آخر تحديث :الثلاثاء-17 سبتمبر 2024-11:57م

بعد الثلاثين لا علم ولا خبر!

الأربعاء - 11 سبتمبر 2024 - الساعة 01:29 ص

د. قاسم المحبشي
بقلم: د. قاسم المحبشي
- ارشيف الكاتب


تداعي أفكار بمناسبة عيد العلم
الذي كنا تحتفي به بمثل هذه اليوم
10 سبتمبر من كل عام🏅

تلك العبارة الماكرة، هي كل ما سطر بالذاكرة، من زمن الطفولة المبكرة. ربما كنت في الخامسة حينما اكمل محضار أخي -رحمة الله عليه في مثواه. يكبرني بعشرة سنوات بيني وبينه ثلاثة اخوات احدهن( رينب ) توفاها الله بعد الولادة-
اكمل ختم القرآن الكريم بعد عامين من القراءة عند ( سيدي الفقيه) في المعّلامة ( الُكتاب) مؤسسة التربية والتعليمة العربية الإسلامية التقليدية التي كانت سائدة منذ عصر التدوين حتى عصر التحديث. كان محضار أخي، قرة عيني أبي وأمي في الخامسة عشر ربيعا، ممشوق القوام نحيل مثل السيف ولكنه بهي الطلعة وضاء الوجة واسع العينين، كثيف الحاجبين؛ إذ لا زالت ذاكرتي تحتفظ بصورة حاجبيه المتلاصقين عند منحدر الأنف على شكل جناحي صقر! كان يوما مشهودا ذلك اليوم الذي انطبعت أحداثة بذاكرتي رغم صغر سني والذاكرة كما هو معلوم لا تحتفظ إلا بالذكريات السارة جدا أو المؤلمة جدا! كان احتفالا بهيجا بختم محضار أخي للقرآن الكريم عاد أبي رحمة الله على من الضالع وهو يقود ثور ادعس اللون وذلك لذبحه بمناسبة تخرج محضار من المعلّامة. كان ذلك قبل عشرة أيام من الحدث المنتظر. على قدم وساق جرت الترتيبات بهمة عالية وكانت أمي الحبيبة رحمة الله عليها أكثر افراد العائلة فرحا بتخرج أبنها وقرة أعينها التي تفاخر به نساء القرية. كان يوم الجمعة حينما شاهدنا جمع حاشد من الرجال الملتحفين بالمأزر القصيرة والعمائم المطوية مع بنادقهم المحمولة على الأكناف وجنابيهم البارزة من خواصهم. بحسب عادات ذلك الزمان. كان الفقية يتقدمهم بدون سلاح طبعا وبجانبه محضار أخي
في أوج تفتح ربيع عمره. وعلى بعد مترين منهم يسير حامل الطار الذي يردد الأناشيد والأهازيج المصاحبة لهذا الحدث الاحتفالي المهم ( تخرج محضار عبد عوض المحبشي من المعلامة بعد أن ختم القرآن وحفظه بكفاءة واقتدار) في معلامة أسفل سرار بوادي معربان حيث كان يقيم عند عماته في الشبحي. كان أبي ذي جاه وشأن في المجتمع المحلي ويحظى باحترام وتقدير كل من يعرفه وتخرج ولده من المعلامة زاده جاها ومكانة فضلا عن كونه تاجرا وقادرا على استقبال الجموع وعزومتهم على وجبة غدا عامرة باللحم والمرق والعصيد والعسل والسمن البلدي في ذلك الزمن الشحيح. كان الموكب يقترب من قريتنا في قود الاعصار( زليم) حوالي خمسين كيلو شرق عدن. يقتربون وهم يرددون الأهازيج
التي الدالة على الفرح والتهاني والتبريكات بتخرج محضار أخي من المعلامة:
مبروك لك يا بن عوض هذا الصبي
بعد الثلاثين لا علم ولا جبر!
أكيد عرفتوا معنى الثلاثين هنا؟! لمن لم يفهم
هي تعني ختم الثلاثين جزء من القرآن الكريم . من ختمها بلغ سدرة المنتهى في طلب المعرفة والعلم بحسب معايير ذلك الزمن. واضح جدا أن الغاية الاخيرة من التعليم التقليدي هي دمج الفرد بالجماعة وجعله شديد الخلق والطاعة ويقوم بفروضه الدينية على أكمل وجه ولا شيء آخر يمكن انتظاره أو طلبه . بعكس التعليم في المجتمع الحديث والمعاصر.
نعم هكذا سمعتها ( بعد الثلاثين لا علم ولا خبر😳 )ولم تفارق ذهني منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي؛ قرابة 55 عاما مضت على تلك الواقعة التي عرفت فيها أول مرة في حياتي معنى العلم والتعليم والحفظ والتلقين.
حينما كان أخي هو المتعلم الوحيد في قريتي وكان المصحف هو الكتاب المتاح الوحيد في بيتنا. بعدها بعامين تم تأسيس أول مدرسة حديثة في وادينا الخصيب حيث يزرع أجود أنواع البن في العالم وفي السنة الابتدائية بمدرسة الحرية. كتبت العبارة التي أضاءت عقلي وقلبي
وكنت أتمثلها بوصفها حالة وجودية وليست عبارة خطبة إلا وهي: العلم نور والجهل ظلام!
فمن يتذكر منكم تلك الأيام؟!

ختاما فيما يشبه التحية لعيد العلم

في مثل هذا اليوم قبل 37 عاما حصلت على شهادة التفوق العلمي وميدالية العاشر من سبتمبر ( العيد الوطني للتفوق العلمي) مع ساعة سيكو اتذكر أنني استلمتها من رئيس الوزراء ذلك الزمان الدكتور ياسين سعيد نعمان في قاعة الاحتفالات بكلية الطب خور مكسر. كان يوما بهيجا بالنسبة لي وكل الزملاء والزميلات المكرمين والمكرمات تكريما رسميا.
إذ كان الاحتفاء بعيد العلم والتفوق العلمي تقليديا رسميا سنويا دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي كانت قائمة في عدن حتى التوحيد في ٢٢ مايو ١٩٩٠م وكان يوم العاشر من سبتمبر من كل عام هو عيد العلم والتعليم ومؤسساته من الروضة وحتى الجامعة.
كان يتم تكريم اوائل الطلبة والطالبات في تخصصاتهم العلمية وقد تكرمت حينها بنتيجة حصولي على الدرجة الأولى في قسم الفلسفة والاجتماعية بكالوريوس بتقدير ممتاز ٩٦ درجة بدون غش ولا