آخر تحديث :الخميس-18 أبريل 2024-02:07ص

منوعات


حلم لا يتحقق.. قصة قصيرة

حلم لا يتحقق.. قصة قصيرة

الجمعة - 26 أبريل 2019 - 09:17 م بتوقيت عدن

-

الهدوء يجتاح المكان، لا يعكره سوى دقات عقارب الساعة، لحظات انتظار مدججة بالقلق المتأجج..جرس الباب يدق..هرع الأب، وفتح الباب..الطارق هو ابنه ربيع..نظر الأب إلى ابنه نظرة تحمل سؤال"ها..ماذا فعلت؟"..رمقه ربيع بوجه قاتم يوحي بالامتعاض،أوصد الباب بعنف واسترسل فى نظراته الحالكة،عاد الأب ليقول:ماذا بك ياولدى..هل أصابك مكروه؟
****
لم يكن ذلك اليوم باليوم العادي..ثمة حالة من التوتر والقلق استحوذت على المنزل..ظلّ ربيع جالسًا أمام الحاسوب منتظرًا ظهور نتيجة الثانوية العامة..أمه تجلس بجواره تدعو الله أن يمن عليه بمجموع يربو على مجموع درجات ابن خالته وكذلك أبوه يدعو الله أن يمنحه مجموعًا يزيد على مجموع درجات ابن عمه ..حقًا كانت المنافسة شائقة،لكن يشوبها القلق الشديد..لحظات من الانتظار..شاشة الحاسوب تملؤها جملة:انتظروا النتيجة بعد قليل.
الأب يسبح ويستغفر بسبحته..نظر إليه ربيع فى تعجب ثم قال فى قرارة نفسه:ياللعجب..إن آخر مرة وجدته فيها يمسك سبحته كنت فى الصف السادس من المرحلة الابتدائية..كان جدي وقتها فى غرفة العمليات والغريب فى ذلك أنه مات.
انتفض ربيع من مكانه بغتة ثم قال متعجبًا متوجسًا:مات!
قال الأب:من الذي مات؟
استدرك ربيع قائلًا:لا..لا ياأبي..لا تشغل بالك.
الآن ظهرت نتيجة الثانوية العامة
صاحت الأم قائلة من باب التنبيه:ظهرت..ظهرت.
ألقى ربيع نظرة على الحاسوب استغرقت وهلة من الزمن،ثم كتب رقم الجلوس وانتظر..احتدمت معركة التسبيح والاستغفار بين الأب والأم،ثم ظهر مجموع الدرجات.
صاح ربيع فرحًا:98%..98%
اغرورقت عينا الأب بدموع الفرح، وعانق ابنه عناقًا لم يشهداه قبل ذلك قط،ثم عانقته أمه باكية،ثم اشتعلت نيران الزغاريد والأهازيج والأفراح..لحظات الانتظار تبعتها ساعات الفرح.
هدأت تلك الأفراح بعد برهة من الزمن ثم اجتمع الأب بابنه ليتناقشا فى أمرٍ ما..نظر الأب إلى ربيع قائلًا:بأى كلية ستلتحق ياولدي؟
"بالطبع بالكلية التى أحلم بها منذ صغرى."
"طبعًا كلية الاقتصاد والعلوم السياسية."
"لا ياأبي..إن حلمى منذ صغري أن ألتحق بكلية دار العلوم."
اترع وجه الأب بآثار الغضب قائلًا:أتجلب لنا العار ياولدى؟
تعجب ربيع قائلًا:عار!..أتسمي تلك الكلية المكتظة بالعلوم والمعارف عارا؟..عار على من يراها عارا.
احمر وجهه غضبًا وقال:وماذا سأقول لإخوتى وأصدقائي؟..أقول لهم ابني حصل على 98% والتحق (متأففًا)بدار العلوم..هيهات..هيهات أن تلتحق بتلك الكلية.
"ياأبي.. لا تحرمني من حلمي..أنت تعلم مدى حبي لدراسة اللغة العربية" .
"ياولدي..إن كلية الاقتصاد والعلوم السياسية تليق بك وبمجموع درجاتك وستجعلك سفيرًا..أتأبى أن تكون سفيرًا؟"
قال ربيع ساخرًا:سفير!..رجاء دعني وشأني.
"للمرة الأخيرة أقول لك هيهات..أسمعت؟"
صمت هنيهة ثم أردف:وأنت تعلم أن رأيك لا وجود له ما دمت أنا على وجه الحياة.
نظر ربيع الى أبيه بضعف ثم قال فى قرارة نفسه:من الجلى أن حصونى قد اندكت كاملة أمام نصال أبي المنهالة عليها..فقد أبى الدمع أن يخرج من جفني،ثم نفذ إلى أعماق قلبي كالنار الملتهبة فأشعلت قلبي ثم سائر أجزاء جسدي.
****
-ماذا بك ياولدى..هل أصابك مكروه؟
-وكيف يصيبني مكروه وأنت موجود؟
-لأنني حصن لك.
-كلاّ..لأنك أنت المكروه.
انفجر غضبًا قائلًا:ماذا تقول ياولد؟
-أخبرك بما يعتري فؤادي..أليس أنها الحقيقة؟
-لقد اعتدت منك على الهراء منذ التحقت بالجامعة.
-قصدك التحقت بها قسرًا..والآن نتحمل جميعًا وخيم العواقب.
-ألم تنجح؟
-بلى..نجحت وبتقدير امتياز.
انفرجت أسارير الأب وهم يعانق ابنه إلا أنه أوقفه على الفور قائلًا:لن تكتمل فرحتك فى تلك المرة ياأبي؛لأنني سأحول إلى الكلية التى أحلم بها منذ صغري سواء شئت أم أبيت.
حنق الأب قائلًا:لقد زاد عنادك إلى أقصى حد، والله لو أبيت رغبتي لن أتحمل نفقاتك البتّة.
صاح ربيع قائلًا:كفاك تهديدا..إلى متى ستظل أجنحتك تنبعج على غيرك على إثر نجاحي؟
بات الأب يترنح كالمجنون ..لا يدري ماذا يقول وماذا يفعل؟..انتابته حالة من الغضب..حاولت الأم تهدئة المعركة بقولها:والله إنه لشيطان رجيم.
استعاذ الأب بالله من الشيطان الرجيم واسترخى على الأريكة متظاهرًا بالهدوء ثم قال لابنه:لقد قلت لك ما عندي..افعل ما شئت.