آخر تحديث :السبت-16 نوفمبر 2024-01:09ص

كيف أنجز سلطان الجابر المهمة الإماراتية المستحيلة؟

الجمعة - 15 نوفمبر 2024 - الساعة 11:01 م

هاني سالم مسهور
بقلم: هاني سالم مسهور
- ارشيف الكاتب


لن تغادر الذاكرة الوطنية الإماراتية مشهدية تسليم رئيس مؤتمر الأطراف للمناخ الدكتور سلطان الجابر (المطرقة) إلى دولة أذربيجان معلنا نجاح الرئاسة الإماراتية، وما شهدته القاعة من تحيّة للإمارات هو بالتأكيد لحظة كبيرة تؤكد التقدير العالمي لما شكلته الرئاسة الإماراتية لمؤتمر المناخ في ما سجلته وثيقة (اتفاق الإمارات 2023) باعتبارها الإطار المرجعي للطموح المناخي العالمي والتنمية المستدامة، وتضمن إجراءات وإنجازات غير مسبوقة عبر جميع أهداف العمل المناخي، من أهمها تكريس التوافق على تحقيق انتقال مُنظّم ومسؤول وعادل ومنطقي وواقعي في قطاع الطاقة، ووضع أهداف لزيادة القدرة الإنتاجية العالمية لمصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات ومضاعفة كفاءة الطاقة والحد من إزالة الغابات بحلول عام 2030، هذا الإطار الذي توافقت عليه دول العالم في قمة المناخ الاستثنائية التي عقدت في مدينة إكسبو دبي هي قصة نجاح إماراتية عظيمة لم تأت من العدم فلها جذورها التي لا بد وأن يعاد دائما التذكير بها.


المهمة بدأت منذ أن قررت القيادة الإماراتية مع انعقاد مؤتمر الأطراف (كوب 27) في شرم الشيخ المصرية أن تكون الإمارات مستضيفة للدورة التالية، ومع إعلان فوز الإمارات التقطت صورة للدكتور سلطان الجابر وهو يرفع علم الإمارات فيما بدا للحضور أنه احتفال رسميّ بالاستضافة بينما كان يرفع العلم معلنا تحديّا سيقوده وهو الشخصية المعروفة في أوساط الطاقة بأنه يرأس إحدى أكبر الشركات المنتجة للنفط الأحفوري في العالم، فيما تلا ذلك أعلنت الإمارات تكليف سلطان الجابر برئاسة مؤتمر المناخ، وتعهدت الدولة بتقديم النسخة الاستثنائية وتحقيق الهدف الذي عجزت دول العالم عن تحقيقه منذ اتفاق باريس 2015، فالتعهدات الإماراتية مع الشخصية التي كلّفت برئاسة المؤتمر فتحت بابا واسعا من النقاشات الجدليّة التي تم تداولها علانيّة في كافة وسائل الإعلام الدولية، كيف لشخصية ترأس أكبر شركة بترولية أن ترأس مؤتمرا للمناخ يهدف إلى خفض الاعتماد على النفط؟


المهمة التي بدت مستحيلة تحققت لأن الإمارات جعلت من الاستدامة طموحا ملموسا ومنجزا، وأعادت تشكيل النقاش العالمي حول كيفية تحقيق تحولات منطقية وعادلة في قطاع الطاقة


المعادلة التي رآها العالم مستحيلة كانت الإمارات تراها فرصتها للفوز، أتذكر هنا أن فرصة أتيحت إليّ شخصيّا أن أسأل الدكتور سلطان الجابر عن هذه المهمة المستحيلة، ولم تغادرني إجابته المدهشة والموجزة حين ردّ “نحن عيال زايد لا يوجد في قاموسنا.. المستحيل، أدعوك للمراقبة وأعدك أننا سننجح،” تبدو رؤية رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ـ حفظه الله ـ منذ اللحظة الأولى للتقدم باستضافة مؤتمر الأطراف كانت واضحة وكان يدرك المسار ويعرف تماما ماذا يريد وكيف سيحقق ما يريد، الإمارات منذ بداية الألفية الميلادية كانت قد بدأت في الاستثمار في مجال الطاقة النظيفة وأخذت توسع من أنشطتها في الطاقة المتجددة، أنشأت “شركة مصدر” المتخصصة في إنتاج الطاقة النظيفة لتكون الذراع الإماراتية في هذا المجال، وللمفارقة فكما أن سلطان الجابر يرأس شركة أدنوك النفطية فهو يرأس كذلك شركة مصدر المنتجة للطاقة المتجددة.


