آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-04:20ص

ملفات


التسوية السياسية في اليمن: المعوقات والآفاق (ملف خاص)

التسوية السياسية في اليمن: المعوقات والآفاق (ملف خاص)

الأربعاء - 31 أغسطس 2016 - 09:41 ص بتوقيت عدن

- اليمن | وكالات:

تعالج هذه الورقة العوائق التي تحول دون تحقيق تسوية سياسية في اليمن، وتُرجع الورقة أسباب ذلك إلى: الطبيعة العامة للصراع، ومواقف الأطراف المتصارعة واتجاهاتها وأوزانها السياسية والعسكرية، وعدم وضوح الرؤية لدى الدول المؤثِّرة في الشأن اليمني، والذي انعكس على أدائها العسكري والسياسي منذ انطلاق عملية (عاصفة الحزم) في 26 مارس/آذار 2015 وحتى الآن. وتخلص الورقة إلى أن الظروف لم تنضج بعد لإيجاد تسوية قابلة للحياة، نتيجة جمود الوضع العسكري، وغياب الإرادة والقدرة لدى أطراف الصراع لتقديم تنازلات حقيقية من أجل هذه التسوية. وترى الورقة أن أية تسوية ستنتج عن المفاوضات، الحالية أو المستقبلية، في الكويت أو في غيرها؛ لن تكون إلا تسوية هشة تنقل الحرب من مربعها الحالي إلى مربع جديد؛ ما لم تحدث تغييرات جذرية في المشهد العام للصراع.

مقدمة

يبدو أن اليمن في طريقه للالتحاق بركب الدول ذات الأزمات المستعصية؛ ففرص نجاح تسوية سياسية في هذا البلد تتراجع بشكل كبير. وترجع أسباب ذلك إلى عوامل معقدة ومركبة، تتداخل فيها عناصر كثيرة ذاتية وموضوعية داخلية وخارجية. فطبيعة الصراع والتي تظهر من خلال تشتت القوى المتصارعة، وتعدد أجنداتها وارتباطاتها الخارجية، وهشاشة التحالفات فيما بين القوى المتصارعة، وعدم وضوح أهداف الدول المنخرطة في الشأن اليمني، كل هذه العوامل عملت وتعمل على خلق وضع سياسي هش لا يوفر أرضية لتسوية سياسية متينة، ووضع عسكري يميل إلى الجمود حيث ليس ممكنًا تحقيق انتصارات عسكرية كبيرة تُوجِد منتصرًا قادرًا على فرض إرادته، ومهزومًا يقبل بما يُـفرض عليه.

ستحاول هذه الورقة إلقاء الضوء على الطبيعة العامة للصراع، وانعكاساتها على المشهد العسكري والسياسي، وكيف تسهم في منع قيام تسوية سياسية حقيقية في اليمن، والسيناريوهات المتوقعة منها.

وقبل البدء في ذكر معوقات التسوية، لابد من الإشارة إلى أن التسوية السياسية التي نقصدها هي تلك التي تؤدي إلى توقف الحرب، وعودة الاستقرار النسبي للدولة، وسيطرة حكومة يعترف بها معظم القوى السياسية في الداخل والعالم الخارجي على جميع المؤسسات الرسمية لليمن، وتحديدًا مؤسسات القوة والسيطرة. يضاف إلى ذلك؛ قيام هذه التسوية بخلق قواعد لعبة مقبولة ومتفق عليها من قِبل معظم القوى السياسية للعمل السياسي، تؤسس لسلطات شرعية.

السمات العامة للصراع

التشتت: تُظهر وسائل الإعلام صورة غير حقيقية للصراع الدائر في اليمن حين تشير إليه وكأنه صراع بين القوات الشرعية والقوات الانقلابية؛ فيما الصورة أكثر تعقيدًا من ذلك؛ إذ إن الصراع يدور بين قوى متعددة ذات أجندات متنوعة، خاصة في الطرف الذي يقاتل الحوثيين. وفي حسبة بسيطة للقوى المتصارعة نجدها تتشكل من: الحوثيين، والرئيس السابق صالح من جهة، والرئيس هادي، وحزب الإصلاح، والقوى السلفية، والحركات الانفصالية في الجنوب، والجماعات المتطرفة وغيرها، من جهة أخرى. وبتحليل طبيعة كل هذه القوى نجد أن لكلٍّ منها أجندته الخاصة، وما قد يجمع بعضها من قواسم مشتركة، كالحوثيين والرئيس السابق صالح، أو القوى في الطرف الآخر، لا يتعدى التحالف المؤقت ضد عدو أو أعداء مشتركين.

وقد أتى هذا التشتت نتيجة أسباب كثيرة، أهمها: عجز طرفي الصراع الرئيسيين (الحوثيين، والرئيس هادي) عن خلق جبهات قوية ومتماسكة في الطرف الذي في جهته، وغياب الرؤية الواضحة لدى دول التحالف.

وقد عمل هذا التشتت على خلق حالة من التوازن العسكري الهش، أسهم في جمود الوضع الميداني؛ كون الاختراقات العسكرية الكبيرة تتطلب وجود قوى كبيرة تمتلك من الموارد العسكرية والمادية والبشرية ما يكفي لتحقيق انتصارات عسكرية حاسمة.

وفي مثل هذا الوضع؛ لن يكون من السهل التوصل لتسوية سياسية حقيقية، لصعوبة التوفيق بين الأجندات المتعارضة، وإيجاد قواسم مشتركة فيما بينها تؤسِّس لمثل هذه التسوية.

