطينيين أولا، ومن أجل أن تردع أيّ حركة دينية تحاول مجددا اختطاف القرار الوطني ثانيا.

أمام الدول العربية فرصة سانحة للقطيعة مع هذه الجماعات الأصولية بإعلاء قيمة الدولة الوطنية على قيمة هذه الجماعات التي عليها أن تدرك، دائما وأبدا، أن لا شيء يفوق قيمة الكيان الوطني، وأن لا مجال لتخويف الدولة وإرهابها بخطابات دينية شعبوية.