والإنسان العاقل (باللاتينية: Homo Sapiens) هو الاسم العلمي للنوع الوحيد الغير منقرض من جنس الأناسي والمعروف بهومو (باللاتينية: Homo)، الذي يحتوي أيضاً على نياندرتال وأنواع أخرى من القردة العليا.
صاغ كارولوس لينيوس الاسم الثنائي للإنسان العاقل (Homo Sapiens) في عام 1758، وهو اسم لاتيني؛ الجزء الأول منه homō بمعنى الإنسان، بينما تكون كلمة sapiēns صفة بمعنى المتميز، الحكيم، أو العاقل. الكائن الوحيد الذي يمتلك القدرة على تعقل العالم ومنحه المعنى. فمن الإنسان لا من غيره انطلقت مسيرة الفكر البشري منذ أقدم العصور وقد كان جسد الكائن وعقله وحواسه وحدسه هي ادواته المتاحة للتعرف على عالمه وفهمه وتدبير العيش فيه ومازال كذلك إلى يوم الدين.
ومن ذات الإنسان العاقل الحالم انطلقت النظرة إلى الكون والكينونة بوصفها روح وجسد، ذكر وأنثى، واقع وفكر، مادة ومعنى، علم وسحر، حضور وغياب، شاهد وغائب.الخ.
وقد تم النظر إلى الكون بوصفه ذكرا وأنثى، أرضا وسماءا وهكذا اعتقد الصينيون أن الكون ينقسم إلى الين واليانج، أي الأنوثة والذكورة الـyang يرمز إلى مبدأ الذكورة والعنصر الايجابي الفعال المنتج السماوي وعنصر الضوء والحرارة والحياة، والـ yin ويرمز إلى الأنوثة العنصر السلبي المنفعل، الأرضي عنصر الظلمة والبرودة والموت.
والحقائق كلها يمكن ردها إلى تعارض واتحاد العاملين الأساسيين في الكون, الذكورة الأنوثة أي اليانج والين. كان من شأن هذا الاعتقاد الأسطوري, أن يعمق الهوة بين الرجل والمرأة ويمنح الرجل الذكر مكانه أرفع من مكانة المرأة الأنثى.
وحينما اعتقد أهل اليونان أن العقل يحكم الكون، وان الرجل هو الكائن العاقل الوحيد، وأن المرأة كائن حسي غير عاقل، برروا النظرة الدونية للمرأة.
وحينما اعتقد العرب قبل الإسلام بان الأنثى كائن يجلب العار ويضعف الرجال، شرعوا عادة وأد البنات… وحينما يعتقد بان جسد المرأة وصوتها ووجهها من العورات فلابد أن نختفي عن الأنظار وتحتجب عن الغرباء من الرجال.
هذا معناه أن سلوك الناس وتفاعلاتهم وعاداتهم وتفضيلاتهم وأفعالهم وردود أفعالهم ومؤسساتهم ونظمهم وتقاليدهم لا يمكن تفسيرها وفهمها من خلال تمظهراتها المباشرة، بل لابد من الذهاب إلى ما ورائها، من المنطلقات والأسس العقيدية واللاهوتية أو الفلسفية, كما أن اعتقادات الناس في أي زمان ومكان ليس مجرد أفكار أو تصورات معنوية وكلمات ومفاهيم معرفية مجردة، بل هي نتاج قوى اجتماعية وسياسية وثقافية نشأت وترسخت عبر مسار طويل من الخبرات والتجارب والممارسات في أنماط سلوك وعادات وخبرات أو هابتوس ((Habitus)) عادة أو طبع أو نسق الاستعدادات والتصورات اللاشعورية.
ورغم أننا نعلم أن قصة استبعاد المرأة وتهميشها وقمعها وإقصائها وتحقيرها وسحقها وقهرها وإخفائها من عالم الإنسان “الرجل” يعود إلى جملة من الأسباب والشروط التاريخية والاجتماعية في الأزمنة البدائية جداً، إلا أن استمرار هذه الحالة المؤسفة حتى العصر الحديث يثير الحيرة والعجب. وهذا يعود في نظرنا إلى خطورة الاعتقادات والتصورات والآراء والأوهام والعادات التي تترسخ في حياة الناس ويتوارثوها جيل بعد جيل كأنماط ونماذج للسلوك، أو ” الهابيتوسات” حسب عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو.
يقول عالم النفس التربوي الأمريكي ” أرثر كوفر” في كتابه ” خرافات في التربية” “يسلك الناس وفقاً لما يعتقدون. فإذا اعتقدت أن شخصاً أمين فسوف أثق به, وإذا اعتقدت أنه غير أمين فلن أثق به. إننا نسلك وفقاً لما نعتقد .وحينما تكون معتقداتنا صحيحة وصادقة, نستطيع أن نحدث قدراً كبيراً من التقدم. أما إذا كانت معتقداتنا خاطئة فإنها تعوق هذا التقدم وتحبط آمالنا، وتعرض الحياة الإنسانية ذاتها إلى الخطر”.ولقد ذهب كل جيل ضحية لمعتقداته ولخرافاته وأوهامه وأساطيره.