الخيارات الصفرية: معظم القوى المتصارعة ذات بنى سياسية شمولية مستمدة من أيديولوجيات دينية الطابع؛ فالحوثيون يقاتلون تحت ظلال حركة دينية تستمد مقولاتها الرئيسية من أفكار قروسطية تقوم على حق احتكار السلطة لسلالة معينة استنادًا إلى تفسيرات خاصة بها للنص الديني (1). وتتعامل مع خصومها بآلية إقصائية وتصفهم بأنهم جماعات تكفيرية إرهابية (قاعدة، ودواعش). في المقابل؛ يستند عدد من القوى التي تحارب الحوثيين، إلى مقولات دينية ترى في الحوثيين “روافض” وخارجين عن الدين.

وهؤلاء وأولئك مدركاتهم في الصراع صفرية؛ تقوم على فكرة إلغاء الآخر بالقوة، وهو الأمر الذي يجعل من الصعب عليهم التوصل إلى تسوية شرطها الضروري الاعتراف بالآخر والعمل معه كشريك.

غياب الحدود الجغرافية والسكانية

جميع أطراف الصراع لا يعترف لخصومه بمناطق نفوذ محددة، ولا الحق بتمثيل جماعة سكانية معينة، ويُستثنى من ذلك؛ القوى الانفصالية التي تهتم بمحافظات الجنوب وسكانها. أما الأطراف الأخرى فإن سقف اهتمامها يشمل جميع مناطق وسكان اليمن؛ فالقوى التي تقاتل الحوثيين تحت مظلة السلطة الشرعية، هدفها من الحرب هزيمة الحوثيين وحليفهم الرئيس صالح، فيما يهدف الحوثيون وصالح إلى السيطرة على جميع مناطق وسكان اليمن.

ولكون الأمر على هذا النحو؛ فإن فرص التسوية تتضاءل، لأن كل طرف سيستمر في الصراع من أجل السيطرة على أكثر عدد من السكان، وأكبر مساحة من الجغرافيا، ولن يقبل الاعتراف بسيطرة خصمه على المنطقة التي تحت سلطته.

ضبابية المشهد: يعيش اليمن حالة شاذة بكل المقاييس؛ فالحوثيون، بصفتهم الطرف المسيطر على السلطة في صنعاء، لم يصلوا للسلطة من خلال انقلاب نمطي بواسطة القوات المسلحة، ولا عبر ثورة شعبية، كما يدَّعون، ولا بالزحف العسكري المباشر، كما يعتقد البعض. ما تم أمر مختلف عن ذلك تمامًا؛ فقد وصلوا للسلطة بتسهيلات، مباشرة وغير مباشرة، قُدِّمت لهم من قِبل بعض الأطراف أهمها رئيس الدولة(2) ، والذي أسهم في تحييد أجهزة الدولة في مواجهة الحوثيين خلال تمددهم من معقلهم الرئيسي في محافظة صعدة، وحتى سيطرتهم على معظم المحافظات، والذي تم دون قتال فعلي (3).

إلى جانب ذلك؛ سهَّل الرئيس السابق صالح للحوثيين السيطرة على الدولة اليمنية من خلال أنصاره في مؤسسات الدولة المختلفة، وتحديدًا المؤسسات العسكرية والأمنية لأسباب خاصة به (4). يضاف إلى ذلك؛ لم يقاوم خصوم الحوثيين زحفهم بكل طاقتهم وإمكانياتهم؛ إذ فضَّل هؤلاء الانسحاب والتراجع في أكثر من جبهة وخاصة جبهة صنعاء، بعد أن أيقنوا أنهم سيخوضون معركة خاسرة، ضمن ما اعتقدوا أنها مؤامرة عليهم من قبل أطراف داخلية وخارجية (5).

وفقًا لذلك؛ فإن وصول الحوثيين للسلطة لم يأتِ نتيجة لقوتهم الذاتية، وإنما بفضل تسهيلات من قِبل أطراف أخرى، لعب الحظ والصدفة الدور الكبير فيها.

ولكون الأمر على ذلك النحو؛ فإن الحوثيين لم يمتلكوا الإمكانيات الكافية التي تجعلهم يستولون على السلطة بشكل كامل ورسمي، رغم أنهم حاولوا ذلك من خلال إعلانهم الدستوري، والذي لم يتمكنوا من تطبيقه بشكل كامل (6).

والنتيجة العامة لكل ذلك؛ أن سيطرة الحوثيين على السلطة تمت، بشكل فوضوي، فلا وجود لرئيس للدولة أو مجلس وزراء تحت سيطرتهم، وكل ما هنالك ليس إلا سلطة أمر واقع تحت اسم لجان ثورية، تمارس السلطة دون قانون أو قواعد واضحة، وعبر تشكيلات ميليشياوية وتنظيمات سرية (7).

في المقابل، لم تقم السلطة الشرعية بتشكيل مؤسسات دولة في المناطق التي خرج منها الحوثيون، وهو ما أدى إلى حالة من الفراغ في هذه المناطق، استفادت منه القوى الانفصالية والمنظمات المتطرفة. كما أنه أدى إلى استمرار الحوثيين بالتحكم بمعظم المؤسسات الحكومية بما في ذلك البنك المركزي المسؤول عن أجور موظفي الدولة، والتي ما زالت تُصرَف من صنعاء لكل مناطق اليمن، بما فيها المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة. ووضع بهذا الشكل لا يسهم في إيجاد أرضية للتسوية السياسية.

