آخر تحديث :السبت-21 ديسمبر 2024-05:06م

بالنظر إلى جحر الأفاعي اليمنية

الأحد - 19 مايو 2024 - الساعة 06:39 م

هاني سالم مسهور
بقلم: هاني سالم مسهور
- ارشيف الكاتب


من يملك موقع اليمن على باب المندب لا يحتاج قنبلة نووية

يقتضي النظر إلى اليمن كثيرا من التجرد فلم يعد يمكن التعامل مع هذا الملف دون جرأة وموضوعية في تناوله، التحولات فيما تلا هجوم حماس في السابع من أكتوبر تفرض مقاربة أعمق من تلك التي كانت عليها من قبل، اندفعت جماعة الحوثي بهجماتها في البحر الأحمر وخليج عدن ونفذت ما كان يردده الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح “من يملك موقع اليمن على باب المندب لا يحتاج إلى قنبلة نووية”. وهذا ما حدث بالفعل، الحوثيون باتوا كمن يمتلك القنبلة النووية، وجعلوا من الجغرافيا السياسية مكمنا متفجرا تجاوزوا به الخطوط الحمراء وفرضوا تحديا هائلا لا يمكن بحال من الأحوال تجاوزه حتى وإن تمت تسوية الحرب في غزة.

السعوديون لطالما اعتاد العالم أن ينظر إلى اليمن بعيونهم، والرياض تنتهج سياسة كلاسيكية سنها مؤسس البلاد الملك عبدالعزيز قبل قرن من الزمن، من اتفاق الطائف 1934 نسجت واحدة من أعرق الاتفاقيات السياسية في منطقة شبه الجزيرة العربية كونها جمعت بين البلدين اللذين سبقا الجميع وجودا في المنطقة، المعاهدة بين الملك والإمام يحيى حميدالدين نسجت علاقة ضمن ما كان ينتهجه الملك مع عموم القبائل العربية وهي المنهجية التي تقوم على الاحتواء، وإن كان الاتفاق سياسيا بين المملكتين المتوكلية والسعودية غير أنها وضمن النهج الملكي ظلت ضمن الإطار التقليدي الرامي على الاحتواء، وهو ما ضمن للسعودية فعليا تحقيق الأهداف بإنهاء الحرب بين الطرفين، وإن نشبت عبر العقود التالية حروب وأزمات أبقاها السعوديون دائما تحت إطار الاتفاق الأول بين الملك والإمام حتى مع الانقلاب عليه وإسقاط حكمه عام 1962، فالنهج بقي كما هو باعتبار احتواء القبائل وإدارتها بالطريقة التقليدية.

حتى العام 2015 وقيادة السعودية للتحالف العربي في العملية العسكرية “عاصفة الحزم”، ظلت الرياض على ذات المنهج الأساسي على عكس ما كان متوقعا مع التغيرات التي طرأت في المشهد اليمني، كما أبقت الرياض سياساتها مع الجنوبيين كذلك عبر نهجها التقليدي القديم الذي تكوّن من بعد الجلاء البريطاني عن عدن عام 1967. لم تتجاوز الرياض إطلاقا تاريخ العلاقة المشدودة مع جنوب اليمن باعتبار أن الاشتباك السياسي الحاد الذي نشأ من بعد حرب الوديعة 1969، ما تشكل لم يخرج عن السياق في العرف السعودي مع كل ما طرأ من تغيرات عميقة في الداخل اليمني جنوبا وشمالا والتحديات المستجدة بما فيها اتفاقية الحدود عام 2000 بين اليمن الموحد والسعودية.

عمليا دخلت الأزمة اليمنية حالة الجمود السياسي مع تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل – نيسان 2022، فمع الإطاحة بكل من عبدربه منصور هادي وعلي محسن الأحمر بدأت الهدنة بين الأطراف المتصارعة في الداخل، ومع تبني ما يفترض أنه مسار سياسي للتسوية بقيت التعريفات الغائبة هي النقطة العمياء، هل السعودية طرف أم وسيط؟ وهل القضية الجنوبية أصل في الحل أو فرع من الفروع؟ وهل مازالت المرجعيات الثلاث صالحة أم أن الوقائع تجاوزتها؟

أسئلة حائرة وجد معها العمانيون مدخلا ملائما لتكون مسقط معبرا لمسار الحل الذي يضع في اعتباراته المصالح العمانية المبنية على تحقيق مستوى علاقة مع الحوثيين ومنع وجود دولة جنوبية مستقلة، المسار مضى وأوشك على أن يصل إلى أكثر من التفاهمات.

