آخر تحديث :السبت-21 ديسمبر 2024-05:06م

لافتات سبتمبرية: كتيبة الشباب اليمني بالقاهرة.. (4 ــ 30)

الإثنين - 09 سبتمبر 2024 - الساعة 02:54 ص

د. ثابت الأحمدي
بقلم: د. ثابت الأحمدي
- ارشيف الكاتب


كانت كتيبة الشباب اليمني المحاولة الجماعية الثانية في طريق معارضة حكم الكهنوت الإمامي. تأسست في القاهرة في سبتمبر 1940م، أسسها الزبيري ونعمان، وكانت أول عمل نضالي يشتركان فيه، أو قل يجمعهما أثناء دراستهما هناك؛ حيث كان الزبيري ملتحقًا بدار العلوم، فيما نعمان ملتحقًا بالأزهر، والتحق بهما أيضا محمد صالح المسمري.

وقد ضمت في عضويتها إلى جانب هؤلاء زملاء لهم من الجنوب أيضا؛ مثل: رشيد علي حريري ومحمد علي الجفري وعبدالرحمن علي الجفري وسالم الصافي، ذلك لأنَّ الهَمَّ اليمنيَّ كان واحدًا في وجدان الشباب المتطلع للتغيير حينها، والمشكلة تبدو كذلك واحدة، أو متقاربة، متمثلة في الاحتلال البريطاني للجنوب والاستبداد الإمامي في الشمال، مع أنّ الاستبدادَ الإماميَّ قد تبدى أسوأ من الاحتلال بكثير؛ إذ لم يضع حجرًا على حجرٍ خلال فترة حكمه، كما فعل الاحتلال على الأقل؛ بل لقد هدّم ما كان قائمًا.

يقول الأستاذ أحمد محمد نعمان في مذكراته: ".. وصل الزبيري إلى مصر، وأول ما وصلها بحث عني، فجاء إلى الأزهر، وبقينا نتذاكرُ سَوية ونتدارس، ودخلنا في تشاورٍ من أجل القضية اليمنية، وارتبط بنا جماعة من أبناء الجنوب: محمد علي الجفري وسالم الصافي، وهو عضو في رابطة أبناء الجنوب، على أن نضع مخططًا لتجمع، نسميه: الكتيبة اليمنية".

ويبدو أنَّ الطلبة اليمنيين الذين وصلوا إلى القاهرة قد انبهروا بالفارق الحضاري المهول بين القاهرة في تلك الفترة وصنعاء التي يصعب المقارنة بينهما، بفعل سياسة الإمام المنغلقة وكهانته التي مارسها على اليمنيين، فتأثروا بتلك الأجواء، بثقافاتها المتعددة، بمدنيتها، بجامعاتها، بصُحفها، بجمالها، وتطلعوا لتغيير بلادهم نحو الأفضل، فكانت كتيبة الشباب اليمني بقانونها وموادها.
ونوردُ هنا قانون كتيبة الشباب اليمني الذي تمت صياغته بالقاهرة، كما نشره علي محمد عبده.

قانون كتيبة الشباب اليمني
المقدمة
الحمدلله والصلاة والسلام على أفضل خلق الله، وبعد:
فقد اجتمع فريق من الشباب اليمني، واستعرضوا حالة بلادهم، وما هي بحاجة إليه من الإصلاح وما تعانيه من التفكك والانحلال، فلا رابطة تجمعهم، ولا هيئة توحدُ أغراضهم، وتوجه الأمة إلى ما فيه صلاحها وسعادتها، حتى تستطيع أن تُسايرَ القافلة الإسلامية والعربية التي تسير نحو الرقي والنهوض بخطى ثابتة سريعة، وحتى تعيد ما كان لها من مجد طريف وعز تليد، فرأوا من واجبهم الديني والوطني تأليف "كتيبة" من "الشباب اليمني" تحملُ على عاتقها دعوة الأمة والإهابة بها إلى النهوض واليقظة، حتى تكونَ عضوًا عاملا في الأمة الإسلامية والوحدة العربية، وتتبوأ المكانة اللائقة بها بين الأمم الراقية. وقد عاهدوا الله على أن يجعلوا رائدهم الإخلاص والقيام بواجباتهم على أتم الوجوه، معتمدين على الله سبحانه وتعالى، واثقين بإعانته وتيسيره. شعارها: (الإسلام، العرب، الوطن).