تفكك مؤسسات الدولة: أفضت الحرب إلى تفكك مؤسسات الدولة وخاصة الجيش، والأمن، والتي تحولت إلى ما يشبه الميليشيا بعد أن توزعت على الحوثيين، والرئيس السابق صالح، والانفصاليين، وحزب الإصلاح، والقوى السلفية، وغيرها. وفقدان هذه المؤسسات لحياديتها يعقِّد الحلول السياسية ويصعِّب من عملية التفاوض. فعلى سبيل المثال جوهر عملية التسوية يتطلب أن تعود مؤسسات الدولة الشرعية لممارسة مهامها في العاصمة صنعاء، ولكون مؤسسات الدولة المحايدة لم تعد موجودة؛ فإن كل طرف سيرفض التخلِّي عن ما تحت يده من مؤسسات، ناهيك عن تسليمها لخصومه.

التحالفات الهشة: التحالفات التي تجمع القوى على جانبي الصراع تتصف بالهشاشة، فعلى سبيل المثال التحالف بين الحوثيين والرئيس السابق صالح لا يمتلك أسسًا حقيقية للاستمرار والصمود، فما يجمعهما ليس إلا الأعداء المشتركين، فيما أجنداتهما ومصالحهما متعارضة. في المقابل، القوى المعارضة للحوثيين تتشكل من خليط غير متجانس من القوى، لا يجمعها إلا محاربة الحوثيين. وفي ظل وضعٍ كهذا يصعب التوصل لأية تسوية سياسية معقولة ومقبولة من هذا الخليط الواسع من القوى المبعثرة.

غياب البدائل العسكرية: استنفدت الحملة العسكرية الكثير من زخمها العسكري والسياسي والنفسي، فدول التحالف تقلصت من عشر دول إلى ما لا يزيد عن ثلاث دول، بينما أصبحت مشاركة البقية محدودة ورمزية في الغالب. كما أن تواضع الإنجازات العسكرية قياسًا بالفترة الزمنية والإمكانيات التي خُصِّصت لها خلق شعورًا باليأس من تحقيق انتصارات سريعة وحاسمة. إلى جانب ذلك؛ أدَّى تفاقم الأوضاع الإنسانية (8)، وانتشار الفوضى في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، وزيادة قوة الجماعات المتشددة، وغياب أي أفق واضح للحرب؛ إلى زيادة الضغوط الدولية على دول التحالف لإيقاف الحرب بأي ثمن. وكل هذه الأوضاع عمل على تراجع التعويل على الخيار العسكري، وهو ما أعطى الحوثيين والرئيس السابق صالح، مساحة واسعة للحركة والمناورة ورفض تقديم تنازلات في مفاوضات الكويت الحالية.

عدم واقعية الحلول المطروحة: هناك فجوة واسعة بين مطالب السلطة الشرعية والطرف الآخر على طاولة المفاوضات، فالسلطة تطالب بتطبيق قرار مجلس الأمن رقم (2216) والذي ينص على تسليم الأسلحة ومؤسسات الدولة من قِبل الحوثيين والرئيس السابق صالح، والعودة إلى المسار السياسي من النقطة التي توقف عندها، وفقًا لمخرجات الحوار والمبادرة الخليجية. وهذه المطالب تبدو غير واقعية ولا تعكس موازين القوى على الأرض. في المقابل، يطالب الحوثيون والرئيس السابق صالح؛ بتشكيل سلطة انتقالية جديدة تحل محل السلطة الحالية يكونون جزءًا منها، ومن ثم البحث في موضوع تسليم السلطة، والأسلحة لهذه السلطة والمؤسسات التي ستنبثق عنها. وهذه المطالب ترفضها حكومة هادي لأنها عمليًّا ستؤدي إلى إلغائها، إضافة إلى كونها عملية معقَّدة وستأخذ فترة زمنية طويلة لتنفيذها.

الحركة الانفصالية في الجنوب: تعد الحركة الانفصالية من أكبر المشاكل التي تعقِّد المشهد السياسي اليمني، ويرجع سبب ذلك إلى طبيعتها العويصة والتي تجعل مشكلتها غير قابلة للحل؛ فالانفصال لا يمتلك مقومات فعلية للتحقق، وأهمها: غياب الأساس القانوني، ورفض معظم دول العالم للانفصال، وغياب الهوية الجنوبية المتماسكة، وتشتت القوى الانفصالية، وظهور حركات انفصالية داخل الجنوب، وتحديدًا في حضرموت.

وبقاء الجنوب داخل الدولة ضمن المشاريع الأخرى؛ كالفيدرالية يواجه مشاكل وصعوبات كبيرة، ناهيك عن الرفض من قبل بعض القوى في الشمال.

ولكون التسوية السياسية ستركز على إيقاف الحرب واستعادة الدولة، والعودة إلى مسار العملية السياسية؛ فإن القوى الانفصالية ليست متحمسة لهذه التسوية؛ لأنها تعني من وجهة نظرها، إبقاء الجنوب ضمن الدولة اليمنية، وحرمان الانفصاليين من الكثير من المكاسب التي جنوها بسبب الحرب.

موازين أطراف الصراع ومواقفها من التسوية

كما ذكرنا، فإن الخارطة السياسية/العسكرية تتصف بالتشرذم والهشاشة، وهو ما أدى إلى الجمود العسكري على الأرض، وانسداد الأفق السياسي على طاولة المفاوضات. ولإيضاح ذلك سوف نحاول التعرف على طبيعة القوى الرئيسية من حيث مصادر قوتها، وحلفاؤها المحليون والخارجيون، ونقاط ضعفها وقوتها، ومواقفها الفعلية من التسوية. وفي هذا الشأن سيقتصر الأمر على كلٍّ من: الحوثيين، وحزب المؤتمر الشعبي، وحزب الإصلاح، والرئيس هادي، والسلفيين، والحراك الجنوبي، والجماعات المتطرفة.