وربما كانت مغامرة العقل الإنساني الكبرى تكمن في محاولة نزع السحر عن العالم. وقد مرت تلك العملية في ثلاث مراحل أساسية؛
مرحلة الفلسفة اليونانية التي نزعت السحر عن الطبيعة وحاولت لأول مرة في تاريخ الفكر البشر تأمل الوجود وتعقله بعيون إنسانية وليس أسطورية حيوية سحرية كما كان الأمر في الأزمنة الشرقية القديمة حيث كانت تمتزج الطبيعة بالتاريخ والأسطورة بالعلم. وربما كانت المعجزة اليونانية كما يقول جون بيير فرنان في كتابه، الفلسفة في مواجهة الأسطورة.
وكانت المرحلة الثانية هي تلك التي بدأت بعصر النهضة الأوروبية ومشروع الحداثة الغربية المتمثلة في نزع السحر عن التاريخ. إذ أنطلقت النهضة من تأكيد قيمة الإنسان وقدرته على صناعة التاريخ، فأنها في بدء الأمر قد اكتسبت بعدين أساسين:- البعد الأول يتمثل في نقد كل ما يحول دون انطلاقة الإنسان ويكبل قواه وهذا ما شهده القرن السابع عشر، الذي يعد قرن تحطيم الأوثان، إذ كان ملتون في ملحمة “الفردوس المفقود” يهاجم بلا هوادة المؤسسات التقليدية، ويرى “أن أعظم عبء في العالم هو الخرافة، ليست المتعلقة بالطقوس الكنسية وحدها، بل بالآثام المتخلية وبفزاعات الإثم في البيت أيضا” وفي كتابه “الاوياثان” 1651 سار هوبز بهذه النزعة النقدية ضد الخرافات والأوثان إلى نهايتها المنطقية
فالوثنية كما يقول هوبز عبارة عن عبادة الوثنيين لأفكارهم ذاتها، ولم تكن تلك العبادة ممكنة لولا أن الوثنيين الغارقين في ضلال الجهل لم يدركوا أن أفكارهم ليست مكتفية بذاتها، بل سببتها الأشياء الخارجية وتوسطتها ملكة التمثيل”ويلخص ماكس فيبر مشروع النهضة وغايتها في نزع السحر عن التاريخ وتأكيد قدرة الإنسان على صناعته بعقله وحواسه ونشاطه.
وربما كانت المرحلة الثالثة هي مرحلة نزع السحر عن الإنسان وتلك هي الثورة الأخيرة التي جاءت حصيلة لتضافر علم الفلك وعلم الاحياء وعلم النفس والفلسفة. إذ أن فكرة داروين عن صيرورة الحياة وارتقائها وصراع الانواع قد وجدت هوى في نفس نيتشه.
عندما انطلق من اعتبار الكائن الانساني ارقى ما وصلت اليه الحياة في صيرورتها, ومن ثم فالحياة او الانسان “هو ارادة اقتدار” في تجاوز اللحظة الراهنة باتجاه الاعلى المستقبل. وهذا الأخير هو “عود ابدي للذات”لقد اراد نيتشه ان يجيب على السؤال: ما هو الانسان؟ ما هي كينونة الكائن؟.. وكان جوابه: انه “ارادة اقتدار” وعود ابدي لذات النفس”.. وتتعلق فكرة ارادة الاقتدار في قدرة الموجود على تجاوز وجوده، في حين تتعلق فكره العود الابدي، بالكائن في كلية – وهي القبول الأعلى للحياة وللكائن.
فالفكرة تلك لا يمكن أن تفكر الا اذا توصل الانسان الى تخطي آخر الرجال, اذا توصل الى الإنسان الاعلى. إذا كان ماركس قد سار بفكرة هيجل الجدلية الكلية الى نهاية الشوط, ملحًا على الانسان الاجتماعي الكلي – الإنسان؛كمجموع علاقات اجتماعية وتلك العلاقة والتفاعلات هي التي تصنع التاريخ , فان صرخة نيتشه قد أنطلقت مما انتهى اليه فيورباخ الذي كان أول من بسط الله كجوهر للإنسان أستخلص هذا الأخير من دراسته الأنثروبولوجية للدين التأكيد إن الله لم يكن في حقيقة الامر الا المضمون الجوهري للذات الإنسانية المستلبة- الله هنا بالمعنى المسيحي طبعا.