آخر تحديث :الثلاثاء-17 سبتمبر 2024-11:00ص

في الثقافة والمثقفين.. إعادة فحص المفاهيم

الإثنين - 09 سبتمبر 2024 - الساعة 03:08 ص

د. قاسم المحبشي
بقلم: د. قاسم المحبشي
- ارشيف الكاتب


غدا نتلقي في منصةGlobal Institute for Arabic Renewalالمعهد العالمي للتجديد العربي👋

أنني أعرف بالتقريب ماهي الثقافة؟
ولكنّي لا أعرف ما هو ومن هو المثقف ؟

في الأزمنة القريبة الماضية، قبل ثورة الاتصالات والمعلومات وانكماش الزمان والمكان وتحول السلطة. حينما كانت تجتمع بعض النخب العربية المتعلمة في أي عاصمة من عواصم البلدان العربية؛ القاهرة ، بغداد، ، الخرطوم ، دمشق، بيروت، الجزائر تونس ، عدن ، صنعاء الرباط، طرابلس وغيرها. كان الهم السياسي العام هو الذي يشغلها؛ هم التحرر من الاستعمار الأجنبي وقواه المستخدمه وهم اصلاح أوضاع الاوطان وهم تحرير فلسطين مم الاحتلال الصهيوني وهم الوحدة العربية وهم تأسيس دول وطنية حديثة. تلك الهموم السياسية العامة هي التي حفزت الضباط الأحرار والنخب المتعلمة في مصر وفلسطين والعراق واليمن والسودان وسوريا والجزائر وتونس وغيرها للثورة ضد النظم الاستعمارية التي كانت جاثم على معظم الأقطار العربية من أقصى جنوب الجزيرة العربية في عدن المستعمرة البريطانية إلى أقصى غرب الوطن العربي والشمال الأفريقي في سبتة المغربية وذلك فيما عرف بحركة التحرر الوطني العربية التي اتقدت في منتصف القرن الماضي. إذ كان الحلم والأمل والارادة الثورية الوطنية هي المزاج العام الذي يحرك النخب ويدفعها للفعل والمغامرة. تحركت النخب الفاعلة فتحرك الواقع وقامت الثورات وتغيرت النظم وتأسست الجمهوريات الوليدة الجديدة وحدث ما حدث من متغيرات وأحداث التي عرفها جيلنا ولكنها صارت اليوم من التاريخ. ورغم إن ظروف النخب العربية اليوم مواتية أكثر بكثير من تلك الأيام السالفة إلا أنه لم يعد بامكانها معاودة تلك الضربة المفعمة بارادة التغيير والفعل والفاعلية، بل اصبحت بلا حول ولا قوة في عالم بات يدار من قوى ومؤسسات دولية واقليمية ظاهرة وخفية. إذ كثرت وزادت اعداد النخب الغربية المتعلمة والتي تدعي إنها مثقفة ولكنها اليوم بلا حول ولا قوة. فاكثر من مليون يمني نازح في مصر الكنانة ومثلهم من العراق والشام والسودان ليس بمقدورهم فعل ما كان يفعله عشرة طلاب في المؤسسات الأكاديمية! فما الذي حدث؟ وكيف يمكن تفسير هذا الأمر؟ وماذا بوسع النخب العربية المثقفة فعله؟ ذلك هو السؤال الذي طالما وشغلني منذ عدة أعوام وأنا أرى بأم عيني تداعي الأحلام والشعارات العربية الكبيرة في الحرية والعدالة والاستقلال والتنمية والسلام والوحدة العربية؟ إذ تسألت هل مازال للمثقف العربي ما يفعله اليوم؟
