آخر تحديث :الأربعاء-09 أكتوبر 2024-01:25ص

الجماعات الدينية.. على الشعوب أن تستفيق

الأربعاء - 09 أكتوبر 2024 - الساعة 01:17 ص

نشوان العثماني
بقلم: نشوان العثماني
- ارشيف الكاتب


لماذا نقول إنه من المستحيل على الجماعات الدينية أن تكون حركات تحرر وطني؟

وكيف أنها لا تؤمن أساسًا بفكرة الوطن؟


(1)

الدين، كما يفترض أن يكون، لم يوجد لأجل الوطن بل لأجل الإنسان.

الدولة وطنها هنا على هذه الأرض، في هذه الحياة ووُجدت لأجل ذلك، فيما للدين وطن آخر مختلف تمامًا هناك في العالم الآتي في الحياة القادمة وليس هنا.

للدولة وظيفتها الأهم في رعاية مواطنيها بغض النظر عن أديانهم ومعتقداتهم، بينما الدين، من جهة أخرى، يهتم بسلوك الإنسان وقيمه وإيمانه ذات اللون الواحد.

الدولة موجودة على هذه الأرض، بينما الدين يوجه الإنسان نحو حياة أخرى.


هناك وطنان مختلفان جذريًا، (بينهما برزخٌ لا يبغيان.)

اسألوا أي متدين، قولوا له: ما هو وطنك؟ وأين يقع؟

سيقول مباشرة: الجنة.

وهذه الأرض ليست جنة، لكنها طريق إلى الجنة.

الوطن في النص متعدد الأبعاد، ليس محددًا وليس هنا، إنما هناك.

بينهما برزخ هائل جدًا لا يلتقيان.


(2)

حركات التحرر تُعنى بتحرير وطن معروف ومحدد من الاحتلال أو السيطرة الأجنبية.

هذه الحركات تُركز على قضايا الهوية الوطنية، السيادة، وتحرير الشعوب من القمع قصد أن توجد الدولة الوطنية، دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية والمساواة، دون أن تعبأ بالفروقات والخلفيات الخاصة بمواطنيها، خاصة الدينية منها.

جوهر حركات التحرر يتجلى في سعيها لتحقيق استقلالية وطنية وسياسية، ورفع صوت الجماهير في مواجهة الغزو الخارجي.


كيف تفتقر الجماعات الدينية لمفهوم التحرر؟

الجماعات الدينية مختلفة، ضيقة الأفق دائمًا وتمامًا.

هذه الجماعات تعتمد (ترتكز على) أيديولوجيات قائمة على مفهوم الخلافة أو الولاية (بحسب المذهب)، ما يعني أنها في جوهرها مبرمجة على الغزو، ولذلك لا تسعى إلى تحرير وطن كما تفعل حركات التحرر، بل تهدف إلى توسيع حدودها الأيديولوجية، ما يتناقض مع مفهوم التحرر الوطني جذريًا.

وإذا ما حررتْ وطنًا من غزو أجنبي، تحولت هي لأن تحل محله كغزو داخلي؛ بأن تستلب هذا الوطن لصالح إطارها المذهبي الخاص بها.


لأنه من كان مبرجًا على الغزو، لا يحرر وطنًا إلا ليغزوه هو، والفارق فقط أن هناك من يغزوه من الخارج مقابل من يغزوه من الداخل.


وفي واقع الأمر، ومما نراه الآن، تقوم هذه الجماعات بمحاربة شعوبها أولًا ودول أخرى، ليس انطلاقًا من مفهوم الوطن الذي يتم الدفاع عنه، بل وفقًا لمصالحها وأفكارها الخاصة وايديولوجيتها القائمة على "تمدد إذا استطعت"، وفي ظل وطن مفتوح غير محدد المعالم يحدد المذهب اتساعه المتاهي.

(ثمة دولة تحتل أربع دول، وبإمكانها أن تحتل أكثر أينما وُجد ذراع المذهب/حصان طروادة!)


(3)

الوطن لدى الدولة ذو سيادة مقدسة ويعني كل شيء.

الوطن لدى الفكر الديني حفنة تراب ليس إلا.


(4)

عدم تحييد الدين عن الدولة والفضاء العام يؤدي إلى سلب إرادة الناس العامة وحرياتهم لصالح أيديولوجيا جماعة معينة.


ولذلك نقول إنّ فكرة الوطن إنْ وُجدت لدى الجماعات الدينية فلن تكون إلا وطن المذهب فقط والآخرون إما خدمًا لهذا اللون أو جواسيس ضده، "من ليس معنا فهو جاسوس وعميل"، بل "من ليس معنا فهو كافر".


بالطبع،

يجب أن نؤكد على حق كل إنسان في التدين، لكن شريطة أن يكون هذا الأمر خاصًا به، دون فرضه على الآخرين أو على المجتمعات.

التدين الفردي يُحترم جدًا، بل هو حق أصيل ومقدس، نرفع له القبعة.


(5)

مرة أخرى، الجماعات الدينية لا تستطيع أن تكون حركات تحرر بالمطلق، فهي لا تسعى لتحرير الأوطان بل لتوسيع نفوذها، مما يبرر الحاجة الملحة لتحييد هذه الجماعات عن أي خيارات سياسية أو اجتماعية تخص الشعوب والدول.

وللحفاظ على الهوية الوطنية والحريات العامة يتطلب وبالضرورة استبعاد الأيديولوجيات الدينية من شؤون ومناحي الدول، لضمان حقوق الجميع دون تمييز.


طالما هناك جماعات دينية يعني بالضرورة هناك تمييز.

وطالما هناك تمييز يعني لا مواطنة.

واللا مواطنة بالتالي تعني اللا وطن.

واللا وطن يعني الغابة.

والغابة تعني هذه الفوضى التي تريدها هذه الجماعات المبرمجة على الغزو والتي لا تجلب لشعوبها إلا الغزو بأشكاله المختلفة.


(6)

وعلى الشعوب أن تستفيق.