الحوثيون

يعد الحوثيون الطرف المركزي في الصراع الدائر في اليمن كونهم المسؤولين المباشرين عن الحرب الدائرة في البلاد، بعد أن استولوا على السلطة وألغوا السلطة التوافقية الناتجة عن التسوية السياسية التي تمت في عام 2011. ومصدر قوة الحوثيين تأتي من نزعتهم العسكرية، وتنظيمهم الشمولي، وقيادتهم المركزية، وأيديولوجيتهم الصارمة، وعلاقاتهم بإيران والقوى الدائرة في فلكها كحزب الله اللبناني.

وقد استفادت الحركة من حالة الفراغ السياسي الناتج عن انقسام الطبقة السياسية اليمنية وتصارعها عقب الثورة على الرئيس صالح في 2011؛ حيث وظَّفوا ذلك الانقسام واستثمروه لصالحهم بشكل فعَّال من خلال تحالفاتهم وتفاهماتهم مع معظم الأطراف السياسية، كالرئيس السابق صالح، والرئيس الحالي هادي، وبعض فصائل الحراك الجنوبي والأحزاب اليسارية (9). وقد أسهم كل ذلك في سهولة سيطرة الحوثيين على صنعاء ومناطق رئيسية من اليمن، كما سبق وأشرنا.

وفي الوقت الحالي تسيطر الحركة على معظم موارد الدولة، ومؤسساتها، وتتحكم بشكل أو آخر بمعظم سكان اليمن (أكثر من 70% من السكان)، وهي بذلك تعد الطرف الأقوى في معادلة القوة والنفوذ، خاصة أن معظم المناطق التي تسيطر عليها هي من أكثر مناطق اليمن صعوبة ومنعة، إلى جانب أن معظمها يقع ضمن ما يمكن اعتباره الحاضن الاجتماعي والمذهبي للحركة (10). ولهذا، فإنها لا تزال في وضع عسكري وسياسي قوي، والذي يتضح من خلال قدرتها على التجييش والحشد، والمبادرة العسكرية في بعض المناطق، والصلابة في صدِّ الهجمات التي يقوم بها خصومهم.

وفي الفترة الماضية، استطاعت الحركة أن تضيف إلى قوتها عاملًا جديدًا، تمثَّل في تحقيقها تفاهمًا سياسيًّا مهمًّا، وإن كان محدودًا، مع السعودية، نتجت عنه هدنة على الحدود وتبادل للأسرى. وفي حال تحسنت العلاقة بشكل فعلي بين السعودية والحوثيين؛ فإن ذلك سيضيف للحوثيين مكاسب كبيرة، أهمها توقف الاستهداف العسكري والسياسي للحوثيين. غير أن هذا الأمر لن يتم دون أن يُـقدِم الحوثيون على مراجعة جوهرية لبنيتهم التنظيمية والأيديولوجية وعلاقتهم بإيران.

من جانب آخر؛ تعاني الحركة الحوثية من نقاط ضعف رئيسية أهمها غموض مشروعها السياسي، والذي يجعلها غير قادرة على تسويقه لشريحة واسعة من السكان، ومن ثم شرعنته، وإن بالحدود الدنيا. كما أنها تعاني من شُحِّ الموارد الذاتية، والتي تجعلها غير قادرة على الصمود لفترة طويلة، خاصة أنها تعمل في محيط جغرافي معادٍ لها، ولا يوجد تواصل جغرافي مع حلفائها الرئيسيين (إيران والقوى الدائرة في فَلَكها).

وخلال تمدد الحركة وسيطرتها على الدولة، راكمت الحركة كمًّا هائلًا من الأعداء، نتيجة أسلوبها العنيف ومنهجها الشمولي، واعتمادها على العمل العسكري، وتناقض مشروعها مع مشاريع معظم القوى السياسية الأخرى وأيديولوجياتها. ووفقًا لذلك؛ فإن الحركة لا يمكنها أن تتراجع عن مواقعها الحالية، وتُسلِّم الأسلحة التي في حوزتها لمن تعتبرهم أعداءها. كما أن طابعها الميليشياوي، وبنيتها الشمولية تجعلها غير قادرة على أن تكون جزءًا من نظام تعددي، وتتحول إلى حزب سياسي مدني.

ولهذا كله؛ فمن غير المتوقع أن تُقدِم الحركة على تقديم أي تنازلات حقيقية في المفاوضات، خاصة في الشق المتعلق بتسليم السلاح ومؤسسات الدولة؛ لأن قيامها بذلك يعني عمليًّا هزيمتها واستسلامها، وتعريض نفسها للانتقام من خصومها.

المؤتمر الشعبي

من غير الواضح تحديد حجم وطبيعة القوة التي يمتلكها المؤتمر، ويعود السبب إلى التداخل الكبير بينه وبين الحركة الحوثية خلال المرحلة الحالية. ومصدر قوة المؤتمر ترجع إلى كونه كان الحزب الحاكم في اليمن حتى نهاية عام 2011؛ وهو ما مكَّن أعضائه من الهيمنة على معظم مؤسسات الدولة خلال تلك الفترة وبعدها (11). ومن أهم هذه المؤسسات: قوات الحرس الجمهوري السابق (12)، وقوات الأمن والاستخبارات، والتي يدين معظم قادتها بالولاء للرئيس السابق صالح (رئيس المؤتمر الشعبي) حتى بعد خروجه من السلطة.