في الواقع تزخر المجتمعات العربية الراهنة بتراث ثقافي وفني وأخلاقي وجمالي مشترك غني ففي كل بلد عربي يوجد مستودع خصيب للهوية الثقافية العربية المشتركة المتمثل في اللغة والعادات والتقاليد والقيم والمعتقدات والنقوش والآثار والأزياء والأطعمة والرموز وغيرها. كل تلك المقومات تجعل الإنسان العربي في كل قطر يقيم به انسانا مندمجا ثقافيا ولا يشعر بالغربة والاغتراب الا حينما يتذكر البسبور الذي يحمله بوصفه موطنا من دولة عربية أجنبية. فماذا بوسع النخب العربية عمله اليوم في ظل التحديات الخطيرة التي توجهها الشعوب والدول العربية في اللحظة الراهنة ؛ جملة متشابكة من التحديات بنسب ومستويات مختلفة محلية خاصة بكل قطر على حدة وتحديات إقليمية تهدد الوجود العربي بكليته وتحديات عالمية دولية. وتقترح مداخلتنا اعادة التفكير بمفهومي الثقافة والمثقف في هذه اللحظة الراهنة من تاريخ الحضارة الإنسانية ، فنحن في عصر العولمة حيث ينكمش الزمان والمكان إلى حدا بتنا فيه نعيش فيما يشبه قرية سبيرانتية، كل شيء بات متاح للجميع المعرفة والعلم والآداب والثقافة بكل صورها وأنماطها وقيمها ورمزها إذ لم يعد للمثقف تلك السلطة التقليدية والدور الاجتماعي الذي كان يضطلع فيه في زمن مضى- نقصد المثقف العضوي بمعناه الجرامشي أو حتى بصيغة جان بول سارتر المثقف العارف الكلي الملتزم الانشغال في الشأن العام صوت من لا صوت لهم- ففي عصر العولمة والمعلومة والشبكة والمنصة والتغريدة، اختلف الحال والمآل في حقل الثقافة ودور المثقف ومدراتهما إذ تفتحت إمكانات جديدة أمام البشر انكسرت معها ثنائية النخبة والجمهور أو العامة والخاصة أو الزعيم والحشد. لم يعد الفرد مجرد متلقٍّ للمعلومات أو الأوامر من النخب التي تفكر عنه، وتدّعي تمثيله والنطق باسمه أو الدفاع عن مصالحه وحقوقه. وبتنا " ننخرط في واقع أصبح فيه المواطن الفرد، يتصرف كلاعب فاعل، يسهم في بناء مجتمعه أو تغيير عالمه، بقدر ما هو منتج أو مبتكر في مجال عمله؛ ويشارك في صنع ذاته وَقَود مصيره بقدر ما يمارس حريته في التفكير ولا يتخلى عن عينه النقدية في قراءة ما يحدث. ومن لا يتاح له أن يفعل بصورة إيجابية وبناءة، فإنه يفعل بصورة سلبية ومدمرة".