الإسلام، بنصره والاستنصار به.
والعرب، بالعمل لصالحهم وتحقيق وحدتهم.
والوطن، برفع شأنه وإعزازه.

القانون
المادة الأولى
تألفت هذه الكتيبة في القاهرة يوم السبت، 25 شعبان 1359هـ، الموافق 28 سبتمبر 1940م، وسُميت بكتيبة الشباب اليمني، وجعل مركزها الرئيسي القاهرة.

المادة الثانية: مقاصدها.
أ‌. بعث الأمل في نُفوس الشعب اليمني ومحاربة اليأس.
ب‌. بث روح التضحية والإخلاص والإخاء ونشر الثقة بين أفراد الأمة وشبابها، حتى تعود بينهم الطمأنينة.
ج‌. تصوير آلام الشعب وما يعانيه، والنظر في العلاج الناجح لإزالة تلك الآلام.
د‌. نشر الثقافة بين اليمنيين، وإيقاظ شُعورهم، وتذكيرهم بماضيهم المجيد، وتنبيههم إلى واجبهم في المستقبل، وتزويدهم بالتعاليم الصحيحة التي تعودُ على الأمة بالنفع العام.
هـ. الاتصال بعظماء الشعب وغيرهم من الرجال الذين تتجلى فيهم الروح الوطنية والإخلاص، للتشاور فيما يتعلق بنهضة اليمن.
و. ترغيب المقتدرين وذوي اليسار في إرسال البعثات العلمية لدراسة العلوم التي تهم معرفتها، وتشتد حاجة البلاد إليها.
ز. السَّعي لدى الحكومة اليمانية في شد أزر هذه البعثاتِ ومساعدتِها بمالها ونفوذها.
ح. محاربة النعرات المذهبية، ونبذ الخلافات والآراء التي جرّت على المسلمين النكبات في معظم أدوار التاريخ.
ط. إعداد اليمن ليكون عضوًا عاملا في الجامعة العربية والإسلامية.
ي. الاتصال بالحكومة للاستعانة بها في تنفيذ أغراض الكتيبة.

المادة الثالثة: الوسائل
الكتيبة تنفذ مقاصدها بالوسائل التالية:
أ‌. نشر مجلة، تكون لسان الكتيبة، أو كتابا دوريًا، أو نشرات.
ب‌. إلقاء المحاضرات في أحوال اليمن المختلفة، دينية وتاريخية واجتماعية علمية.
ج‌. إنشاء فروع للكتيبة بداخل اليمن وخارجها بواسطة أشخاص تعتمد الهيئة عليهم، وتثق بهم وبإخلاصهم وحزمهم باسم الكتيبة، أو باسم هيئة أخرى جهرا.
د‌. إرسال وفود تفاهم للهيئة لنشر مبادئ الكتيبة، وإلقاء محاضرات بلسانها باستمرار.
هـ. الاتصال بكل شاب يمني، وبث روح الكتيبة فيه، وإعداده إعدادًا كاملا، لأن يكونَ عضوًا في الكتيبة.

المادة الرابعة: مالية الكتيبة
ماليتها تتكون مما يأتي:
1ــ الاشتراكات
2ـ التبرعات العامة
3ــ الربح من المجلة والنشرات
4ــ الواردات من فروع الكتيبة للهيئة

المادة الخامسة: أعضاء الكتيبة، وهم:
1ــ المشتركون، وهم الذين يدفعون اشتراكاتهم للكتيبة شهريا، ويساعدونها عمليا.
2ــ المساعدون، وهم الذين يقدمون للكتيبة الإعانة سنويا.
3ــ أعضاء الشرف، وهم الذين اشتهروا بخدماتهم الجليلة للعرب والإسلام، أو ساعدوا على تنفيذ أغراض الكتيبة.