ومنذ سيطرة الحوثيين على صنعاء حدثت حالة من التعاون والانسجام فيما بين هذه القوات والحوثيين، باستثناء حالات نادرة من الصدام (13)، وقد ازداد هذا التعاون بشكل كبير بعد اندلاع “عاصفة الحزم” والتي استهدفت الطرفين وتعاملت معهما على أساس أنهما طرف واحد.

وفي الوقت الحالي لا يُعرَف بالضبط من له السيطرة الأكبر على هذه القوات؛ حيث إن هناك الكثير من المؤشرات التي توحي بأن معظم هذه القوات قد أصبحت مسيَّرة من قِبل الحوثيين، خاصة بعد أن أصبح عناصرهم يتولون قيادة وزارة الدفاع ورئاسة الأركان ومعظم المؤسسات الأمنية.

وفي المجمل، يمكن القول: إن حزب المؤتمر لا يزال لديه الكثير من الإمكانيات التي تمنحه القدرة على أن يبقى لاعبًا أساسيًّا في اليمن، وأهمها: الخبرة الكبيرة في الحكم، مقارنة بالقوى الأخرى، والحضور المهم داخل مؤسسات الدولة، والعدد الكبير من الأنصار في معظم المناطق الشمالية من اليمن. ويراهن الحزب على هذه الإمكانيات، ليستخدمها في الوقت المناسب، والذي قد يأتي أثناء انكسار الحوثيين، أو انهيار تحالفه معهم والتحالف مع قوى أخرى.

ومع ذلك، يعاني حزب المؤتمر من نقاط ضعف رئيسية، أهمها: هشاشة البناء التنظيمي، وغياب الأيديولوجية المتماسكة، وتمحوره حول الرئيس صالح وبعض أقاربه. وكل هذه الأمور تعني أن الحزب معرَّض للتراجع في حال اختفى صالح بشكل أو آخر.

يضاف إلى ذلك؛ معاناة الحزب من عزلة خارجية وغياب الحليف الخارجي الواضح، فالسعودية، حتى الآن، تُظهر عداء شديدًا للرئيس السابق، وترفض التحاور معه، مثلما عملت مع الحوثيين. ومع ذلك هناك مؤشرات على وجود علاقة بين المؤتمر الشعبي وبين دولة الإمارات؛ أهمها: تواجد الكثير من أقارب صالح في الإمارات، بمن فيهم نجله أحمد، والذي كان المرشح لخلافته. ويبدو أن هذه العلاقات تأتي ضمن سياق رغبة الإمارات في أن يبقى للحزب دور رئيسي في اليمن مستقبلًا تُضعف بموجبه حزب الإصلاح، والذي تعدُّه الإمارات عدوها الأول في اليمن.

وخلال جولات المفاوضات ظهر المؤتمر وكأنه الشريك الأصغر مقارنة بالحوثيين، وبدا وكأن هناك اتفاقًا ضمنيًّا بين الأطراف الداخلية، بما في ذلك الحوثيين، والخارجية، وتحديدًا السعودية؛ على تهميش دور حزب المؤتمر. وهذا الأمر قد يُفضي إلى تشدد الحزب على طاولة المفاوضات وفي تعامله مع الأطراف الداخلية والخارجية الأخرى، وهو ما بدأ مؤخرًا من خلال خطابات صالح ووسائل الإعلام التابعة له (14).

حزب الإصلاح

يبدو حزب الإصلاح وكأنه في حالة خصومه وتنافس مع معظم القوى السياسية في اليمن؛ فخلال خمس سنوات الماضية تعرَّض الحزب لحملات إلغاء وإضعاف من قبل كلٍّ من المؤتمر الشعبي، والحوثيين، والرئيس هادي، والحراك الجنوبي، وكذلك شركائه في أحزاب اللقاء المشترك (15)، سيما الحزب الاشتراكي. إلى جانب ذلك، يتعرض الحزب لحملات إقصاء من عديد من الدول، أهمها: مصر، والإمارات، والسعودية في فترة سابقة، والتي اضطرت لقبوله في التحالف بعد “عاصفة الحزم”.

ونتيجة لهذا الوضع، يخوض الإصلاح عمليًّا معارك سياسية وعسكرية مع أكثر من طرف، وفي أكثر من جبهة. وأهم هذه الجبهات تلك التي يخوضها مع الحوثيين، والذين يعتبرونه الخصم الأيديولوجي والسياسي الأول لهم، وهو ما جعلهم يمارسون ضده حملات ممنهجة من القمع، والتفكيك لبنياته التنظيمية والاقتصادية، والفكرية، والعسكرية (16). ويعاون الحوثيين في ذلك حزب المؤتمر الشعبي الذي يعتبر حزب الإصلاح المتسبب الرئيسي في إخراجه من السلطة.

ومع ذلك؛ يظل الحزب من أهم القوى اليمنية لأسباب عدَّة، أهمها: بنيته التنظيمية والتي تشمل جميع مناطق اليمن، تقريبًا، وتماسك أعضائه، وخبرته السياسية، وحضوره المبكر في أجهزة الدولة اليمنية، وتحالفاته مع بعض القادة العسكريين، كالفريق علي محسن الأحمر، ومع بعض شيوخ قبائل حاشد. يضاف إلى ذلك حاجة المملكة السعودية للحزب في حربها ضد الحوثيين والرئيس السابق صالح، كون الحزب هو المعادل الموضوعي، سياسيًّا وفكريًّا، وربما عسكريًّا لهم.