ورغم ما تعيشه مجتمعاتنا العربية اليوم من ضعف وتمزق سياسي إلا أنها تحمل تراثا ثقافيا زاخرا بالممكنات الثقافية الإبداعية المتنوعة المشتركة بين الشعوب العربية الراهنة والثقافة هي ما يبقى بعد نسيان كل شي! إن الثقافات لا تموت طالما ظل حاملها المادي والمعنوي حيا أي الناس واللغة والقيم والعادات والتقاليد والرموز … لكنها تتغير وتطور أو تتخلف بهذا القدر أو ذاك ، وهذا يعود إلى مستوى التفاعل والتواصل والانفتاح والانغلاق ، الجمود والحيوية والديناميكية والاستاتيكية التي تتسم بها أي يعود إلى قدرة الثقافة على تجديد ذاتها وإخصاب هويتها وتجاوز كبواتها باستمرار غير أن ما يقتل الثقافات ويهدد هويتها بالتمزق أكثر من أي شيء آخر، هو الانغلاق على الذات والنكوص للماضي، والسير وفق مشيئة التاريخ واقداره. وتعد النخب الاجتماعية ظاهرة ملازمة لكل المجتمعات البشرية، إذ لا يوجد مجتمع دون نخب. إذ "أن النُّخب ليست وضعية عارضة في طبيعة المجتمعات الإنسانية، بل حالة جوهرية أساسية راسخة في صلب التكوين الفطري للمجتمعات الإنسانية منذ بدء الحياة الإنسانية حتى اللحظة الراهنة، إذ لا يمكن للحياة الاجتماعية في أي مجتمع كان، أن تتم من غير نخب اجتماعية سياسية وثقافية قادرة على توجيه مساراتها وتحريك دفتها في الاتجاهات المرغوبة والمطلوبة"وتتعدد النخب وتتنوع بقدر تعدد وتنوع مجالات الفاعلية والعلاقة الاجتماعية. ويمكن للثقافة والمثقف العربي اليوم أن يعمل ويعاود فعله في ظل اللحظة الحضارية العالمية الراهنة وذلك انطلاقا من الآتي:
بما ان العولمة ظاهرة كونية شاملة وليس لدينا القدرة على دفع تدفقها فإن الانفتاح الثقافي عليها هو الخيار الممكن لنا، ومن ثم الدخول معها في حوار وتفاعل حضاري وإنساني خلاق.
2- في سبيل ذلك لابد من إعادة البحث في شروط إنتاج نهضة ثقافية عربية شاملة، أي مشروع نهضوي حضاري متكامل في البناء والأنساق السياسية والثقافية والأخلاقية والفكرية ،وإحداث ثورة في المفاهيم وأدوات الرؤية والتصور.
3- تطوير نظام إعلامي عربي يكون بمثابة النموذج ( الفاعل والجاذب والقادر على صياغة الرأي العام العربي وتثقيفه بما يخدم تعميق الثقافة الوطنية وبناء شخصية المواطن والمثقف الملتزم.
4- لما كان حقل التربية والتعليم هو الأرض الخصيبة لتنمية الأجيال وبناء المجتمع، فإن العمل على إحداث تغييرات جوهرية في آلية النظام التربوي التعليمي العربي وتجاوز وضعيته الراهنة بما يمكنه من استيعاب المتغيرات العلمية والقيمية الجديدة، تعتبر مهمة ضرورية وحاسمة.
5- إن إحداث نقلة نوعية في الفكر السياسي العربي وكذا تغيير آلية النشاط السياسي بآلية جديدة تقوم على أساس الفهم الديمقراطي واحترام الإنسان والإقرار الفعلي بضرورة الحوار الديمقراطي هو الشرط الذي يوفر المناخ الأفضل للمشروع النهضوي المأمول. فما هي الثقافة؟ ومن هو المثقف؟
على مدى السنوات الماضية استقطب سؤال الثقافة والمثقفون اهتمام عدد واسع من الدارسين أمثال: إدوارد سعيد، الثقافة والامبريالية والثقافة والسلطة, وطه حسين، مستقبل الثقافة في مصر، وبول راس، الدراسات الثقافية ودراسة الثقافات الشعبية، زفيتان تودوروف، الحياة المشتركة، أكسل هونيت، الصراع من أجل الاعتراف، مجموعة من الكتاب، نظرية الثقافة، ترجمة علي سيد الصاوي يوليو1997 ودنيس كوش، مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية، وآدم