آخر تحديث :الإثنين-14 أكتوبر 2024-01:54ص

ثورة ١٤ أكتوبر المجيدة، وسقوط جدار التشطير الثالث!

الإثنين - 14 أكتوبر 2024 - الساعة 12:58 ص

همدان الصبري
بقلم: همدان الصبري
- ارشيف الكاتب


بادئ ذي بدء، أكتوبر مجيد وكل عام واليمنيين -أحفاد سبأ وحِميّر- متحدين ومتماسكين ومترابطين ومتعاضدين ومتعاونين ضد كافة أشكال الاحتلال الداخلي والخارجي، وسواءً كان ذلك احتلالًا فكريًا أو احتلال للأرض أو احتلال للسلطة والثروة.


قام أحفاد سبأ وحِميّر في ثورة الـ ١٤ من أكتوبر المجيدة من هدم جدار التشطير الثالث من حيث ترتيب السقوط -ولكنه الأول من حيث النشأة-، والمتمثل بجدار الاحتلال البريطاني. هذا الجدار التشطيري أو ما كان يسمى بحدود النواحي التسع، أنشأته بريطانيا بشكل تدريجي ابتداءً من عام ١٨٠٢م، عندما وقعت اتفاقية تجارية مع العبدلي يمنحها النفوذ والسيطرة، ووصولاً إلى توقيع اتفاقية مع الدولة العثمانية (الأتراك) في عام ١٩١٤م لترسيم حدود ومناطق النفوذ والسيطرة لكليهما، ونشأ مع ذلك تقسيم جغرافي ولغوي مرتبط بمسمى الاتجاهات "جنوب وشمال".

وكان قد سبق ثورة أكتوبر المجيدة الخالدة، أن قام أحفاد سبأ وحِميّر بإسقاط جدار التشطير الثاني في ثورة الـ ٢٦ من سبتمبر المجيدة الخالدة، المتمثلة بإسقاط بقايا وشظايا وغرباء الاحتلال الفارسي (أو احتلال الكهنوتية السلالية)، وبمعنى آخر إسقاط كل من احتلال أحفاد "الأبناء" (أي أحفاد باذان وجماعته من خريجي السجون الفارسية"، واحتلال أحفاد الرسي. ولا بد الإشارة هنا إلى إن أول تشظي لمناطق اليمن الواقعة في الجنوب إلى سلطنات ومشيخات وإمارات صغيرة، كانت قد بدأت في نهاية الدولة القاسمية (دولة أحفاد باذان والرسي)، وذلك بسبب محاولة فرض ونشر مذهب الفكر العكفوي بالقوة على بعض أجزاء المناطق اليمنية الواقعة في الوسط والجنوب، وتُعد تلك الفترة أشد فترة تمزقت فيه أرض سبأ وحِميّر إلى كينونات متناهية الصغر!. وإضافة إلى ذلك، قام الإمام البغيض يحيى حميد الدين، الذي يٌعد امتداد للدولة القاسمية (أحفاد باذان والرسي) من توقيع اتفاقية مع البريطانيين لترسيم حدود أرض سبأ وحِميّر (الموحدة) إلى شمال وجنوب في عام ١٩٣٤م، علمًا أن هنالك علاقة وطيدة كانت وما تزال تربط ما بين البريطانيين والكهنوتية السلالية إلى يومنا هذا!.


وكان قد سبق سقوط جداري التشطير السابقين (أي البريطاني والفارسي)، سقوط الجدار الأول أو ما كان يسميه العثمانيين بالخط الأزرق، والمتمثل بجدار الاحتلال التركي (العثماني)، حيث ان الأتراك وقَّعوا اتفاقية تقسيم اليمن إلى شمال وجنوب وترسيم مناطق النفوذ مع البريطانيين في عام ١٩١٤م؛ ولكن ذلك الجدار سقط نتيجة صراع بين كلا المحتلين في الحرب العالمية الأولى، حيث اُجبرت الدولة العثمانية بموجب هدنة مودروس في عام ١٩١٨م، إلى مغادرة جميع مناطق نفوذها في اليمن، وغيرها.


