" الشرق الأوسط" : يمنيون يجوبون شوارع صنعاء بحثاً عن أبنائهم المختطفين

عدن - نافذة اليمن : «الشرق الأوسط»

 

«لم أعد أقوى على الوقوف أو الحركة من شدة البكاء، ولم أعد قادرة على سماع مزيد من التطمينات غير المجدية ممن حولي، فقط أُريد أن أرى فلذة كبدي أمامي على قيد الحياة». بهذه العبارة اختصرت أم سليمان قصة حزن عميق ومعاناة مرت بها منذ أسبوع من اختفاء ابنها سليمان البالغ من العمر 20 عاماً بصورة غامضة من إحدى حارات صنعاء.

أم سليمان التي تسكن وعائلتها في حي كبير بصنعاء تؤكد اختفاء ابنها «قبل أسبوع، حين خرج سليمان من المنزل في الصباح ليحضر عرس أحد أصدقائه في الحارة المجاورة لحارتنا، وحتى اليوم لم يعد ابني إلى المنزل ولا نعرف إلى أين ذهب، بحثنا عنه في كل مكان لدى أهلنا ومعارفنا وفي منازل أصدقائه»، تقول أم سليمان: «حتى المراكز الصيفية التي كان والده يتوقع أنه قد انضم إلى أحدها، لكن ذلك كله باء بالفشل ولم نعرف له أي مصير أو أثر».

حال أم سليمان لا يختلف كثيراً عن عشرات وإن لم تكن مئات الأمهات اللاتي فجعن مرات عدة باختطاف الميليشيات الحوثية لأبنائها، حيث قدرت آخر إحصائية رسمية كشف عنها وزير حقوق الإنسان اليمني الدكتور محمد عسكر، عن خطف وتجنيد الجماعة الحوثية منذ انقلابها لأكثر من 30 ألف طفل واستخدامهم كوقود في معاركها القتالية.

والد سليمان، ناله أيضاً نصيب من المعاناة جراء فقدان ابنه، فقد أكد في حديثه مع «الشرق الأوسط» أنه عانى وما زال يعاني مرتين، الأولى باختفاء سليمان، والثانية باستمرار تخييم أجواء الحزن والقهر على زوجته وبناته وبقية أفراد عائلته.

ويسرد الأب المكلوم بعضاً من التفاصيل التي قال إنها تقف وراء اختفاء نجله قائلاً: «بعد عملية بحث متواصلة استغرقت أسبوعاً وصلنا فيها لمرحلة اليأس، اقترح علي أحد الأصدقاء بالذهاب لسؤال بعض مشرفي الحوثي في حارتنا والحارات المجاورة عن مصير ابني المختطف».

وأشار إلى تأكيد المشرف الحوثي في الحارة التي يقطنها بعد إلحاحه الطويل واستجدائه له وتدخل وساطات، بأن ابنه سليمان موجود وقد ذهب في دورة ثقافية مع الجماعة.

وتابع والد سليمان: «أحسست وكأني فقدت الوعي عند سماعي ذلك الخبر من المشرف الحوثي وما زاد قهري أنه وبكل بجاحة يقول اطمئن... ابنك بخير، ولم يذهب للدورة الثقافية بمفرده بل رفقة عدد من أبناء الحارة!!»، يتابع والد سليمان: «فوق كل هذا الإجرام والعبث والاستهتار واللامبالاة بحياة ومصير أطفالنا وبمشاعرنا كأهل؛ لم يفصح المشرق الحوثي لي عن مكان وجود ابني ولا متى سيعود ولا أي بسيطة معلومات عنه».

وتابع: «الأمر الذ أقلقني كثيراً وزاد من خوفي أن الكثير ممن أعرفهم أكدوا لي أنه حال انتهاء ابني من الدورة الثقافية الحوثية قد يزج به في أي جبهة قتالية لتطبيق ما تلقاه وتعلمه في الدورة الطائفية وربما يعود بعدها إليكم حياً أو جثة هامدة».

وتساءل «أبو سليمان»: «لمن أشكو مشكلتي وقهري وحزن عائلتي.؟ وماذا أقول لأهلي عندما أعود إليهم.؟ خصوصاً أن هذه العصابة تقف اليوم على رأس السلطة، فمن سينصفنا من جرائمها وجبروتها وعبثها؟»

مع ارتفاع وتيرة اختطاف وتجنيد الميليشيات للأطفال بمناطق سيطرتها وإلحاقهم بدورات طائفية وتدريبهم على السلاح في ممارسة واضحة لأبشع صور انتهاك قوانين حماية الطفل والأعراف والاتفاقيات الدولية. يؤكد أحد الناشطين بصنعاء، والمتابع لهذه القضية، ارتفاع ظاهرة اختطاف الأطفال بالعاصمة صنعاء خلال الآونة الأخيرة.

ويقول الناشط بشبكات التواصل الاجتماعي، لـ«الشرق الأوسط»، إنه لا يمر يوم إلا ويقرأ من 1 إلى 4 إعلانات عن اختفاء أطفال من أحياء متفرقة في صنعاء.

ويشير إلى أن أعمار غالبية الأطفال الذي يتم نشر إعلانات اختفائهم في مجموعات عبر التطبيق الشهير للمراسلات «واتساب» التي يشترك فيها، تتراوح ما بين 15 و25 عاماً. وهي الشريحة التي قال إن الميليشيات تسعى لاستهدافها لسهولة غسل أدمغتها بأفكارها المتطرفة.

