آخر تحديث :السبت-21 ديسمبر 2024-05:06م

تجارب روحية

الأربعاء - 23 أكتوبر 2024 - الساعة 01:31 ص

نشوان العثماني
بقلم: نشوان العثماني
- ارشيف الكاتب


القول بأن الإسلام هو الدين الوحيد وأن باقي الأديان ما هي إلا "شرائع" ليس فقط قراءة انتقائية للتاريخ الديني، بل يتجاهل حقيقة أن البشرية تعتنق أديانًا متعددة منذ آلاف السنين. ولا يقتصر هذا الرأي على طمس أديان قائمة فحسب، بل يحمل في طياته إلغاء كامل للاعتراف بالآخر وبخياراته الروحية، ما يثير تساؤلات جوهرية حول مدى قدرة مثل هذا الوعي على قبول المختلف والتعايش معه!

البوذية، الهندوسية، المسيحية، اليهودية، البهائية، وعديد الأديان الأخرى ليست مجرد مذاهب عابرة، بل هي تجارب روحية واجتماعية شكلت مسارات حياة الملايين عبر التاريخ.

البشر اختاروا أن يتبعوا هذه الأديان وفقًا لبيئاتهم وثقافاتهم، ولكل دين معتنقوه الذين يرونه الحقيقة الكاملة.

لو نشأ الإنسان في بيئة بوذية، سيكون من الطبيعي جدًا أن يرى البوذا أهم شخصية روحية، وسيكون مقتنعًا بأن تعاليمه هي الطريق إلى الخلاص. هذا لا يعني أن البوذية هي الحق الوحيد، بل يعني أن التجربة الإنسانية متأثرة بالبيئة والتربية، وأن الحقيقة الدينية ليست مطلقة عند فرد واحد أو دين بعينه، بل هي نسبية ومتعددة الأوجه.


والسؤال الذي يسدح نفسه هنا:

كيف يمكننا أن نحكم على دين بأنه "أجمل" أو "أفضل" من غيره؟

الإجابة، بعيدًا عن الإيديولوجيات المغلقة، تتجسد في ممارسة أصحاب الدين لعقيدتهم.

الدين ليس مجرد نصوص أو عقائد جامدة، بل هو ما يعكسه على حياة الناس الذين يعتنقونه.

فإذا ما كان هذا الدين يدعو إلى المحبة والتسامح والتعايش، فسترى ذلك في سلوك أتباعه. أما إن كان يدعو إلى الكراهية والتعصب، فسيكون ذلك واضحًا أيضًا.


والدين إن لم يكن حبًا، فهو يفقد جزءًا كبيرًا من قيمته. لأن جوهر الأديان، في النهاية، هو إرشاد الإنسان إلى الخير وتحقيق التوازن الروحي والنفسي في الحياة.

أدرك أن الحق -من بين كل ذلك وقد لا يكون دينًا بالمعنى التقليدي للكلمة- يبرهن عن ذاته، ولا يمكن لأحد حجبه، لن يستطيع. لكن ذلك متروك لخيار الإنسان.

الإنسان هو من يقرر، وعلينا احترام وتقدير الإنسان فيما يختاره لذاته.

التجارب الروحية العظيمة عبر التاريخ لطالما كانت في جوهرها دعوات للحب والخير والعدالة، وأي دين لا يُنتج هذا الحب في قلوب معتنقيه يفشل في تحقيق رسالته.


وفي ظل الواقع المتعدد الأديان، يصبح الحوار بين الثقافات والأديان ضرورة ملحة.

العالم لا يمكنه أن يستمر في بناء جدران الكراهية والتعصب، بل يحتاج إلى بناء جسور التفاهم والتعايش.

ولا يحق لأي إنسان أن ينفي الحق عن الآخر لمجرد أنه يعتنق دينًا مختلفًا.

الاعتراف بالآخر وبشرعية دينه وفكره هو الخطوة الأولى نحو بناء عالم أكثر تفاهمًا وسلامًا، بدءًا بالصداقات بين الأفراد.

الآخر ليس بعيدًا عنك وليس الجحيم وليس اللا معنى له، إنما الآخر أنت.