ولكن للأسف الشديد أن تلك الجدران التشطيرية الثلاثة لم تهدم كليًا، ولم يتم إزالة أساساتها وردم فجواتها بشكلٍ تام، وعادت بأشكال مختلفة وأيديولوجيَّات متخفية عابرة للحدود؛ منها من عاد تحت عباءة إيديولوجية الخلافة التي تعكس الجدار الأول، ومنها من تدثر تحت غطاء الجمهورية ورجع بصورة "إمامية ولاية الفقيه" التي تمثل الجدار الثاني، ومنها من عاد تحت سترة تفاوضية ووساطة أممية لتقديم مشاريع تقسيمية متعددة والتي تمثل الجدار الثالث.


ويجب على النشء والشباب اليمني من أحفاد سبأ وحِميّر في كافة أرجاء الوطن أن يفهموا تاريخ أرضهم وحضارة آبائهم وأجدادهم جيدًا، وأن يدركوا ان مسمى "جنوب وشمال" لم يظهر إلا عند تقسيم الأرض اليمنية وترسيم حدود النفوذ بين المحتل البريطاني والتركي والفارسي، ولم يستمر ذلك المسمى إلا بمعاهدة بريطانيا مع أصدقائهم المقربين المتمثلين بـ الكهنوتية السلالية، أي عقب إقامة الثلاثة الجدران التشطيرية (البريطانية، التركية، الفارسية الكهنوتية السلالية). إضافة إلى ذلك، من وجهة نظري الشخصية المتواضعة، أرى بأن تسمية يوم الـ ٢٢ من مايو ١٩٩٠م بيوم "الوحدة" تسمية غير دقيقة وغير سليمة؛ لأن الإنسان والأرض اليمنية موحدة على مر التاريخ؛ بل أن التسمية الأصح لذلك اليوم، يجب أن يطلق عليه بـ يوم "هدم جدران التشطير الثلاثة" المتمثلة بـ جدار المحميات التسع، وجدار الخط الأزرق، وجدار أحفاد باذان والرسي!.


وحريًا بنا الإشارة كذلك إلى أن أول ندوة عن "الحضارة اليمنية القديمة" التي تُعنى بالنقوش والمخطوطات والإرث الحضاري المرتبط بالتاريخ اليمني القديم والإسلامي والمعاصر، عقدت في مدينة عدن الحبيبة سنة ١٩٧٥م (أي قبل ما يسمى بيوم الوحدة!)، وأنه في تلك الندوة تم تشكيل لجنة خاصة بالإرث الحضاري السبئي، وخرج على إثرها كتاب "المعجم السبئي" وطبع سنة ١٩٨٢م. بعد ذلك عقدت خمس ندوات أخرى ما بين عدن وصنعاء (كانت متقطعة وتعقد كل أربع إلى خمس سنوات)، ونتج عنها العديد من الأعمال التاريخية، ومنها كتاب عن الهمداني وأعماله وتراثه، وكانت أخر ندوة (الندوة السادسة) في عدن "عدن الحضارة والتاريخ في ٢٠٠٧م"؛ ولكن للأسف توقفت تلك الندوات فجأة دون معرفة الأسباب!. بالتأكيد، بل قطعًا أن وراء ذلك التوقف أعداء الهوية اليمنية، وخصوم الحضارة السبئية، و مناوئين الإرث الحِميّري!.


ختامًا، يجب على أحفاد سبأ وحِميّر الحذر والحيطة من كل سبل الفتن وطرق الشرذمة ووسائل التقسيمات المفتعلة من قبل حفنة أحفاد "الأبناء والرسي" المتواجدين في شمال وجنوب الوطن، وإعادة هدم الجدران التي ظهرت مجددًا، التي تٌعد امتدادًا للجدران الثلاثة السابقة؛ ولا بد هذا المرة من أن يتم هدمها من الأساسات، واقتلاع جذورها كاملة، وردم فجوتها. وهي كذلك دعوة للأكاديميين المتخصصين (من أحفاد سبأ وحِميّر) في التاريخ والآثار والنقوش واللغويات من إعادة تفعيل نشاط عقد الندوات الخاصة بـ "الحضارات اليمنية القديمة" بشكل سنوي أو نصف سنوي؛ نظرًا للتهديدات والمخاطر الماثلة أمامنا اليوم، من محاولة تجريف للهوية اليمنية، وتمييع الانتماء الوطني، وطمس معالم التاريخ والحضارة، والسعي لتقسيم وشرذمة أرض سبأ وحِميّر!.