وبحسب ما ذكره الناشط، تمثل مناطق: (السنينة، ومذبح، وشملان، والقاع، وصنعاء القديمة، وشميلة، وغيرها) أحياء سكنية رئيسية بصنعاء تُكثف فيها الميليشيات من جرائم اختطاف الأطفال والزج بهم دون معرفة أسرهم في جبهات القتال.

وكشف الناشط عن أن قرابة 6 أطفال جرى الإعلام عن خطفهم في غضون أسبوعين ماضيين من أحياء مذبح والسنينة. في حين أكدت وسائل إعلام محلية أن منطقة معين التي تدخل حارة السنينة في نطاقها سجلت بأواخر فبراير (شباط) الماضي اختفاء أكثر من 200 طفل بصورة غامضة.

واعتبر الناشط الحقوقي أن الوضع أصبح في غاية الخطورة نتيجة التنامي الكبير لهذه الظاهرة. وقال: «نحن بحاجة اليوم لعمل ميداني مجتمعي وإعداد إحصائية شاملة بعدد الأطفال المخطوفين فقط في أحياء وحارات العاصمة صنعاء».

وعلى الصعيد ذاته، يتحدث سكان في صنعاء عن استخدام الميليشيات الانقلابية طرقاً وأساليب جديدة لمضاعفة أعداد مقاتليها من فئتي الأطفال والشباب.

وأشار السكان الذي تحدثوا مع «الشرق الأوسط» مع تفضيل عدم الإشارة إلى أسمائهم، إلى استخدام الميليشيات شباباً ينتمون إليها سلالياً لاستدراج أعداد كبيرة من الأطفال والشباب في أحياء متفرقة من صنعاء ومناطق سيطرتها بهدف مصادقتهم أولاً ثم إغوائهم وإقناعهم بأساليب كيدية مختلفة للانضمام لصفوفها وتنفيذ كل أوامر قياداتها وتوجهاتها.

مقابل الجرائم التي ترتكبها الميليشيات في حق الطفولة وما تنتج عنه من تخوف الكثير من اليمنيين على حياة ومستقبل أبنائهم، اضطر (ع.أ.م)، من سكان صنعاء، لنقل ابنه صادق (19 عاماً)، للعيش لدى أقارب له في الأردن بعد أن أحاط به شباب حوثيون في الحارة وتحولوا إلى أصدقاء مقربين منه، ويجتمعون معه باستمرار متبادلين إرسال «الزوامل»، وهي أغانٍ حماسية تحرض بعضها على القتال، وسماع خطب ومحاضرات طائفية.

وقبل نحو شهر من كتابة التقرير، باعت أم مصطفى وهي من سكان مدينة إب، هي الأخرى كل ما لديها من حلي لإرسال ولدها للعمل مع خاله في مطعم شعبي بمحافظة حضرموت.

وفي تعليقه على الموضوع، يقول ناشط يمني في صنعاء إن من واجب الأهالي حماية أبنائهم، خصوصاً صغار السن من أي مخاطر قد تواجههم.

ويضيف: «إنه من الطبيعي أن يحمي كل ولي أمر أو رب الأسرة أطفاله من السموم التي تبثها الجماعة، خصوصاً أنها لا تكتفي بتلقينهم أفكاراً وثقافات مغلوطة بل تحولهم مع الأيام إلى وقود لاستمرار حروبها العبثية.

ويشير إلى أن السبب الرئيسي الذي يقف وراء إقدام الميليشيات على اختطاف الأطفال، هو تحويلهم إلى وقود في ميادين القتال. وقال: «إن الميليشيات ما زالت تبذل قصارى جهدها في خطف أكبر عدد ممكن من الأطفال والشباب لغسل عقولهم وتحويلهم مستقبلاً إلى قنابل موقوتة».

واعتبر أن هذا الأمر جعل من حوادث اختفاء الأطفال حدثاً مألوفاً، خصوصاً في العاصمة صنعاء ومناطق سيطرة الميليشيات الحوثية.

وعلى مدى أربع سنوات من الانقلاب الحوثي قُتل المئات من الأطفال الذين جندتهم الجماعة بعد خطفهم وإلحاقهم بدورات ثقافية، وزجت بهم في جبهات قتالية. كما وقع المئات منهم في الأسر، في حين لا تزال مراكز إعادة تأهيل الأطفال المجندين بمناطق الشرعية تضم الكثير من أولئك الأطفال الذين وقعوا ضحية الميليشيات الإيرانية التي يجب على تحالف دعم الشرعية والحكومة اليمنية الإسراع باتخاذ إجراءات عاجلة لتفادي هذه الكارثة المستقبلية.

وتتمنى الأسر اليمنية التي اختطفت الميليشيات أبناءها، وضع حد لمعاناتها وأحزانها. وطالبت في الوقت نفسه بسرعة الكشف عن مصير أبنائها وإعادتهم إليها ومحاسبة المجرمين الذين يقفون وراء عملية اختطافهم.

وحملت بعض تلك الأسر الميليشيات الحوثية المسؤولية الكاملة عن حياة وسلامة أطفالها المختفين. وتساءلت: «ما الذي تريده الجماعة من أطفالنا ألم يكفيها ما نواجهه اليوم من أزمات وجوع وفقر وأمراض وأوبئة بسبب انقلابها، ومع هذا كله تحاول أن تسرق منا فلذات أكبادنا».

وناشدت كافة المنظمات الإنسانية والحقوقية المحلية والدولية المعنية بحقوق الطفل التدخل الفوري لوقف جرائم الميليشيات في الأطفال والطفولة في اليمن.