المادة السادسة: واجبات الأعضاء
1ــ يُشترط في العضو أن يكون يمانيًا مسلمًا، ومثلا أعلى في أخلاقه وقيامه بشعائر دينه واستقامة سيرته، ويُعتبر عضوًا في الكتيبة من يوم تدوين اسمه.
2ــ على أعضاء الكتيبة أن ينشروا مبادئها بمختلف الطرق، ليعرفوا مواطنيهم بمقاصدها وأعمالها ويحببونها إليهم، وأن يتشاوروا مع مواطنيهم الآخرين فيما يقدمونه إلى الهيئة المركزية من التقارير عن أحوال البلاد.
3ــ على كل عضو ينتمي لهذه الجماعة أن يُقسم يمين الإخلاص بأن يكون وفيا لمبادئ هذه الكتيبة، حافظا لأسرارها.
4ــ على كل عضو أن يعمل جهده في رفع قيمة الكتيبة في أنظار الشعب، بتجنبه للآراء الشاذة والاصطدام بشعور الأمة.
5ــ على كل عضو منتسب لهذه الكتيبة يرغب في الخروج منها فهو حرٌ في ذلك، على أن يُحافظَ على أسرارها، وإذا اتضح للهيئة المركزية أنه أفشى سرًا من أسرارها فللهيئة أن تقرر التأديب اللازم.

المادة السابعة: الهيئة المركزية للكتيبة
1ــ الهيئة المركزية للكتيبة تتألف من وفودٍ تختارهم الهيئة، وعند إرادة ضم عضو جديد لهذه الهيئة المركزية تعقدُ الهيئة اجتماعًا للنظر في ذلك، على ألا يزيد أعضاء هذه الهيئة على خمسة عشر عضوا.
2ــ نظرًا للظروف الحاضرة ومصلحة البلاد قرروا أن تكون الكتيبة سرية إلى أن يحين الوقتُ لإعلانها.
3ــ على كل فرع أن يتصل بالهيئة المركزية، ويعرض عليها تقاريره ويستشيرها في كل ما يهمه، على أن لكل فرع الحرية في تنفيذ ما يرى من الضروري تعجيله بدون استشارة الهيئة.
4ــ تجتمع الهيئة المركزية، وتتبادل الآراء وتقرر ما يجب من الأمور، والمعتبر هو رأي الأغلبية.
5ــ الاتصال بالشباب اليماني، وتزويده بالتعاليم الصحيحة التي تعود على الأمة بالخير العميم.
6ــ على كل فرد أن يكون مستعدا دائمًا لتنفيذ رغبات الهيئة المركزية، مدينا لها، خاضعًا لأوامرها، واقفًا عند إرادتها.
ولم تذكر المصَادرُ التاريخيّة التي بين أيدينا أيَّ نشاطٍ يُذكر للكتيبة، سواء في القاهرة أم في بعضِ المدنِ اليمنية في الداخل، رغم البرنامج الطموح الذي ظهرت به "الكتيبة". وكان الذي حصل بعد ذلك أن عاد الأستاذ نعمان إلى تعز في فبراير 1941م، أي بعد التأسيسِ بأشهر معدودة، فيما عاد الزبيري إلى صنعاء في يوليو من نفس العام، وهي فترةٌ قصيرة بعد تأسيسِ الكتيبة، عدا ما كان من الزبيري في صنعاء من تأسيس هيئةِ الأمرِ بالمعروفِ والنّهي عن المنكر.
والكتيبة وإن لم تضف شيئًا معتبرًا على الصعيد العملي خلا تلك الفترة، إلا أنها كانت صوتا جديدا، وتجربة إضافية في مسيرة النضال الوطني، ومثلت أحد محطاته التاريخية.
د. ثابت الأحمدي