زيارة السفير السعودي محمد آل جابر إلى صنعاء شكلت بحدّ ذاتها نقطة التحوّل الأكثر أهمية، فهي أكدت أن الرياض لم يعد في حساباتها أن تواصل الحرب في اليمن وأنها جادة للخروج بأيّ ثمن كان. المسار السعودي – الحوثي لم يمنع من التفاعلات الداخلية، فإلى جانب أن الحوثيين وهم يشنون هجماتهم في البحر الأحمر حاولوا التقدم الميداني في المحافظات الجنوبية، كما أن تطورا لافتا مع تسجيل الانتقالي الجنوبي موقفا باستعداده لاحتضان جبهة وطنية يمنية لاستعادة النظام الجمهوري، وهو ما أعاد واحدا من أعقد التعريفات عن هوية مجلس القيادة الرئاسي.

ما يفترض أنها عملية السلام اليمنية لم تعد مقارباتها موضوعية، ولم يعد من بدّ من وضع مقاربة أخرى تتوافق مع الوقائع، إشكالية الاستناد على المرجعيات الثلاث يضع الفكر الدبلوماسي أمام فرصة ابتكار سياسي مختلف بانتهاج مسارات ثلاثة بدلا من المسار الأحادي، الدعوة إلى مؤتمر دولي للأمن والسلام يجمع كل الأطراف اليمنية جنوبية وشمالية ويفتح المسارات للقضية الجنوبية ومعالجة السلاح الحوثي ومصالحة يمنية – يمنية شمالية تفضي إلى وضع تصور لكيان سياسي شامل لأبناء شمال اليمن، المسارات الثلاثة ستصل إلى توافق نهائي قد يؤدي إلى كيانين سياسيين جنوبي ويمني، أو ثلاثة كيانات جنوبي وكيانان يمينان في الجزء الشمالي من اليمن أو ما كان يعرف بالجمهورية العربية اليمنية.

مؤتمر المسارات الثلاثة هو فرصة مبتكرة لمعالجة تراكمات التاريخ السياسي الطويل الممتد من الأخطاء، دون الموضوعية والإقرار بأن الجميع كان شريكا في الأخطاء السياسية لن يمكن بحال من الأحوال الوصول إلى مخرج صحيح من الدوامة اليمنية، الفكرة التقليدية التي ارتكزت على شراء ذمم شيوخ القبائل في شمال اليمن أنتجت دمارا بنيويا في التركيبة المجتمعية الشمالية كما بدأت أضرارها تصل إلى الجنوب في أبعاده القبلية، كذلك تركت المساحة للأحزاب الدينية لتنشئ تكتلات سياسية تحت عناوين التعددية الديمقراطية أنتجت كيانات إرهابية حاضنة للعناصر التكفيرية من كل العالم وليس في اليمن فقط وهو ما يستدعي حلّ الأحزاب ذات الأبعاد الدينية والطائفية كليا.

النظر إلى جحر الأفاعي ليس مدعاة للرقص على رؤوسها كما اعتاد الرئيس صالح أن يفعل بل التساؤل كيف يمكن القضاء عليها؟ التفكير الكلاسيكي بتجريب المجرب في سياقه الصحيح هو ذلك التفكير السقيم الذي معه يجب أن تكون هناك مواقف تتجاوز المراجعة، أيّ خطوة سياسية مهما كانت مبرراتها استجابة للظرفيات القائمة ستبني مستقبلا يتجاوز اليمن للمنطقة ثم العالم، استدعاء الواقعية بالتعامل مع الحالة يستدعي اتخاذ خطوات جريئة وعملية تضمن الوصول إلى حلول منطقية، تضع مصلحة اليمن شمالا وجنوبا في المقام الأول فلا أحد في حاجة إلى لدغات الأفاعي السامة.

مقال للكاتب من جريدة العرب اللندنية