ومنذ اندلاع عاصفة الحزم؛ عزَّز الإصلاح من مواقعه السياسية والعسكرية؛ حيث أصبح له حضور داخل مؤسسات السلطة الشرعية، من خلال تواجد بعض أعضائه، والمحسوبين عليه ضمن الطاقم السياسي المتواجد في الرياض، إلى جانب هيمنته على عدد من القوات العسكرية فيما يُعرَف بالجيش الوطني، المدعوم من قبل السعودية، وتحديدًا في جبهات مأرب والجوف وحرض، والتي تشكِّل أهم القوات التابعة لهذا الجيش. فمعظم القادة العسكريين لهذه القوات من أعضاء الحزب أو المحسوبين على حليفهم الفريق الأحمر. إضافة إلى ذلك؛ الكثير من القوى المحسوبة على المقاومة في الكثير من مناطق اليمن محسوبة على حزب الإصلاح.

وفي الإجمال؛ فإن حزب الإصلاح يبقى قوة سياسية مهمة في خارطة القوى الرئيسية، إلا أنه معرَّض للنكسات، بسبب كثرة الأعداء الداخلين، وغياب الحليف الخارجي الحقيقي، فعلاقته الحالية بالسعودية غير متينة، وما زالت تتسم بعدم الثقة. كما أن هناك منافسًا قويًّا بدأ بمزاحمته في مناطقه الجغرافية والأيديولوجية، والمتمثِّل بالجماعات السلفية التي تقاتل الحوثيين. إضافة إلى ذلك؛ هشاشة تحالفه مع الرئيس هادي. وأخطر ما يواجه الحزب من الناحية السياسية، تحوله إلى ميليشيا عسكرية في حال طالت الحرب واستمرت بوتيرتها الحالية.

وبالنظر إلى ظروف الحزب والمناخ المعادي له؛ فإن أية تسوية سياسية وفق موازين القوى الحالية ستكون على حساب الحزب؛ حيث إن جميع الأطراف الداخلية والخارجية ستعمل على تقليص حصة الحزب إلى أدنى درجة ممكنة. خاصة وأن أية تسوية محتملة قد تُبقي على أعداء الحزب الرئيسيين (الحوثيين، المؤتمر)، والذي سيكون على حسابه. ولهذا كله؛ نجد أن الحزب أكثر حماسًا لاستمرار الحرب حتى هزيمة خصومه أو إضعافهم على الأقل (17).

الرئيس هادي

رغم أن معظم القوات التي تقاتل الحوثيين تقوم بعملها تحت مظلة السلطة الشرعية الممثَّلة بالرئيس هادي، إلا أن الرئيس هادي يبقى هو الحلقة الأضعف في خارطة القوة والنفوذ. فكل تلك القوى، تقريبًا، لا تدين بالولاء له، وهي عمليًّا تابعة لقوى سياسية وجهوية، لديها أجنداتها الخاصة البعيدة عن أجندة الرئيس هادي. وكل ما لدى هادي من وجود لا يتعدى ختم الشرعية، والدعم الخارجي.

ويرجع ضَعف مركز هادي إلى عوامل ذاتية وموضوعية؛ فقدراته القيادية محدودة، ووصوله للسلطة كان ناتجًا عن عوامل ليس له يد فيها (18)، إضافة إلى ذلك؛ فإنه لا يملك قوة سياسية، أو عسكرية، أو قبلية، أو جهوية تسانده. كما أن معظم القوى السياسية لا تثق به، نتيجة ما عانته من سياساته خلال الفترة السابقة.

وبسبب وضعه السياسي الهش؛ فإنه معرَّض للإهمال وربما الاستبعاد، في حال كانت هناك تسوية سياسية، أو حتى نصر عسكري. ونتيجة لذلك؛ فإن من مصلحته بقاء الوضع على حاله؛ الأمر الذي يجعله غير متحمس للتسوية في مفاوضات الكويت.

السلفيون

برز السلفيون كقوة رئيسية في المناطق التي شهدت معارك مع الحوثيين وتحديدًا في بعض المناطق الجنوبية وتعز والبيضاء، ويحرِّك هؤلاء في صراعهم مع الحوثيين خصومات مذهبية شديدة. إضافة إلى ذلك؛ هناك رغبة لدى السلفيين للانتقام من قيام الحوثيين بتهجيرهم من أهم مركز سلفي في اليمن في منطقة دماج بداية عام 2014 (19). وقد توسع نفوذ السلفيين نسبيًّا لكونهم الطرف الأكثر حماسًا في محاربة الحوثيين من جهة، ولإضعاف أو إزاحة حزب الإصلاح من بعض المواقع من جهة أخرى. واستمرار الحرب وفق شكلها الحالي سيعمل على تقوية السلفيين.

ومع ذلك؛ يعاني السلفيون من مشكلة رئيسية تتمثِّل في تبعثرهم على عدد كبير من الكيانات، وضعف البناء المؤسسي لهذه الكيانات، وارتباطهم بعدد كبير من المشايخ، فلا وجود لقيادة مركزية للقوى السلفية. إلى جانب ذلك؛ يرفض أغلب القوى السلفية العمل السياسي ضمن النظام الديمقراطي، وهو الأمر الذي يجعلها ترفض العمل ضمن أطر حزبية واضحة. والحزب السلفي الوحيد الذي شذَّ عن هذه القاعدة، وهو حزب الرشاد، لا يمثل إلا جزءًا بسيطًا من القوى السلفية.

