يتوارث مبعوثو الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، تركات خيبة الأمل في تحقيق السلام، والعجز أمام صلف المليشيات الحوثية.
تشابه مسيرات ثلاثة مبعوثين توالوا على مهمة تحقيق السلام، أشاع إحباطا لدى اليمنيّين، يتجدد مع تعيين كل مبعوث جديد، تتكسر جهوده على صخرة تعنت مليشيات الحوثي المدعومة من إيران.
وولّدت سنوات الحرب وجولات مبعوثي الأمم المتحدة قناعات في أوساط اليمنيين بفشل أي مبعوث جديد، على غرار الأول جمال بن عمر الذي تم اجتياح العاصمة صنعاء وهو في محافظة صعدة، يحاول إقناع زعيم المليشيا بوقف الهجوم، وعاد أدراجه.
فرابع مبعوث أممي يأتي بعد 7 سنوات عجاف من الحرب؛ حيث قطع الأمين العام للأمم المتحدة، تذكرة للسويدي هانس جروندبرج ليبدأ رحلة البحث عن سلام، محفوف بفوهات بنادق الحوثي.
ويتساءل اليمينيون عما في جعبة المبعوث السويدي، لم تحوه جيوب بن عمر، وإسماعيل ولد الشيخ ومارتن غريفيث؛ الذين ارتطمت جهودهم جميعا، بإصرار مليشيات الحوثي الانقلابية على استمرار الحرب بكلفتها الباهظة على اليمنيين.
رسائل الحوثي السلبية
وكما كانت المليشيات الحوثية سببا رئيسيا ووحيدا في انتكاسة كل تحرك صوب إيقاف دوامة الحرب وعاملا وحيدا أفشل 3 من أسلاف المبعوث الجديد؛ ها هو الموقف ذاته يتجدد من قبل القيادي في الميليشيا محمد علي الحوثي فور تعيين جروندبرج.
فقد غرّد محمد علي الحوثي على حسابه في تويتر قائلا: "لن يأتي أي مبعوث جديد بجديد ولا يمكنه كسر الجليد"، في رسالة سلبية ليست وحدها المؤشر على تلكؤ الحوثي في الجنوح للسلام.
ووضع القيادي الحوثي اشتراطات جديدة كما هي عادة ميلشياته في كل محطة سلام، معيدا ذات المبررات الواهية لإفشال أي جهد للتوصل الى سلام ينهي الحرب والانقلاب.
وكمؤشر آخر على لا مبالاة الحوثي بالجهود الأممية، افتتحت المليشيات عهد المبعوث الجديد بالعديد من الجرائم البشعة في اليمن.
ركوب مطية الخبرة
وليس المبعوث الجديد في الواقع جديدا على الملف اليمني، فهو سفير الاتحاد الأوروبي في البلاد حتى وقت تعيينه، وقد عبر في مايو الماضي عن رؤيته للحل، في مقال أكد فيه أنه يمكن للحرب في اليمن أن تنتهي ويمكن إعادة بناء اليمن ليسوده السلام والازدهار.
لكن هذا التفاؤل ربطه المبعوث الأممي الجديد في مقاله بوجود إرادة سياسية لدى الأطراف المعنية الكثيرة، التي تنظر اليوم إلى مصالحها بدلا عن مصلحة جميع اليمنيّين؛ والتعبير للدبلوماسي السويدي.
وتحدث المبعوث الأممي الذي كان يعمل وقت كتابة مقالة سفيرا للاتحاد الأوروبي في اليمن عن مقاربة أوروبية، للسلام تقوم على توفر إرادة سياسية وقيادة شجاعة.
بيد أن هذا التفاؤل يقابله إحباط يسود اليمن، ولا يقتصر على العامة من الناس؛ بل أفصحت عنه نخب وقيادات سياسية كبيرة، ومراقبون.
ويقول رئيس مركز باب المندب للدراسات معاذ المقطري أن تجارب المبعوثين الأمميين السابقين توحي بأن الفشل كأصل عام، هو الذي ينتظر مهمة الدبلوماسي السويدي.
ويرى المقطري في تصريح لـ"العين الإخبارية" أن شخصية المبعوث وخبراته وقدراته الذاتية، ستلعب دورا في تعديل مستويات الفشل، على حدّ تعبيره.
المقطري لم ينكر أن المبعوث الجديد، بامتلاكه الخبرة في اليمن، جراء عمله بها لسنوات، يجعل لديه خبرة كبيرة وفهما أعمق في التعامل مع المهمة.
إيجابية المبعوث السويدي
وضمن النقاط الإيجابية، أضاف المقطري أن للمبعوث الجديد معرفة أدق في فهم الأطراف المحلية للنزاع واللاعبين الإقليميين والدوليين، الداعمين لهذه الأطراف والشبكات العالمية المناصرة لها.
وتوقع المقطري دورا أكثر فاعلية يلعبه الاتحاد الأوروبي في الملف اليمني، على نحو يتصدر الدور البريطاني والأمريكي؛ حضورا وتأثيرا في المرحلة القادمة.
وأشار معاذ المقطري إلى أن جرندبيرغ سيعمل من حيث انتهى سلفه غريفيث، والذي كان آخر عمل قام به هذا الأخير هو انتظاره للنتيجة المخيبة للآمال التي أسفرت عنها آخر محاولة لإقناع الحوثيّين بالجلوس إلى طاولة المفاوضات.
واعتبر المقطري أن الملف الإنساني في اليمن هو المحرك الأول لدعوات وقف الحرب، كما أن مساحات الرفض الشعبي لاستمرار الحرب أخذت تتسع وفي ذلك واحدة من نقاط القوة يتعين على المبعوث الجديد استغلالها.
ومشيرا إلى نقطة قوة أخرى لدى المبعوث السويدي، ذكر رئيس المركز البحثي أن لبلدان الاتحاد الأوروبي علاقة إيجابية بإيران، التي تملك وحدها قوة الضغط على الحوثيين، وهي فرصة قد يستغلها الدبلوماسي السويدي.
وبحسب المقطري، يبقى حجر الزاوية أمام كل مبعوث أممي إلى اليمن هو مدى فهمه لصلب طبيعة جماعة الحوثي، على نحو يفسر سلوكها ويدرك الغاية من خلقها والحبل السري الذي يمدّها بالحياة، في بيئة لا تقبل فيها سوى الفتك بالآخرين.