في عمق ربيعية الشتاء

 

22مايو 1990م

في هذا اليوم وأنا طالبا في جامعة ياجولونسكي كلية الطب في مدينة كراكوف في بولندا، وفي غرفتي في الطابق العاشر من السكن الجامعي، في السنوات الأولى جاءني النباء، نبأ تحقيق الوحدة اليمنية، حلم كل المناضلين الشرفاء، ليس في وطننا، بل في أمتنا والعالم أجمع...

لحظتئذ وساعتئذ ووقتئذ وحينئذ ومكانئذ أنتابني شعور وسيطرت علي أحاسيس جعلتني اخر على السرير بجانبي من هول النبأ، وفجأة انهمرت الدموع من عينيي، ليس فرحا وغبطة بذلك، بل حزنا شديدا، ذلك الحزن لم يكن مصدره عدم الفرحة بذلك النبأ، اذ كيف لي بأن أحزن وأنا منذ عرفت الحياة أحلم بذلك، بل بالوحدة العربية عموما، إنما كان مصدر ذلك الحزن هو :

أولا : ان ذلك الحدث جاء في وقت أفول الايدلوجيات وسقوط المعكسر الاشتراكي وبداية السيطرة الكاملة على العالم من قبل قطب واحد ووحيد بما كان لذلك من آثار سلبية على مجمل الحركات التحررية في العالم الثالث ونحن جزءا منه، ومن ثم غلبة تلك الأنظمة المتعاونه والمرتبطة به.....

ثانيا: ان احد الأطراف التي شاركت في ذلك الحدث لم تكن يوما من الأيام وحدوية النهج والتوجه، بل إنها كانت السبب الرئيسي في قمع كل التيارات والتوجهات الوحدوية، اذ كيف لها بعد ذلك بأن تكون وحدوية إلا إذا كان ذلك يتوافق مع مصالحها البنيوية العصبية الضيقة والمقيتة، وبأن تلك الوحدة سوف تعزز وتقوي من تلك البنيوية..، خاصة أنها تعتبر الطرف الأقوى في ذلك مع نهجها الذي يتوافق مع النظام العالمي الجديد المتمثل بنظام القطب الواحد، ذلك النظام الذي يدعمها في سبيل القضاء على ما تبقى من الحركات الثورية التحررية، سواء كانت تلك الحركات حاكمة أم معارضة....

فالوحدة بالنسبة لها لم تكن نهجا وتوجها وحدويا حقيقيا، ولم تكن استكمالا للمشروع الوطني الحقيقي، بل كانت نهجا وتوجها توسعيا لبنيتها العصبية الضيقة والمقيتة واستكمالا لبسط سيطرتها على مقدرات البلد بإنسانه وأرضه ،والقضاء على ما تبقى من نهج وتوجه وحدوي حقيقي، وهذا ما أثيتته الأحداث التي حدثت وجرت منذ الاعلان عن الوحدة خلال الأيام والأسابيع والشهور والأعوام اللاحقة لذلك الحدث...

ثالثا : ان الأطراف الوحدوية، حاكمة وغير حاكمة، لم تكن وقتئذ في احسن حالاتها، فهي كانت تعاني من إشكاليات عديدة ومتعددة ومتنوعة، داخلية وخارجية وكليهما معا، في كلا الشطريين، والتي لا يتسع المجال هنا لذكرها وتبيانها، إلا أنه ونتيجة لتلك الإشكاليات.. جعلتها في الموقف الاضعف تجاه الأطراف المضادة الأقوى منها، مما جعلها غير قادرة على الرؤية الصحيحة لمتطلبات ما بعد الوحدة وكيفية التعامل معها، وقبل ذلك عدم معرفتها لبنية وبنيوية الأطراف المضادة.. المعرفة العلمية الصحيحة وكيفية التعامل معها....

بل ان الاحداث التي جرت بعد ذلك أثبتت بأنها تعاملت مع ذلك الحدث التاريخي بعفوية وبسذاجة تامة ،سواء في علاقاتها وتعاملها مع الأطراف المضادة أو مع بعضها البعض، حتى أنه خيل لي وقتئذ بأن ما قامت به يعتبر مغامرة خطيرة تؤدي إلى نتائج خطيرة ووخيمة ليس عليها فقط، بل على البلد بإنسانه وأرضه...

كل ذلك لا يحتاج إلى شواهد عليه، فالمجال هنا لا يتسع لذلك، بل ان النتائج المترتبة على ذلك حتى الآن خير شاهد وانصع دليل عليه، وكأنها هربت بفعلتها تلك من المصير المجهول الذي ينتظرها.. إلى مصير أخر اشد جهلا وغموضا.....

وعليه :

فإن كل تلك الأسباب وغيرها، والتي خطرت ببالي وقت سماع النبأ، جعلتني أبكي على المصير المجهول والمحتوم الذي في انتظارنا جميعا، أفرادا ومكونات مختلفة، وقبل ذلك إنسانا وأرضا.. 

بل أنني شخصيا عندما انهيت دراستي وعدت ولما شاهدته ولمسته على أرض الواقع جعلني أكثر يقينا من ذلك، وهذا ما كنت أقوله واتحدث عنه، وبأن الطوفان قادم لا محالة، وهذا ما حدث فعلا، بل ان الكثيرون ممن كانوا يستمعون إلي ينعتوني بأنني متشأم ومحبط ويأس وقنوط، وبأنني أقول ذلك تنصلا من وعن المسؤلية التي يجب بأن أقوم بها....

وبعد ذلك أثبتت الأيام صدق ذلك..،مما جعل الكثيرون يفهمون ذلك ولكن بعد فوات الأوان ربما البعض منهم هذه الكلمات ويشهدون بصدق ما أقوله وما كنت أقوله....

هذا باختصار شديد وموجز وغاية في البساطة...

إنها " ربيعية الشتاء"

 

.....

#الخلاصة :

ينقل أنه عندما وجه احد الصحافيين سؤال للاستاذ/عبد الله البردوني بعد تحقيق  الوحده عن رايه في الوحده فكان رده علي النحو التالي: (ان الوحدة كانت قبل الوحده احسن.) ووجه اليه سؤال عن. الديمقراطية فضحك ضحكته المعروفه وكان جوابه علي النحوالتالي :(النميمة حرام.والغيبه كذلك).

ولمن أراد معرفة المزيد حول رأي البردوني حول  فما عليه إلا قراءة قصيدته الرائعة" ربيعية الشتاء"التي كتبها في أواخر مايو وأوائل يونيو من العام 1990م.

يكم.. يتجدد الأمل.. ويتحقق

.....

#نعم-للدولة-المدنية-الحديثة

إن غدا لناظره أقرب وأفضل

دعوها فإنها مأمورة