ونتيجة لوضع القوى السلفية وتطرف أفكارها؛ فلا يُتوقَّع لها أن تكون جزءًا من تسوية سياسية محتملة، خاصة أن عداءها للحوثيين يأخذ الطابع الديني، والذي لا يقبل المساومة وأنصاف الحلول. من جهة أخرى، هناك بعض الجماعات السلفية لديها تفاهمات مع الحوثيين ضمنت لها حرية حركة نسبية في مناطق سيطرة الحوثيين.

الحراك الجنوبي

يُطلَق اسم الحراك الجنوبي على عدد كبير من القوى والكيانات التي لا يملك بعضها سوى الاسم، ويطالب كل هذه القوى، تقريبًا، بوضعٍ خاصٍّ للمحافظات الجنوبية يتراوح ما بين الاستقلال الكامل والفيدرالية. وخلال الحرب استفاد بعض القوى المحسوبة على الحراك من الحرب، بعد أن حصل على دعم عسكري وسياسي ومالي. وقد تمكن بعض فصائل الحراك من السيطرة الفعلية على بعض مناطق الجنوب، كما هي الحال في محافظات عدن ولحج والضالع. وتم لها ذلك بالتفاهم والتنسيق مع دولة الإمارات العربية، التي تتصدر إدارة المشهد في المناطق الجنوبية، ومع السلطة الشرعية التي أسبغت على سيطرتهم الشرعية من خلال إدماج بعض أفرادها ضمن الجيش الرسمي للدولة، وتعيين عدد من قادة الحراك مسؤولين إداريين وأمنيين في عدد من المحافظات. وقد أدَّى ذلك إلى حالة انفصال فعلية ورمزية لبعض مناطق الجنوب عن الجمهورية اليمنية.

وفي مفاوضات الكويت، هناك عدد من أعضاء الوفود الممثِّلين للحكومة وكذلك الحوثيين، يدَّعون انتماءهم للحراك، غير أن هؤلاء جميعًا لا يمتلكون وجودًا فعليًّا على الأرض مقارنة بالفصائل الأخرى. وينظر الكثير من فصائل الحراك لمفاوضات الكويت بعدم اهتمام على اعتبار أنها لا تعنيهم بشكل مباشر كونها لم تُدرِج في جدول أعمالها ما يخص الجنوب بشكل مباشر.

وعلى الرغم من أن القضية الجنوبية ليست موضوعة بشكل مباشر على أجندة التفاوض إلا أن تأثيرها واضح، حيث إنها تظل إحدى القضايا المعوقة لأية تسوية سياسية. فالانفصال لا يمكن أن يتم بالسلاسة التي يروِّج لها مؤيدوه، والحلول الأخرى المطروحة مثل الفيدرالية بأشكالها المتعددة غير ممكنة التطبيق، وتثير من المشاكل أكثر مما تحل.

الجماعات المتطرفة

مع انهيار التسوية السياسية وما أعقبها من حرب وفوضى في اليمن، استفادت القوى المتطرفة مثل القاعدة وتنظيم الدولة من هذا الوضع وأصبح لها حضور بارز في الحرب مع الحوثيين، وتحديدًا في بعض مناطق الجنوب، ومحافظتي تعز والبيضاء. وقد تمكَّنت هذه الجماعات من السيطرة على مناطق واسعة في الجنوب كان من أهمها السيطرة على المنطقة الساحلية من حضرموت، والذي استمر لمدة عام تقريبًا. وخلال هذه المدة حصلت هذه الجماعات على أموال كثيرة، ومعدات عسكرية ضخمة، وتمكَّنت من تجنيد أعداد إضافية من الأفراد.

وعلى الرغم من أن الوجود العلني لهذه الجماعات قد تقلَّص كثيرًا في المناطق الجنوبية؛ بعد أن تم إخراجها من بعض مناطق حضرموت، وعدن ولحج؛ إلا أن وجودها الفعلي لا يزال فاعلا، فخروجها لم يتم نتيجة لهزيمة عسكرية حقيقية، وإنما نتيجة تفاهمات تمت بينها وبين بعض القوى المحلية، وبرعاية من بعض الأطراف الخارجية كما يبدو. ولكون الأمر على هذا النحو؛ فإن ما حدث لا يعدو كونه إعادة انتشار وتموضع لهذه الجماعات، وتغيير في أسلوب عملها؛ فبعد أن كانت تتواجد بشكل علني، انتقلت إلى حالة التخفي والعمل بسرية في مجموعات صغيرة، وهو الأمر الذي يزيد من خطورتها.

فمن المعروف عن هذه الجماعات أن خطورتها تنبع من عملها السري وليس من عملها العلني؛ فعملياتها النوعية ضد الأشخاص والمراكز الحيوية لها تأثيرات ضخمة أكبر بكثير من ممارساتها الرسمية للحكم في بعض المناطق.

وفي مفاوضات الكويت تبدو الجماعات المتطرفة بمثابة الغائب الحاضر فيها؛ إذ إن أكثر ما يهم الدول الكبرى من الأوضاع في اليمن، هو انتشار هذه الجماعات وما يشكِّله ذلك من أخطار مباشرة عليها. ولهذا؛ فإن هذه الدول تضغط على جميع أطراف الأزمة اليمنية وعلى الدول ذات النفوذ فيها، كالسعودية والإمارات، من أجل إنهاء الحرب والتوصل لتسوية سياسية بأي ثمن.