كوبر, الثقافة: التفسير الأنثروبولوجي ديفيد إنغليز و جون هيوسون، مدخل إلى سوسيولوجيا الثقافة، ولي باك واندي بينيت واخرون، مقدمة في علم الاجتماع الثقافي، بارت آلان، الهوية والتمثيل، وفريد بارت، بناء الهوية، وجان فرانسو بايار, أوهام الهوية، وجون جوزيف, اللغة والهوية, وأمارتيا صن, الهوية والعنف، وبينديكت أندرسون, الجماعات المتخيلة, رويدا عدلان الدراسات الثقافية؛ النشاة والمفهوم ورتشارد غ. ولكنسون، المجتمعات غير الصحية ..علل عدم المساواة وعمير الخليل دليل مصطلحات الدراسات الثقافية والنقد الثقافي، وحفناوي بعلي، مدخل في نظرية النقد الثقافي المقارن 2007، حسين حاج محمدي، مدرسة برمنغهام ماهيتها ورؤاها في بوتقة النقد والتحليل 2019 وجون هيلز واخرون, الاستبعاد الاجتماعي: محاولة للفهم, وكلود دوبار, أزمة الهويات. وجيل دولوز، الاختلاف والتكرار ومحمد نور الدين حيان، إشكالية الهوية والمغايرة في الفكر العربي ،وحسن حنفي،الهوية: مفاهيم ثقافية، وفتحي التريكي, استراتيجيات الهوية، ومحمد عابد الجابري ، نحن والتراث، وغير ذلك من الكتب والاصدرات المتصلة بالدراسات الثقافية والنقد الثقافي. في إطار ما هو متوفر لدينا من مراجع ومن تغذية راجعة. فما الذي يفسر شيوع الخرافة والعنف والتعصب والتطرف والإرهاب في مجتمعاتنا العربية الإسلامية بعد هذا المسار الطويل من نشوء المؤسسات العلمية الحديثة وتخرج ملايين المتعلمين من حملة الشهادات الجامعية من الجنسين؟ . وما علاقة العلم بالثقافة؟ وكيف يمكن أن تكون الثقافة السائدة في مجتمع ما دافعا لتنميته وازدهاره أو معرقلة لنموه وتطوره؟ إن اكتساب معرفة وضعية أو عقلية- أو السعي وراء العلم، والأمر سيان بكثير أو بقليل- يتحدد إلى حد كبير من خلال نظام الفكرة الشاملة الذي يسود في وقت معين في المجتمع. نظم الفكرة الشاملة – التي يقصد بها المعتقدات والمواقف والأعراف الاجتماعية، والافتراضات العامة، والمواقف الدينية والإيديولوجية المحددة – هي ذات أهمية بالغة في تاريخ البشرية. لقد قارنها جوليان هكسلي Julian Huxley بالهياكل العظمية في التطور البيولوجي: فهي توفر البنية للحياة التي تنعشها وتلبسها، وتقرر إلى حد بعيد الطريقة التي ستعيش بها. إن القيم العليا والأهداف التي يطمح إليها المجتمع إنما يتم العثور عليها في الطريقة التي يربى بها أبناءه. وههنا يواجه المرء بحق مسألة ما إذا كان المجتمع يثمّن التحول والتغير أو يفضل النظام القائم أو القديم. فما الذي يفسر نهضة اليابان والصين والهند والنمور الآسيوية الأخرى منذ بداية القرن العشرين ، بعد أن كانت واقعة تحت نير الاستعمار الغربي وتنويعاته المختلفة، مثل ما كانت عليه المنطقة العربية تماما؟ لماذا نهضت شعوب الشرق آسيوية في الشرق الأقصى والأدنى بينما ظل الشرق الأوسط كما كان متخلفا وها هو اليوم بات يشكّل نقطة سوداء في بلاد الشرق والعالم أجمع ؟ هذا في حين كانت اوضاع الدول العربية بالقياس الى البلدان الشرق آسيوية الناهضة اليوم مثل كوريا وسنغافورة وماليزيا وتايوان بل حتى الهند والصين واليابان ، كان وضع بعض الدول العربية وقدراتها الاقتصادية أفضل بكثير من وضع الدول الناهضة قبل نهضتها طبعا؟ لماذا تعثرت حركة النمو والتنمية واليقظة والنهوض في البلاد العربية الإسلامية واين يمكن لنا العثور عن الأسباب التي يمكنها تفسير هذا الأمر ؟!