النجاح الذي حققه الدكتور سلطان الجابر في قيادة مؤتمر الأطراف للمناخ، والذي أطلق عليه مهمة “إماراتية مستحيلة”، لم يكن سوى تجسيد حي لرؤية القيادة الإماراتية وحنكة الجابر في تحقيق التوازن بين الاستدامة والطموح الاقتصادي. فما ظنه البعض تناقضا بين كونه رئيسا لشركة نفطية كبرى مثل “أدنوك” وبين قيادته لمؤتمر عالمي يهدف إلى الحد من انبعاثات الكربون، كان في الواقع فرصة نادرة لتقديم نموذج استثنائي للتغيير.


لقد استطاعت الإمارات بقيادة سلطان الجابر، ومن خلال وثيقة “اتفاق الإمارات 2023”، أن تحقق إجماعا عالميا على إستراتيجية طموحة لمواجهة تحديات المناخ، متجاوزة الخطابات التقليدية إلى أفعال ملموسة. فالاتفاقية التي انبثقت من مؤتمر إكسبو دبي وضعت خارطة طريق واضحة تهدف إلى تحقيق توازن منطقي وعادل في انتقال قطاع الطاقة نحو الاستدامة. ولعل من أبرز معالم هذه الوثيقة، الالتزام بزيادة القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة ثلاث مرات بحلول عام 2030، والتأكيد على مضاعفة كفاءة استخدام الطاقة. وقد أعطى هذا الإطار الإستراتيجي دفعة قوية لتحول قطاع الطاقة العالمي، مع ضمان توفير العدالة في هذا التحول بما يراعي متطلبات الدول النامية والدول المنتجة للنفط.


لقد أدركت القيادة الإماراتية بقيادة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أن التصدي لقضية المناخ لم يعد ترفا بل ضرورة وجودية، وهو ما ترجم إلى استثمارات إستراتيجية ضخمة في قطاع الطاقة المتجددة، ليكون للإمارات دور قيادي في رسم مستقبل الطاقة النظيفة. فإطلاق شركة “مصدر” لم يكن خطوة رمزية، بل مشروعا إستراتيجيا يعبّر عن التزام حقيقي وملموس بتحقيق الاستدامة. وتولي الدكتور سلطان الجابر قيادة هذا المشروع بالتزامن مع رئاسته لشركة “أدنوك” أظهر قدرة الإمارات على بناء نموذج تكاملي يجمع بين الحاضر والمستقبل، ويوازن بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة.


المهمة التي بدت مستحيلة تحققت لأن الإمارات جعلت من الاستدامة طموحا ملموسا ومنجزا، وأعادت تشكيل النقاش العالمي حول كيفية تحقيق تحولات منطقية وعادلة في قطاع الطاقة. التحديات التي واجهت سلطان الجابر كانت كثيرة، بدءا من الشكوك التي أثيرت حول قدرته على الموازنة بين مواقعه المختلفة، وصولا إلى الضغوط الدولية لتحقيق تقدم حقيقي في مسار العمل المناخي. لكنه، كعادته، كان مثالا للقيادة الواثقة، مؤمنا بأن الإمارات تمتلك القدرة على قيادة هذا التحدي بنجاح، فاليوم، حين نقف أمام إنجازات مؤتمر المناخ في دبي، ندرك أن ما تحقق لم يكن صدفة، بل نتيجة تخطيط دقيق وإرادة قوية، جسدها الدكتور سلطان الجابر بقيادته وحسن إدارته. لقد تمكن من تحويل “المهمة المستحيلة” إلى واقع ملموس، وأثبت للعالم أن الإمارات تستطيع قيادة الحوار العالمي نحو مستقبل أكثر استدامة، بالعمل والإنجاز لا بالكلمات فقط، سلطان الجابر من مدرسة محمد بن زايد التي تخرج منها القيادات التي تصنع المستحيلات، فكما يرفرف علم الدولة الإماراتية في المريخ يرفرف على كل جزء من كوكب الأرض وإلى كل مكان في الكون يصل له الإماراتي.