مستقبل التسوية السياسية

يتضح مما ذُكر أن الظروف غير جاهزة لتسوية سياسية ناجحة في اليمن؛ فجميع الأطراف المحلية ليست جاهزة أو مستعدة للحل، وما زالت تراهن على قوتها العسكرية في فرض أمر واقع كما يحاول الحوثيون، أو تحقيق انتصار عسكري تفرض بموجبه الاستسلام على خصومها كما يتمنى الكثير من الفصائل التي تقاتل الحوثيين.

والخلاصة التي يمكن الخروج بها من كل ذلك؛ تتمثل في أن الأزمة الحالية في اليمن هي من الصعوبة والتعقيد إلى الحد الذي يجعلها بعيدة عن أي حل قد تشمله تسوية ما. في الوقت نفسه؛ استمرار الأزمة بوتيرتها الحالية يخلق المزيد من التعقيد، وينتج عنه المزيد من العنف والفوضى في دولة تعيش في حالة قريبة من الانهيار. فالحرب التي هي أحد المظاهر الرئيسية للأزمة تحولت إلى حرب استنزاف للدولة اليمنية وللدول المشاركة فيها، لتصبح بمثابة مأزق حقيقي لأهم لاعبيها، بعد أن لم يعد لها من أفق واضح. وكل ذلك أدى إلى وجود رغبة شديدة لدى الدول الكبرى لإيقافها (20).

إلى جانب ذلك؛ يبدو أن  السعودية، التي تقود التحالف، تقوم بمراجعة أهدافها من الحرب، وهي في طريقها لرسم استراتيجية خروج منها. ويبدو أن هذه الاستراتيجية سترتكز على تغيير دور السعودية من طرف في الأزمة والحرب إلى راعٍ للتسوية، ومن ثم القيام برسم الخطوط الرئيسية للمشهد اليمني، وهو الدور الذي لعبته المملكة مع اليمن خلال مراحل تاريخية سابقة. وسيتسنى للحكومة السعودية القيام بلعب هذا الدور في حال تمكنت من إبعاد أية قوة معادية، كإيران، من أن يكون لديها وكلاء في اليمن كالحوثيين وغيرهم. وفي حال نجحت الحكومة السعودية في ذلك؛ فإنها حينئذ ستتمكن من فرض تسوية ما على الأطراف اليمنية المتصارعة.

ومع ذلك؛ فإن تعقيدات المشهد اليمني تجعل من الصعب التكهن بنجاح التسوية السياسية حتى وإن تم فرضها من قبل السعودية، والدول الأخرى؛ فاليمن بسكانه الذين يقاربون الـ30 مليون نسمة ومشاكله المركبة والمزمنة، من فقر شديد، وهوية سياسية هشة ومؤسسات مهترئة، ونخب منقسمة، ودعوات انفصالية، وغيرها من المشاكل التي تتزايد وتتضخم باستمرار، هو أصعب من أن يتم ترتيب أوضاعه من الخارج. ولهذا؛ فإن أفضل ما يمكن توقعه من مفاوضات الكويت الحالية لن يكون إلا تسوية هشة، تؤدي في أفضل الحالات إلى نقل الحرب من مربعها الحالي إلى مربع آخر، كتوقف الضربات الجوية، وهو الأمر الذي سيُضعف الاهتمام الإعلامي بالحرب في اليمن، وما سيخفف الحرج على الحكومات الغربية ودول التحالف.

ومن المحتمل أن تتضمن التسوية في حال إقرارها الملامح التالية:

  •  تشكيل سلطة بنظام محاصصة بخلفيات سياسية ومذهبية وجهوية.
  •  إبقاء السيطرة الفعلية لبعض القوى الداخلة في هذه السلطة، على بعض المناطق التي تعتبر مناطق نفوذها الرئيسية، كالسماح للحوثيين بالسيطرة الفعلية على أجزاء من المنطقة الزيدية، والحراك الانفصالي على مناطق عدن ولحج والضالع، مع بعض القوى السلفية، وسيطرة الإصلاح وحلفائه العسكريين والقبليين على أجزاء من محافظة مأرب والجوف، وبعض الجيوب في محافظتي تعز وأب.
  •  هيمنة قوى سياسية على مؤسسات الدولة وتحديدًا مؤسسات السيطرة والجباية المالية.
  •  ضعف السلطة المركزية وتراجعها لصالح القوى المناطقية.
  •  استمرار التدخل الخارجي الكثيف في جميع المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.
  •  ترحيل الحلول الدائمة إلى المستقبل، والدخول في مرحلة أو مراحل انتقالية وفق تسويات جزئية غير حاسمة.
  •  إضافة مرجعيات جديدة للمرجعيات السابقة ستشكِّل مصادر جديدة للنزاع.
  •  الخلافات الدائمة حول تنفيذ بنود التسوية، والاتهامات المتبادلة بخرقها.

وفي كل الأحوال، فإن مثل هذه التسوية لن تكون إلا نصف حلٍّ يضاف إلى أنصاف الحلول التي اشتُهر بها اليمن خلال خمس سنوات الماضية، والتي كانت بدايتها فيما اعتبرها البعض نصف ثورة في عامي 2011، 2012، ثم ما يمكن اعتباره نصف انقلاب في عامي 2014، 2015، وبعد ذلك ما يمكن اعتبارها أيضًا نصف حرب في عامي 2015، 2016. وأخيرًا، ما يمكن أن نعتبرها نصف تسوية في حال خرجت مفاوضات الكويت بمثل هذه التسوية.