آخر تحديث :الجمعة-27 سبتمبر 2024-02:02ص

دور الخلايا المدنية في ثورة 26 سبتمبر (18 ــ 30)

الجمعة - 27 سبتمبر 2024 - الساعة 12:51 ص

د. ثابت الأحمدي
بقلم: د. ثابت الأحمدي
- ارشيف الكاتب


‏لافتات سبتمبرية

إلى جانب الخلايا العسكريّة التي تشكلت من تنظيم الضباط الأحرار، كانت هناك خلايا مدنيّة في تعز، وفي صنعاء، ولعبت دورًا وطنيا رائدًا، لا يقل أهمية عن دور العسكريين في تنظيم الضباط الأحرار. وذلك باعتبار أن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر ثورة شعب بأكمله، لا ثورة تنظيم أو جماعة، كما سنبين ذلك بالتفصيل في حلقة قادمة.

كانت خلية صنعاء مكونة من: عبدالعزيز المقالح، عبده عثمان محمد، أحمد الشّجني، محمد عبده نعمان، عبدالوهاب جحاف. وبحسب إشارة علي محمد عبده، عن علي عبدالمغني، فقد كان عبدالعزيز المقالح أكثر هؤلاء ثقة عند ضباط التنظيم. وإلى جانبِ هؤلاء من المدنيين في صنعاء القاضي عبدالسلام صبرة الذي كان يتواصلُ مع القائم بأعمال السفير المصري حينها محمد عبدالواحد.

وفيما يتعلقُ بخلية تعز التي رأسَها التاجر الكبير عبدالغني مطهر العريقي، فقد كانت على اتصالٍ مُستمرٍ بتنظيم الضباط في صنعاء، بناءً على تنسيق بين مطهر وعلي عبدالمغني، وذلك على اعتبار أنّ الثورةَ ستندلع أولا في تعز؛ حيثُ يقيم الإمام أحمد، ثم صنعاء وبقية المدن بعدها. وتواصل عبدالغني مع المسؤولين في القاهرة، كالسّادات وصلاح نصرٍ وغيرهما، وعاد بتقريرٍ سّلمه لعلي عبدالمغني.

وقد ذكر مطهر في كتابه: "يوم ولد اليمن مجده" أنه كانت له اتصالاتٌ مباشرةٌ ببعض ضباط البعثة العسكريّة المصريّة في اليمن، والتي كان مقرها في صنعاء، رغم الرّقابةِ المشددة من أعين الإمام على من يتصل بهم أو يتصلون به هم، وقد جعلَ من عمله التجاري غطاًء لنشاطه النضالي، فهو يترددُ عليهم، عارضًا عليهم بعض البضائع التي يحتاجونها. يقول: "وقد نجحت هذه الخطة في إبعادِ ما قد يثورُ من شبهاتٍ حول لقائي بأعضاء البعثة العسكريّة المصرية، وأذكر منهم الرائدين: محمود عبدالسلام وصلاح المحرزي. وكانت زياراتي لهم تتم في الصّباح الباكر؛ حيثُ كنت أتفاهم معهم حول الأوضاع القائمة وقتئذٍ في اليمن، وأحمل لهم رسائل وتقارير وافية عن تلك الأوضاع، كي يرسلوها بمعرفتهم إلى كبار المسؤولين في القاهرة.

كما ذكر الأستاذ أحمد قاسم دماج أنّ علي عبدالمغني وعبدالغني مطهر كانا يتصلان بكثير من المدنيين ذوي الأفكار السياسية المناهضة للإمامة، وهذا ينفي صفة الانغلاق عنهم.
مضيفا: وأذكر نزولهما إلى تعز، وعقدهما أكثر من اجتماع ولقاء مع أكثر من جهة سياسية في عام 1962م قبل قيام الثورة بشهور. لقد كان الضباط الأحرار يريدون التعاون مع كل الأطراف الوطنية في الساحة، وكانت هذه الأطراف تعلم عن وجود تنظيم للضباط الأحرار، يسعى جادا للقيام بالثورة.

وفي صبيحة يوم السادس والعشرين من سبتمبر لعب شبابُ حركة القوميين العرب دورًا مُهمًا في تعز، مع أتباعهم موظفي "النقطة الرابعة" في الجانب الدعائي والإعلامي واللافتات التي ملأت بها الشوارع، وكان أبرز قيادات الحركة التي كانت على اتصال بالأحرار آنذاك: يحيى عبدالرحمن الإرياني، وسلطان أحمد عمر، وسعيد الإرياني، ومالك الإرياني، وعبدالرحمن محمد سعيد، وأحمد قاسم دماج. وقد أخبرني الوالد المناضل سعيد الجناحي أنه الذي تبنى نقل كلمة السّر للثوار في تعز من صنعاء، صبيحة يوم الثورة، كونه كان موظفًا في شركة الطيران. ونشرتُ هذا الحديث معه في صحيفة الجمهوريّة في ملحق خاص بمناسبة العيد الذهبي للثورة.

