أعاد إعلان السلطات المحلية في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن اكتشاف كميات من المواد الغذائية منتهية الصلاحية في مستودعات برنامج الأغذية العالمي الحديث داخل الأوساط اليمنية عن الفساد المستشري في المنظمات الدولية العاملة في اليمن وتبديد الدعم الدولي الموجه للإغاثة في البلاد التي تعصف بها الحرب. ووفقا لوسائل إعلام يمنية، فقد ضبطت السلطات المحلية في عدن كميات كبيرة تالفة من المواد الغذائية وحليب الأطفال في مخازن تابعة لبرنامج الغذاء العالمي تقدر بأكثر من مليون طن بتكلفة بلغت مئات المليارات من الدولارات بحسب محاضر التحقيق المسربة. وعلى إثر تسليط وسائل إعلام يمنية ودولية الضوء على حجم الفساد في عمل المنظمات الدولية العاملة في اليمن، طالبت الحكومة اليمنية في أغسطس 2019، الأمم المتحدة بتشكيل لجنة تحقيق في وقائع الفساد التي صاحبت أداء بعض المنظمات الأممية والمسؤولين فيها أثناء تنفيذ تلك المنظمات لمشاريعها وبرامجها الإغاثية في البلد. وجاءت المطالبة الحكومية على لسان وزير الإدارة المحلية ورئيس اللجنة العليا للإغاثة عبدالرقيب فتح الذي توجّه بخطاب لمنسقة الشؤون الإنسانية في اليمن ليزا غراندي حثّها فيه على موافاة الحكومة اليمنية “بملابسات ووقائع الفساد ونتائج هذه التحقيقات واتخاذ إجراءات عقابية رادعة ضد المقصرين والمتورطين في قضايا الفساد واستغلال المنصب”. واتهم المسؤول اليمني، وفقا لوكالة الأنباء الرسمية، بعض الموظفين في المنظمات والوكالات الأممية باستغلال العملية الإغاثية والوضع الإنساني في اليمن واصفا ذلك بأنه “عمل غير مقبول وغير أخلاقي”. كما طلبت السعودية في وقت سابق، على لسان عبدالله الربيعة المستشار في الديوان الملكي السعودي والمشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، من الأمم المتحدة الكشف عن نتائج تحقيقات تجريها مع بعض منظماتها العاملة في اليمن. وكان المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة قد كشف في أغسطس 2019 عن إجراء المنظمة الدولية تحقيقا بشأن تقارير صحافية عن فساد مزعوم في وكالات الأمم المتحدة بما فيها منظمة الصحة العالمية في اليمن. وتحول الفساد المستشري في المنظمات الإغاثية والإنسانية العاملة على الأراضي اليمنية إلى قضية رأي عام وأحد أكثر المواضيع المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل اتهامات لبعض المسؤولين في تلك المنظمات بتقديم خدمات للميليشيات الحوثية مقابل تحقيق مكاسب شخصية، أو تنفيذ أجندة سياسية والانحياز للحوثيين. ويشير الصحافي اليمني رماح الجبري في تصريح لـ“العرب” إلى أن المنظمات الإنسانية العاملة في اليمن أخفقت في تقديم خدماتها بالشكل المطلوب والفاعل خلال سنوات الحرب، مشيرا إلى أن الأرقام ومؤشرات الوضع الإنساني في تزايد مخيف رغم تمويل دول العالم لخطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة منذ أربع سنوات بصورة متكاملة. ويؤكد الجبري أن الكثير من المنظمات تورطت مع قيادات الميليشيا الحوثية في عمليات فساد كبيرة تسببت بحرمان الآلاف من المستحقين للمساعدات الإنسانية. ويضيف “حولت الميليشيا الحوثية مواد الإغاثة الإنسانية التي تقدم من دول العالم إلى مورد اقتصادي لتمويل عملياتها الحربية من خلال نهب المساعدات باسم منظمات حوثية تعمل كشريك محلي للمنظمات الدولية لتبيعها في الأسواق السوداء وتستخدم المواد الإغاثية في التحشيد والتجنيد فيما صمتت غالبية هذه المنظمات عن عمليات النهب والفساد، بل إن من المؤسف أن يصل الأمر إلى التعاون الميداني المباشر بين مسؤولي المنظمات وقيادات الميليشيا الحوثية من خلال تأمين تنقلاتهم وتحرّكات مجنديهم باستخدام السيارات الخاصة بالمنظمات بما فيها سيارات الإسعاف”. وكشفت “العرب” في تقارير سابقة عن استخدام قيادات حوثية لطائرات تابعة للأمم المتحدة للانتقال إلى خارج صنعاء والعودة إليها باعتبارهم ناشطين في منظمات حقوقية يمنية واستجابة مسؤولين في المنظمات الدولية العاملة في اليمن لضغوط حوثية لفرض بعض الموالين للجماعة للعمل في المنظمات. وطالت الاتهامات بالفساد مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، حيث أشار ناشطون يمنيون إلى تضخم حجم الإنفاق في مكتبه بشكل يفوق نفقات المبعوثين الأمميين العاملين في مناطق أخرى مشتعلة في العالم. ونشرت الناشطة الحقوقية اليمنية المقيمة في كندا رشا جرهوم في وقت سابق سلسلة من الوثائق التي تتضمن حجم الإنفاق في مكتب المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن. وقالت جرهوم إنّ ميزانية مكتب المبعوث في اليمن تخطت ما هو مخصص للبعثة في سوريا، حيث بلغت ميزانية المكتب لعام 2019 حوالي 17 مليون دولار ووصلت في 2020 إلى 18 مليونا مقارنة بـ16 مليون دولار للبعثة في سوريا. وأكدت أن عدد موظفي مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن بلغ 95 موظفا العام 2018 وارتفع إلى 101 في 2019، أغلبهم موظفون دوليون، وذلك مقارنة مع سوريا حيث هناك 91 موظفا، مشيرة إلى بلوغ مصاريف مكتب المبعوث المتعلقة بالطيران 1.3 مليون دولار سنويا. كما نشرت جرهوم وثائق تضمنت موازنة بعثة مراقبي الأمم المتحدة في الحديدة التي بلغت 56 مليون دولار في العام 2019 بمعدل نفقات شهرية تتراوح بين 2.4 و4.6 مليون دولار، فيما وصل إيجار السفينة التي تتخذ منها البعثة مقرا لها في الحديدة أكثر من 800 دولار شهريا، فيما بلغت تكلفة الإيجارات لسكن البعثة في الفنادق 3 ملايين دولار، والفلل بواقع 1.8 مليون، في حين يبلغ إيجار سكن بعثة برنامج الغذاء العالمي في صنعاء نصف مليون دولار. ويشير مراقبون يمنيون إلى أن الفساد في المنظمات الدولية العاملة في اليمن فاقم تردي الوضع الإنساني في ظل تبديد القسم الأكبر من الدعم الإغاثي الموجه للبلد في الإنفاق المبالغ فيه على مسائل لوجستية وفنية.