تجدرُ الإشارة هنا إلى أنّ أغلبَ هؤلاء الشباب، كانوا مُنضوين ضمنَ تيّاراتٍ سياسيّةٍ بدأت تظهر على السّاحة من قبل ذلك بسنوات، خاصّة الطلبة الذين عادوا من الخارج، ثم من تأثرَ بهم بعد عودتهم من طلائع الماركسيين الأوائل عن طريق الجنوب، ثم حركة القوميين العرب، ثم التيار الثالث ــ وهو الأبرزُ ــ حزب البعث العربي الاشتراكي، وهناك عناصر أخرى كانوا مستقلين، لا يرتبطون بأيٍّ من هذه التيارات ؛ إلا أنهم حين أسسوا تنظيم الضباط الأحرار وجدوه الأقرب إلى قلوبهم جميعًا، فتناسوا أحزابهم وتياراتهم السياسيّة، وعملوا بروح الفريقِ الواحدِ ضمنَ حزب اليمن الجديد "تنظيم الضباط الأحرار"، المظلة الجامعة للكل. وإلى هذه الجُزئيّةِ أشارَ البردوني في كتابه الثقافة والثورة في اليمنِ في سياقِ حديثه عن التنظيماتِ السياسيّة قبل سبتمبر 62م: ولعل تنظيم الضباط الأحرار كان من شتى تلك التنظيمات، بحكم الطابع العسكري، ومهمة العمل المسلح. كما يذكر البردوني في كتابه: الثقافة والثورة في اليمن.

ونختتم حديثنا هنا بما ورد في كتاب أسرار ووثائق الثورة اليمنية بالقول: "ولم تكن صلة التنظيم مقتصرة على منظمة الأحرار وحسب، فقد كان له صلة مباشرة بالكثير من العناصر الوطنية الشابة في كل من: صنعاء وتعز والحديدة وحجة، وخاصة أولئك الذين كانوا يعملون في الإذاعة، وفي مقدمتهم الأستاذ عبدالعزيز المقالح، والأستاذ عبدالوهاب جحاف، والأستاذ عبدالله حمران، والأستاذ صالح المجاهد، وكذلك الذين كانوا في مركز الهاتف، وفي مقدمتهم الأخ أحمد سرحان، والأخ محمد البرطي، والأخ حسين القواس، وكان الأخ الشهيد علي عبدالمغني مسؤولا عن الاتصال بهؤلاء الإخوة، والتنسيق معهم بتكليف من اللجنة القيادية.

وكما كانت له صلته الخاصة بالأحرار، سواء المدنيين أم العسكريين الذين لم ينتموا إلى التنظيم، فقد كانت له صلته كذلك بالتيارات الحزبية المتواجدة حينها، والتي اندغمت بانسجام ملفت فيما بينها ضد الحكم الإمامي البغيض، ناسية خلافاتها الحزبية، ووفقا لشهادات الضباط الأحرار في كتاب أسرار ووثائق الثورة اليمنية: "إن نظرة وعلاقة تنظيم الضباط الأحرار نحو الأحزاب الثورية كانت نظرة إعجاب وعلاقة نضال وتلاحم ومواقف، تختلف تماما كل الاختلاف عن النظرة والعلاقة والمواقف لبعض التنظيمات العسكرية التي انقلبت على بعض الأوضاع في الوطن العربي، وبعض دول العالم الثالث من التنظيمات الثورية التقدمية التي توجد بساحتها، مما يُثبتُ وجود وعيٍ شامل وناضج لدى قيادة هذا التنظيم، ونظرة بعيدة لمهامه النضالية، تجسدت في أهدافه ومبادئه الستة التي أعلنت صبيحة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962م، واعتبرتها كل الأحزاب والتجمعات الوطنية ترجمة فعالة وحيّة لتطلعاتها وأمانيها.

لقد كان كل من: القاضي عبدالسلام صبرة، عبدالعزيز المقالح، عبدالغني مطهر، سعيد الجناحي، محمد الفسيل، أحمد جابر عفيف، عبدالله حمران، صالح سحلول، أحمد عبدربه العواضي، سنان أبو لحوم، عبدالله بن حسين الأحمر، حسن محمد مكي رموزا ثورية مدنية، لعبت دورا نضاليا رائدًا، جنبا إلى جنب مع بقية الجماعات والتنظيمات الأخرى. وغيرهم كثير أيضا.
د. ثابت الأحمدي